الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ مَن نَهى آخَرَ عَنْ هَواهُ وبالَغَ في ذَلِكَ أبْغَضَهُ ذَلِكَ النّاهِي وتَمَنّى هَلاكَهُ، فَكَيْفَ إذا والى عَلَيْهِ الإنْذارَ والتَّخْوِيفَ بِما لا يَصِلُ إلى دَرْكِهِ عَقْلَهُ ولا يَرى لَهُ مُقَدِّمَةً بِتَحَقُّقِها، وكانَ الكُفّارُ يَسْعَوْنَ في هَلاكِ النَّبِيِّ ﷺ ومَن تَبِعَهُ كُلُّ سَعْيٍ، وكانَ هَلاكُ النَّذِيرِ إنَّما يَنْفَعُ المُنْذِرَ عَلى تَقْدِيرِ نَجاتِهِ مِن (p-٢٦٧)هَوْلِ ما كانَ يُحَذِّرُهُ مِنهُ النَّذِيرُ، أمَرَهُ سُبْحانَهُ أنْ يُذَكِّرَهم بِهَذا لِيَنْظُرُوا في ذَلِكَ المُتَوَعِّدِ بِهِ، فَإنْ كانَ مُمْكِنًا سَعَوْا في الخَلاصِ مِمّا قَدْ يَكُونُ مِنهُ مِنَ العَذابِ، وسَلَكُوا في الهَرَبِ مِنهُ مَسْلَكًا سَهْلًا بَعِيدًا مِن سُوءِ الِانْقِلابِ، ودَخَلُوا إلى فَسِيحِ المانِعِ مِنهُ مِن أوْسَعِ بابٍ، أوْ كَفُّوا عَنِ السَّعْيِ في هَلاكِ النَّذِيرِ وطَوَوْا ما مَدُّوا لَهُ مِنَ الأسْبابِ، لِيَدُلَّهم إذا كانَ صادِقًا عَلى شَيْءٍ يَحْمِيهِمْ أوْ يُخَفِّفُ عَنْهم ذَلِكَ المُصابَ، فَقالَ مُنَبِّهًا عَلى شِدَّةِ الحَذَرِ مِن مَكْرِ اللَّهِ وعَدَمِ الِاغْتِرارِ [بِهِ - ] لِلْمُؤْمِنِ الطّائِعِ لِعِلْمِهِ، أنَّهُ لا يَقْدِرُ أنْ يُقَدِّرَ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ فَكَيْفَ بِالعاصِي فَضْلًا عَنِ الكافِرِ مُكَرِّرًا لِلْأمْرِ بِالقَوْلِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ صَدَرَتْ بِهِ كافِيَةٌ في الدَّلالَةِ عَلى مَقْصُودِ السُّورَةِ وعائِدَةٌ إلَيْهِ لِما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِن باهِرِ القُدْرَةُ ووافِرِ العَظَمَةِ: ﴿قُلْ﴾ أيْ يا أفْضَلَ الخَلْقِ كُلِّهِمْ وأشْرَفَهم وأعْظَمَهم وأتْقاهم لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ طالَ تَضَجُّرُهم مِنكَ وهم يَتَمَنَّوْنَ هَلاكَكَ حَسَدًا مِنهم وعَمًى في قُلُوبِهِمْ وبُعْدًا وطَرْدًا، قَدِ اسْتَحْكَمَ واسْتَدارَ بِهِمْ ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزُ العَلِيمُ ﴿أرَأيْتُمْ﴾ أيْ أخْبِرُونِي خَبَرًا أنْتُمْ في الوُثُوقِ بِهِ عَلى ما هو كالرُّؤْيَةِ.
ولَمّا كانُوا غَيْرَ عالِمِينَ بِعاقِبَةِ الأمْرِ في هَلاكِهِ ومَن مَعَهُ بِما يَقْصِدُونَهم بِهِ، حَذَّرَهم عاقِبَةَ ذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِأداةِ الشَّكِّ، وإسْنادِ الإهْلاكِ (p-٢٦٨)إلى اللَّهِ مُعَبِّرًا عَنِ الِاسْمِ الدّالِّ عَلى تَناهِي العَظَمَةِ إلى حَدٍّ لا يَدْعُ لِغَيْرِهِ مِنها شَيْئًا إعْلامًا بِأنَّهُ عَلى القَطْعِ بِأنَّهُ لا شَيْءَ في أيْدِيهِمْ فَهو لا يَخافُهم بِوَجْهٍ فَقالَ: ﴿إنْ أهْلَكَنِيَ﴾ أيَّ أماتَنِي بِعَذابٍ أوْ غَيْرِهِ ﴿اللَّهُ﴾ [أيِ - ] الَّذِي لَهُ مِن صِفاتِ الجَلالِ والإكْرامِ ما يَعْصِمُ بِهِ ولَيَّهُ ويَقْصِمُ بِهِ عَدُوَّهُ ﴿ومَن مَعِيَ﴾ أيْ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُناصِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أجْمَعِينَ بِغَضَبِهِ عَلَيْنا مَعَ ما لَنا مِنَ الأسْبابِ بِالطّاعَةِ بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ الَّتِي رَتَّبَ سُبْحانَهُ عَلَيْها الفَوْزَ والنَّجاةَ حَتّى لا يَبْقى أحَدٌ مِمَّنْ يُكَدِّرُ عَلَيْكم بِالمَنعِ مِنَ الهَوى القائِدِ إلى القُوى والحَثِّ عَلى العَقْلِ الضّامِنِ لِلنَّجاةِ ﴿أوْ رَحِمَنا﴾ بِالنُّصْرَةِ وإظْهارِ الإسْلامِ كَما نَرْجُو فَأنْجانا بِذَلِكَ مِن كُلِّ سُوءٍ ووَقانا كُلَّ مَحْذُورٍ وأنالَنا كُلَّ سُرُورٍ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ الإهْلاكَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى النَّجاةِ ثانِيًا، والرَّحْمَةَ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى الغَضَبِ أوَّلًا ﴿فَمَن﴾ وكانَ ظاهِرُ الحالِ يَقْتَضِي: يُجِيرُكم مَعَ طَلَبِكُمُ المُسَبِّباتِ مِنَ الفَوْزِ والنَّجاةِ بِغَيْرِ أسْبابٍ بَلْ بِأسْبابٍ مُنافِيَةٍ لِلنَّجاةِ جالِبَةٍ لِلْعَذابِ، فَوَضَعَ الظّاهِرَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ تَعْمِيمًا وتَعْلِيقًا لِلْحُكْمِ بِالوَصْفِ واسْتِعْطافًا لَهم إلى إيقاعِ الإيمانِ والرُّجُوعِ عَنِ الكُفْرانِ فَقالَ: ﴿يُجِيرُ الكافِرِينَ﴾ أيِ العَرِيقَيْنِ في الكُفْرِ بِأنْ (p-٢٦٩)يَدْفَعُ عَنْهم ما يَدْفَعُ الجارُ عَنْ جارِهِ ﴿مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ يُصِيبُهم بِهِ الَّذِي هم عالِمُونَ بِأنَّهُ لا شَيْءَ [إلّا - ] بِيَدِهِ، وإلّا لَنَجى أحَدٌ مِنَ المَوْتِ الَّذِي خَلَقَهُ وقَدَّرَهُ بَيْنَ عِبادِهِ جَزاءً عَلى ما كانُوا يُؤْلِمُونَ مَن يَدْعُوهم إلَيْهِ ويَنْصَحُهم فِيهِ، فَإذا كانَ لا يُنْجِيهِمْ مِن عَذابِهِ شَيْءٌ سَواءٌ مِتْنا أوْ بَقَيْنا فالَّذِي يَنْبَغِي لَهم إنْ كانُوا عُقَلاءَ السَّعْيُ فِيما يُنَجّى مِن عَذابِهِ، لا السَّعْيُ في إهْلاكِ مَن هو ساعٍ في خَلاصِهِمْ مِنَ العَذابِ، ولا يَقْدِرُونَ عَلى إهْلاكِهِ أصْلًا إلّا بِتَقْدِيرِ الَّذِي أمَرَهُ بِإنْذارِهِمْ.
{"ayah":"قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِنۡ أَهۡلَكَنِیَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِیَ أَوۡ رَحِمَنَا فَمَن یُجِیرُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ مِنۡ عَذَابٍ أَلِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق