الباحث القرآني

ولَمّا حَكى سُبْحانَهُ ما قالُوهُ لِلْخَزَنَةِ تَحَسُّرًا عَلى أنْفُسِهِمْ حَكى ما قالُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيما بَيْنَهم زِيادَةً في التَّحَزُّنِ ومَقْتًا لِأنْفُسِهِمْ بِأنْفُسِهِمْ فَقالَ تَعالى: ﴿وقالُوا﴾ أيِ الكَفَرَةِ في تَوْبِيخِ أنْفُسِهِمْ: ﴿لَوْ كُنّا﴾ أيْ بِما هو لَنا كالغَرِيزَةِ. ولَمّا كانَ السَّمْعُ أعْظَمَ مَدارِكِ العَقْلِ الَّذِي هو مَدارُ التَّكْلِيفِ قالُوا: ﴿نَسْمَعُ﴾ أيْ سَماعًا يَنْفَعُ بِالقَبُولِ لِلْحَقِّ والرَّدِّ لِلْباطِلِ ﴿أوْ نَعْقِلُ﴾ أيْ بِما أدَّتْهُ إلَيْنا حاسَّةُ السَّمْعِ وغَيْرِها عَقْلًا يُنْجِي وإنْ (p-٢٣٨)لَمْ يَكُنْ سَمْعٌ، وإنَّما قَصَرُوا الفِعْلَيْنِ إشارَةً إلى أنَّ ما كانَ لَهم مِنَ السَّمْعِ والعَقْلِ عَدَمٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَدْفَعْ عَنْهم هَذا البَلاءُ بِالقَبُولِ مِنَ الرُّسُلِ لِما ذَكَّرُوهم بِهِ مِن نَصائِحِ رَبِّهِمْ وشَهادَةِ الشَّواهِدِ مِنَ الآياتِ البَيِّناتِ ﴿ما كُنّا﴾ أيْ كَوْنًا دائِمًا ﴿فِي أصْحابِ السَّعِيرِ﴾ أيْ في عِدادِ مَن أُعِدَّتْ لَهُ النّارُ الَّتِي هي في غايَةِ الِاتِّقادِ والحَرِّ والتَّلَهُّبِ والتَّوَقُّدِ حَتّى كَأنَّ بِها جُنُونًا، وحَكَمَ بِخُلُودِهِمْ في صُحْبَتِها، وأعْظَمُ ما في هَذا مِنَ العَذابِ بِكَوْنِهِمْ أُلْجِئُوا إلى أنْ يُباشِرُوا تَوْبِيخَ أنْفُسِهِمْ ومَقْتَها بِأنْفُسِهِمْ أنَّهُ لا يَقْبَلُ مِنهم خُرُوجًا عَنِ العادَةِ في الدُّنْيا مِن أنَّ الإنْسانَ إذا أظْهَرَ الخُضُوعَ بِاعْتِرافِهِ ولَوْمِهِ نَفْسَهُ وإنْصافِهِ رُحِمَ وقُبِلَ، وفي الآيَةِ أعْظَمُ فَضِيلَةٍ لِلْعَقْلِ، رَوى ابْنُ المُحَبَّرِ في كِتابِ العَقْلِ والحارِثُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «"لِكُلِّ شَيْءٍ دِعامَةٌ ودِعامَةُ المُؤْمِنِ عَقْلُهُ فَبِقَدْرِ عَقْلِهِ تَكُونُ عِبادَتُهُ، أما سَمِعْتُمْ قَوْلَ الفُجّارِ ﴿لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ ما كُنّا في أصْحابِ السَّعِيرِ﴾» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب