الباحث القرآني
ولَمّا كانَتِ المُعاسَرَةُ في الغالِبِ في تَرْكِ السَّماحِ، وكانَ تَرْكُ السَّماحِ مِن خَوْفِ الإعْدامِ، نَبَّهَ سُبْحانَهُ عَلى أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُذْرٍ بِتَقْسِيمِ النّاسِ إلى مُوسِعٍ عَلَيْهِ وغَيْرِهِ، ولِأنَّ الألْيَقَ بِالمُوسِعِ عَلَيْهِ أنْ يُوسِعَ ولا يُسِيءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ وقَدْ جَرَّبَ رِفْدَهُ، وأنَّ المُقْتِرَ عَلَيْهِ لا يَنْبَغِي أنْ يَفْعَلَ فِعْلَ مَن يَخافُ أنْ يُخْلِفَ وعْدَهُ، فَقالَ شارِحًا لِلْمُياسَرَةِ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ﴾ أيْ مالٍ واسِعٍ ولَمْ يُكَلِّفْهُ سُبْحانَهُ جَمِيعَ وُسْعِهِ بَلْ قالَ: ﴿مِن سَعَتِهِ﴾ الَّتِي أوْسَعَها اللَّهُ عَلَيْهِ. ولَمّا كانَ الإعْطاءُ مِن غَيْرِ تَقْدِيرٍ مَلْزُومًا لِلسِّعَةِ، كانَ التَّقْدِيرُ كِنايَةً عَنِ الضِّيقِ فَقالَ: ﴿ومَن قُدِرَ﴾ أيْ ضَيَّقَ وسَكَنَتْ عَلَيْهِ حَرَكَتُهُ ورَقَدَتْ عَنْهُ مَعِيشَتُهُ ﴿عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ بِأنْ جَعَلَهُ اللَّهُ الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلى التَّضْيِيقِ والتَّوْسِيعِ غَيْرَهُ بِقَدْرِ ضَرُورِيّاتِهِ فَقَطْ مِن غَيْرِ (p-١٦٣)وُسْعٍ لِشَيْءٍ غَيْرِها لِأمْرٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يُظْهِرُ اللَّهُ بِها عَجْزَ العِبادِ رَحْمَةً لَهم لِيُهَذِّبَ بِهِ نُفُوسَهُمْ، وبَناهُ لِلْمَفْعُولِ تَعْلِيمًا لِلْأدَبِ مَعَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿فَلْيُنْفِقْ﴾ أيْ وُجُوبًا عَلى المُرْضِعِ وغَيْرِها مِن كُلِّ ما أوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أوْ نَدَبَهُ إلَيْهِ، وبَشَّرَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِأنَّهُ لا يُخَلِّي أحَدًا مِن شَيْءٍ يَقُومُ بِهِ ما دامَ حَيًّا بِقَوْلِهِ مُشِيرًا بِالتَّبْعِيضِ إلى أنَّ ما أوْجَبَهُ سُبْحانَهُ لا يَسْتَغْرِقُ ما وهَبَهُ: ﴿مِمّا آتاهُ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الَّذِي لا يُنَفِّذُ ما عِنْدَهُ ولا حَدَّ لِجُودِهِ، ولَوْ مِن رَأْسِ المالِ ومُتابِعِ البَيْتِ ومِن ثَمَنِ الضَّيْعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الغَلَّةِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ قَدْ ضَمِنَ الإخْلافَ، ومِن مُلْكِ ما يَكْفِيهِ لِلْوَقْتِ ثُمَّ اهْتَمَّ لِلزِّيادَةِ لِلْغَدِ فَذَلِكَ اهْتِمامٌ غَيْرُ مَرْحُومٍ، وصاحِبُهُ غَيْرُ مُعانٍ، وفي هَذا إرْشادٌ إلى الِاقْتِداءِ بِهِ ﷺ في عَدَمِ التَّكَلُّفِ واليُسْرِ في [ كُلِّ -] أمْرٍ عَلى حَسَبِ الأوْقاتِ.
ولَمّا كانَ تَعالى لَهُ التَّكْلِيفُ بِما [ لا -] يُطاقُ، أخْبَرَ بِأنَّهُ رَحِمَ العِبادَ بِأنَّهُ لا يَفْعَلُهُ، فَقالَ مُعَلِّلًا أوْ مُسْتَأْنِفًا جَوابًا لِمَن يَقُولُ: [ فَما -] يَفْعَلُ مَن لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْجُودٌ أصْلًا، مُحَبِّبًا في دِينِهِ ﷺ مِمّا فِيهِ مِنَ اليُسْرِ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ بِأوْصافِ الرَّحْمَةِ والإنْعامِ عَلَيْنا بِالتَّخْفِيفِ ﴿نَفْسًا﴾ أيْ نَفْسٌ كانَتْ ﴿إلا ما آتاها﴾ ورُبَّما أفْهَمُ، أنَّ مَن كُلِّفَ إنْفاقًا وجَدَ مِن فَضْلِ ما عِنْدَهُ ما يَسُدُّهُ مِنَ الأثاثِ الفاضِلِ (p-١٦٤)عَنْ سَدٍّ جَوْعَتِهِ وسَتْرِ عَوْرَتِهِ.
ولَمّا كانَ التَّذْكِيرُ بِالإعْدامِ رُبَّما أوْجَعُ، قالَ تَعالى جابِرًا لَهُ وتَطْبِيبًا لِقَلْبِهِ نادِبًا إلى الإيمانِ بِالغَيْبِ: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ فَلا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، ونَزَعَ الجارَّ زِيادَةً في الخَبَرِ فَقالَ: ﴿بَعْدَ عُسْرٍ﴾ أيْ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَعَسَّرَتْ لا أنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ كُلِّ عُسْرٍ ﴿يُسْرًا﴾ أيْ لا بُدَّ مِن ذَلِكَ ولا يُوجَدُ [ أحَدٌ -] يَسْتَمِرُّ التَّقْتِيرُ عَلَيْهِ طُولَ عُمْرِهِ في جَمِيعِ أحْوالِهِ، قالَ القُشَيْرِيُّ: وانْتِظارُ اليُسْرِ مِنَ اللَّهِ صِفَةُ المُتَوَسِّطِينَ في الأحْوالِ الَّذِينَ انْحَطُّوا عَنْ دَرَجَةِ الرِّضى واسْتِواءِ وُجُودِ السَّبَبِ وفَقْدِهِ وارْتَقُوا عَنْ حَدِّ اليَأْسِ والقُنُوطِ ويَعِيشُونَ في أفْناءِ الرَّجاءِ ويَتَعَلَّلُونَ بِحُسْنِ المَواعِيدِ - انْتَهى. ولَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ [ وعْدَهُ -] فِيمَن كانُوا مَوْجُودِينَ حِينَ نُزُولِ الآيَةِ، فَفَتَحَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ جَزِيرَةِ العَرَبِ ثُمَّ فارِسَ والرُّومَ وانْتَثَلُوا كُنُوزَها حَتّى صارُوا أغْنى النّاسِ، وصِدْقُ الآيَةِ دائِمٌ غَيْرَ أنَّهُ كانَ في الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أبْيَنُ لِأنَّ إيمانَهم أتَمُّ.
{"ayah":"لِیُنفِقۡ ذُو سَعَةࣲ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَاۤ ءَاتَىٰهَاۚ سَیَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرࣲ یُسۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق