الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ ما تَقَدَّمَ مِن لِينِهِ ﷺ لِأضْعَفِ النّاسِ النِّساءِ وحُسْنِ أدَبِهِ وكَرِيمِ عِشْرَتِهِ لِأنَّهُ مَجْبُولٌ عَلى الشَّفَقَةِ عَلى عِبادِ اللَّهِ والرَّحْمَةِ لَهُمْ، وخَتَمَ بِما لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشَّرَفِ ولِلَّهِ مِن تَمامِ القُدْرَةِ، أنْتَجَ ذَلِكَ القَطْعَ بِإذْلالِ أعْدائِهِمْ وإخْزائِهِمْ فَقالَ مُدارِيًا لَهم مِن خَطَرَ ذَلِكَ اليَوْمِ بَيْدَ أنْصَحُ الخَلْقِ [ لِيَكُونَ -] ﷺ جامِعًا في طاعَتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى بَيْنَ المُتَضادّاتِ مِنَ اللِّينِ والشِّدَّةِ والرِّضى والغَضَبِ والحِلْمِ والِانْتِقامِ وغَيْرِها، فَيَكُونُ ذَلِكَ أدَلُّ عَلى التَّعَبُّدِ لِلَّهِ بِما أمَرَ بِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى والتَّخَلُّقِ بِأوامِرِهِ وكُلُّ ما يُرْضِيهِ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ﴾ (p-٢٠٦)مُنادِيًا بِأداةِ التَّوَسُّطِ إسْماعًا لِلْأُمَّةِ الوُسْطى تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُمُ المُنادَوْنَ في الحَقِيقَةِ، ولِأجْلِ دَلالَتِها عَلى التَّوَسُّطِ واللَّهُ أعْلَمُ كانَ لا يَتَعَقَّبُها إلّا ما لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ، مُعَبِّرًا بِالوَصْفِ الدّالِّ عَلى الرِّفْعَةِ بِالإعْلامِ بِالأخْبارِ الإلَهِيَّةِ المَبْنِيِّ عَلى الإحْكامِ والعَظَمَةِ المُثْمِرَةِ لِلْغَلَبَةِ، وأمّا وصْفُ الرِّسالَةِ فَيَغْلِبُ فِيهِ الرَّحْمَةُ فَيَكْثُرُ إقْبالُهُ عَلى اللِّينِ والمُسايَسَةِ نَظَرًا إلى وصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ: ﴿جاهِدِ الكُفّارَ﴾ أيِ المُجاهِرِينَ بِكُلِّ ما يُجْهِدُهم فَيَكُفُّهم مِنَ السَّيْفِ وما دُونَهُ لِيَعْرِفَ أنَّ الأُسُودَ إنَّما اكْتَسَبَتْ مِن صَوْلَتِكَ، فَيَعْرِفُ أنَّ ذَلِكَ اللِّينَ لِأهْلِ اللَّهِ إنَّما هو مِن تَمامِ عَقْلِكَ وغَزِيرِ عِلْمِكَ وفَضْلِكَ، وكَبِيرِ حِلْمِكَ وخَوْفِكَ مِنَ اللَّهِ ونُبْلِكَ: ﴿والمُنافِقِينَ﴾ [ أيِ -] المُساتِرِينَ بِما يَلِيقُ بِهِمْ مِنَ الحُجَّةِ إنِ اسْتَمَرُّوا عَلى المُساتَرَةِ، والسَّيْفِ إنِ احْتِيجَ إلَيْهِ إنْ أبْدَوْا نَوْعَ مُظاهَرَةٍ ﴿واغْلُظْ﴾ أيْ كُنْ غَلِيظًا بِالفِعْلِ والقَوْلِ بِالتَّوْبِيخِ والزَّجْرِ والإبْعادِ والهَجْرِ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ فَإنَّ الغِلْظَةَ عَلَيْهِمْ مِنَ اللِّينِ لِلَّهِ كَما أنَّ اللِّينَ لِأهْلِ اللَّهِ مِن خَشْيَةِ اللَّهِ، وقَدْ أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِاللِّينِ [ لَهم -] في أوَّلِ الأمْرِ لِإزالَةِ أعْذارِهِمْ وبَيانِ إصْرارِهِمْ، فَلَمّا بَلَغَ الرِّفْقَ أقْصى مَداهُ جازَهُ إلى الغِلْظَةِ وتَعِداهُ، وقَدْ بانَ بِهَذِهِ الآيَةِ أنْ أفْعَلَ التَّفْضِيلَ في قَوْلِ النِّسْوَةِ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ”(p-٢٠٧)أنْتَ أفَظُّ وأغْلَظُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ“ عَلى بابِهِ ولا مَحْذُورَ. ولَمّا كانَ انْتِقامُ الوَلِيِّ مِنَ العَدُوِّ إنَّما هو لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، لاحَظَ لَهُ فِيهِ، فَكانَ مُوجِبًا لِعَدَمِ اكْتِفاءِ اللَّهِ بِهِ في حَقِّ الوَلِيِّ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: فَإنَّهم لَيْسَ لَهم عِصْمَةٌ ولا حُرْمَةٌ في الدُّنْيا ولا قُوَّةٌ وإنْ لاحَ في أمْرِهِمْ خِلافُ ذَلِكَ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ومَأْواهُمْ﴾ أيْ في الآخِرَةِ ﴿جَهَنَّمُ﴾ [ أيْ -] الدَّرَكَةِ النّارِيَّةِ الَّتِي تَلْقى داخِلَها بِالعَبُوسَةِ والكَراهَةِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: إلَيْها مَصِيرُهم لا مَحالَةَ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ أيْ هِيَ، فَذَلِكَ جَزاءُ اللَّهِ لَهم عَنِ الإساءَةِ إلى أوْلِيائِهِ والِانْتِقاصِ لِأحِبّائِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب