الباحث القرآني
ولَمّا أتَمَّ المَثَلَ بِمَن أساءَتا الأدَبَ فَلَمْ تَنْفَعْهُما الوَصْلَةُ بِالأوْلِياءِ بَلْ زادَتْهُما ضَرَرًا لِلْإعْراضِ عَنِ الخَيْرِ مَعَ قُرْبِهِ وتَيَسُّرِهِ، وبِمَن أحْسَنَتِ الأدَبَ فَلَمْ تَضُرَّها الوَصْلَةُ بِأعْدى الأعْداءِ [ بَلْ -] زادَتْها خَيْرًا لِإحْسانِها مَعَ قِيامِ المُغْتَرِّ بِها عَنِ الإحْسانِ ضَرَبَ مَثَلًا بِقَرِينَتِها في قَوْلِهِ ﷺ كَما رَواهُ الشَّيْخانِ عَنْ أبِي مُوسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلّا مَرْيَمُ [ بِنْتُ عِمْرانَ -] وآسِيَةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ، وفَضْلُ عائِشَةَ عَلى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلى الطَّعامِ» ومَعَ مُقارَنَتِها لَها في الكَمالِ، فَبَيْنَ حالَيْهِما في الثُّيُوبَةِ والبُكُورَةِ طِباقٌ، فَلَمْ يَبْتَلِها سُبْحانَهُ بِخَلْطِهِ زَوْجَ جَمْعًا بَيْنَ ما تَقَدَّمَ مِن صِنْفَيِ الثَّيِّباتِ والأبْكارِ اللّاتِي يُعْطِيهِما لِنَبِيِّهِ ﷺ فَأحْسَنَتِ الأدَبَ في نَفْسِها مَعَ اللَّهِ ومَعَ سائِرِ مَن لَزِمَها الأدَبَ [ مَعَهُ -] مِن عِبادِهِ فَأحْسَنَ إلَيْها رِعايَةً لَها (p-٢١٣)عَلى ما وفَّقَها إلَيْهِ مِنَ الإحْسانِ، وذَلِكَ [ رِعايَةً -] لِأسْلافِها إذْ كانُوا مِن أعْظَمِ الأحْبابِ فَقالَ: ﴿ومَرْيَمَ﴾ أيْ وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِأهْلِ الِانْفِرادِ والعُزْلَةِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا مَرْيَمَ ﴿ابْنَتَ عِمْرانَ﴾ أيْ أحَدِ الأحْبابِ، وذَكَرَ وجْهَ الشَّبَهِ فَقالَ: ﴿الَّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَها﴾ أيْ عَفَتِ عَنِ السُّوءِ وجَمِيعِ مُقَدِّماتِهِ عِفَّةً كانَتْ كالحِصْنِ العَظِيمِ المانِعِ مِنَ العَدُوِّ فاسْتَمَرَّتْ عَلى [ بِكْرِيَّتِها -] إلى المَماتِ فَتَزَوَّجَها في الجَنَّةِ جَزاءً لَها بِخَيْرِ عِبادِنا مُحَمَّدٍ ﷺ خاتَمِ الأنْبِياءِ وإمامِ المُرْسَلِينَ.
ولَمّا اغْتَنَتْ بِأُنْسِها بِرَوْحِ اللَّهِ الَّذِي بَثَّهُ في قَلْبِها مِن مَحَبَّةِ الذِّكْرِ والعِبادَةِ عَنِ الأُنْسِ بِأرْواحِ النّاسِ، كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِأنْ وهَبَها رُوحًا مِنهُ جَسَّدَهُ في أكْمَلِ الصُّوَرِ المُقَدَّرَةِ في ذَلِكَ الحِينِ فَقالَ مُخْبِرًا عَنْ ذَلِكَ: ﴿فَنَفَخْنا﴾ أيْ بِعَظَمَتِنا بِواسِطَةِ مِلْكِنا رُوحَ القُدُسِ.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ لِتَشْرِيفِ النَّبِيِّ ﷺ وتَكْمِيلِ نِسائِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، نَصَّ عَلى المَقْصُودِ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ ولَمْ يُؤَنِّثْهُ [ قَطْعًا -] لِلِّسانِ مَن يَقُولُ تَعَنُّتًا: إنَّ المُرادَ نَفَخُ رُوحِها في جَسَدِها: ﴿فِيهِ﴾ أيْ فَرْجِها الحَقِيقِيِّ وهو جَيْبُها وكُلُّ جَيْبٍ يُسَمّى فَرْجًا، ويَدُلُّ عَلى الأوَّلِ قِراءَةٌ ”فِيها“ شاذَّةٌ ﴿مِن رُوحِنا﴾ أيْ رُوحٍ هو أهْلٌ لِشَرَفِهِ بِما عَظَّمْنا مَن خَلْقِهِ [ ولُطْفِ -] تَكْوِينِهِ أنْ يُضافَ إلَيْنا لِكَوْنِهِ خارِجًا (p-٢١٤)عَنِ التَّسْبِيبِ المُعْتادِ وهو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أوْ رُوحُ الحَياةِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَكانَ ما أرَدْنا، فَحَمَلَتْ مِن غَيْرِ ذِكْرٍ [و -] ولَدَتْ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الَّذِي كانَ مِن كَلِمَتِنا وهي ”احْمِلِي“ ثُمَّ كَلِمَتُنا ”كُنْ يا حَمْلُ مِن غَيْرِ ذِكْرٍ“ ثُمَّ كَلِمَتُنا ”لَدَيْهِ يا مَرْيَمُ مِن غَيْرِ مُساعِدٍ“ ثُمَّ كَلِمَتُنا ”تَكَلَّمَ عِيسى في المَهْدِ بِالحِكْمَةِ“ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وصَدَّقَتْ﴾ فاسْتَحَقَّتْ لِذَلِكَ أنْ تُسَمّى صِدِّيقَةً ﴿بِكَلِماتِ رَبِّها﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْها بِما تَقَدَّمَ وغَيْرُهُ مِمّا كانَ مِن كَلامِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِسَبَبِهِ ومِن عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ [و -] مِمّا تَكَلَّمَ بِهِ عَنِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ﴿وكُتُبِهِ﴾ أيْ وكِتابُهُ الضّابِطُ الجامِعُ لِكَلامِهِ أنْزَلَ عَلى ولَدِها وغَيْرِهِ مِن كُتُبِ اللَّهِ كَما دَلَّ عَلى ذَلِكَ قِراءَةُ البَصْرِيِّينَ وحَفْصٍ بِالجَمْعِ.
ولَمّا كانَ المُصَدِّقُ رُبَّما كانَ تَصْدِيقُهُ في الظّاهِرِ أوْ مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنَ الضَّمائِرِ قالَ: ﴿وكانَتْ﴾ أيْ جِبِلَّةً وطَبْعًا، وشَرَّفَها بِأنْ جَعَلَها في رُتْبَةِ الأكْمَلِ وهُمُ الرِّجالُ فَقالَ: ﴿مِنَ القانِتِينَ﴾ أيِ المُخْلِصِينَ الَّذِينَ هم في غايَةِ القُوَّةِ والكَمالِ لِأنَّها كانَتْ مِن بَناتِ الأحْبابِ المُصْطَفِينَ عَلى العالَمِينَ، فَلَمْ تَكُنْ عِبادَتُها تُقَصِّرُ عَنْ عِبادَةِ الأقْوِياءِ الكَلِمَةَ، وقَدْ أتَمَّ سُبْحانَهُ الأمْثالَ في الآدابِ بِالثَّيِّباتِ والأبْكارِ والأخْيارِ والأشْرارِ، فانْعَطَفَ آخِرُ السُّورَةِ عَلى أوَّلِها في المَعانِي بِالآدابِ، وزادَ (p-٢١٥)ذَلِكَ حُسْنًا كَوْنُها في النِّساءِ وفي الذَّواتِ والأعْيانِ بِزَواجِ النَّبِيِّ ﷺ لِآسِيَةَ امْرَأةَ فِرْعَوْنَ ومَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ في الجَنَّةِ دارِ القَرارِ السّالِمَةِ عَنِ الأكْدارِ [ الزَّواجُ الأبَدِيُّ -] فَصارَ أوَّلَ السُّورَةِ وآخِرَها في أزْواجِهِ ﷺ وفي خِتامِها بِالقُنُوتِ الَّذِي هو خُلاصَةُ الأوْصافِ الماضِيَةِ في الأبْدالِ المَذْكُوراتِ أعْظَمُ مُناسِبَةً - واللَّهُ الهادِي.
{"ayah":"وَمَرۡیَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَ ٰنَ ٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَـٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَـٰنِتِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق