الباحث القرآني

ولَمّا كانَ كُلُّ مَن يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الدَّنايا الَّتِي مِن شَأْنِها إبْعادُ النّاسِ عَنْهُ ونَفَّرَتْهم مِنهُ يَسْعى في سَتْرِها إنْ كانَ عاقِلًا بِلِينٍ وتَواضُعٍ (p-٣٠٢)وخِداعٍ وسُهُولَةِ انْقِيادٍ، بَيَّنَ أنَّ هَذا عَلى [ غَيْرِ - ] ذَلِكَ فَقالَ مُنَبِّهًا عَلى هَذا بِالبُعْدِيَّةِ: ﴿عُتُلٍّ﴾ أيْ أكُولٍ شَدِيدِ الخُصُومَةِ جافٍّ غَلِيظٍ في خُلُقِهِ وخُلُقُهُ ثَقِيلٌ مُرٌّ، كَأنَّهُ قِطْعَةُ جَبَلٍ قَدِ انْقَطَعَ عَنْ سائِرِهِ لا يَنْجَرُّ إلى خَيْرٍ إلّا بِعُسْرٍ وصُعُوبَةٍ وعُنْفٍ، مَن عَتَلَهُ - إذا قادَهُ بِغِلْظَةٍ، فَهو في غايَةِ ما يَكُونُ مِن يُبْسِ الطِّباعِ وعَدَمِ الطَّواعِيَةِ في الخَيْرِ والِانْطِباعِ، قالَ الرّازِيُّ: وسُئِلَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ - أيْ عَنِ العُتُلِّ - فَقالَ: ”هُوَ الشَّدِيدُ الخُلُقِ الرَّحِيبُ الجَوْفِ الأكُولُ الشَّرُوبُ الظَّلُومُ“ ونَبَّهَ سُبْحانَهُ عَلى ثَباتِهِ في تِلْكَ المَخازِي المُوجِبِ لِاسْتِغْراقِ أوْقاتِهِ وأحْوالِهِ بِها بِنَزْعِ الخافِضِ فَقالَ: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الخُلُقِ الجَدِيرِ بِتَكَلُّفِ الإبْعادِ عَنْهُ الَّذِي تَجْمَعُ مِن هَذِهِ الأوْصافِ الَّتِي بَلَغَتْ نِهايَةَ القَباحَةِ حَتّى صارَتْ كَأنَّها خُلُقٌ واحِدٌ ثابِتٌ راسِخٌ لا حِيلَةَ [ لَهُ - ] في مُداواتِهِ، وعَلى ذَلِكَ نَبَّهَ قَوْلُهُ: ﴿زَنِيمٍ﴾ أيْ صارَتْ لَهُ عَلامَةَ سُوءٍ وشَرٍّ وثَناءٍ قَبِيحٍ ولِأُمَّةٍ بَيِّنَةٍ ومَعْرِفَةٍ يُعْرَفُ بِها كَما تُعْرَفُ الشّاةُ بِزَنَمَتِها. وهي الجِلْدَةُ الَّتِي تَكُونُ تَحْتَ حَلْقِها مُدَلّاةً تَنُوسُ، والعَبْدُ بِمَعايِبِهِ وسَفْسافِ أخْلاقِهِ، وقِيلَ: هو الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِقَوْمٍ ولَيْسَ مِنهم في شَيْءٍ، ولا يَخْلُو التَّعْبِيرُ بِهِ مِن إشارَةٍ إلى أنَّهُ دَعِيٌّ لَيْسَ ثابِتَ النَّسَبِ (p-٣٠٣)إلى مَن يَنْتَسِبُ إلَيْهِ، لِيَكُونَ مُنْقَطِعًا عَنْ كُلِّ خَيْرٍ وإنْ كانَ يُنْسَبُ إلى آباءٍ كِرامٍ، أخْذًا مِن زَنَمَةِ البَعِيرِ، وهي جِلْدَةٌ تُقْطَعُ مِن أُذُنِهِ فَتُتْرَكُ مُعَلَّقَةً، ولا يُفْعَلُ ذَلِكَ إلّا بِكِرامِ الإبِلِ، وهَذِهِ الأفْعالُ كُلُّها تُنافِي الشَّجاعَةَ المُقْتَضِيَةَ لِإحْسانِ صاحِبِها إلى كُلِّ أحَدٍ وأنْ لا يَحْسَبُ لَهُ حِسابًا ولا يُوصَلُ إلَيْهِ أذًى إلّا بَعْدَ ظُهُورِ شَرِّهِ فَيُعامِلُهُ حِينَئِذٍ بِحَسَبَ العَدْلِ بِما لا يُرْزِئُ بِالمُرُوءَةِ والمُشارِ إلَيْهِ بِهَذا مَعَ إرادَةِ العُمُومِ قِيلَ: الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، وقِيلَ: الأخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وقِيلَ: الأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لا نَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَ أحَدًا ولا ذَكَرَ [ مِن - ] عُيُوبِهِ ما ذَكَرَ مِن عُيُوبِ الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب