الباحث القرآني

ولَمّا نَهاهُ عَنْ طاعَةِ المُكَذِّبِ وعَلَّلَهُ، وكانَ مِنَ النّاسِ مَن يُخْفِي تَكْذِيبَهُ، قالَ ناصِبًا عَلاماتِ المُكَذِّبِ: ﴿ولا تُطِعْ﴾ أيْ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ مِنهم ولا مِن غَيْرِهِمْ ﴿كُلَّ حَلافٍ﴾ أيْ مَبالَغٍ في الِاجْتِراءِ عَلى الأيْمانِ وإنْ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ تَكْذِيبُهُ، ولَيْسَ المُرادُ النَّهْيَ عَنِ العُمُومِ بَلْ عُمُومُ النَّهْيِ، أيِ انْتَهِ عَنْ كُلِّ حَلّافٍ فالنَّهْيُ أصْلٌ والكُلُّ وارِدٌ عَلَيْهِ، كَما تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ مِثْلِهِ في آخِرِ البَقَرَةِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أثِيمٍ﴾ [البقرة: ٢٧٦] وهَذِهِ الأوْصافُ مُتَفَرِّخَةٌ مِنَ الكَذِبِ وخَبُثِ السَّجِيَّةِ، فَهي كالتَّفْصِيلِ، فَكَثْرَةُ الحَلِفِ دالَّةٌ عَلى فَسادِ القُوَّةِ العِلْمِيَّةِ فَنَشَأ عَنْها سُقُوطُ تَعْظِيمِ الحَقِّ، فَصارَ صاحِبُها لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، فَلِذَلِكَ يَحْلِفُ صادِقًا وكاذِبًا كَيْفَما اتَّفَقَ ﴿مَهِينٍ﴾ أيْ حَقِيرٍ ضَعِيفٍ سافِلِ الهِمَّةِ والمُرُوءَةِ سافِلِ الرَّأْيِ، لِأنَّ الإنْسانَ لا يَكْثُرُ الحَلِفُ إلّا وهو يَتَصَوَّرُ في نَفْسِهِ أنَّهُ لا يُصَدَّقُ إلّا بِذَلِكَ، لِأنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ المَهابَةِ عِنْدَ مَن يُحَدِّثُهُ والجَلالَةُ ما يُصَدِّقُهُ (p-٣٠٠)بِسَبَبِهِ، وهو مُؤْثِرٌ لِلْبِطالَةِ لِما فِيها مِن مُوافَقَةِ طَبْعِهِ، وذَلِكَ هو الحَقارَةُ الكُبْرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب