الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الحَلِيمُ قَدْ يُتَّهَمُ في حُلْمِهِ بِأنْ يُنْسَبَ إلى الجَهْلِ بِالذَّنْبِ أوْ بِمِقْدارِهِ قالَ: ﴿عالِمُ الغَيْبِ﴾ وهو ما غابَ عَنِ الخَلْقِ [ كُلِّهِمْ -] فَيَشْمَلُ ما هو داخِلُ القَلْبِ مِمّا تُؤْثِرُهُ الجِبِلَّةُ ولا عِلْمَ لِصاحِبِ القَلْبِ بِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ. ولَمّا كانَ قَدْ يَظُنُّ أنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن عِلْمِ ما غابَ عِلْمُ ما شَهِدَ، أوْ يَظُنُّ أنَّ العِلْمَ إنَّما يَتَعَلَّقُ بِالكُلِّيّاتِ، قالَ مُوَضِّحًا أنَّ عِلْمَهُ بِالعالَمِينَ بِكُلٍّ مِنَ الكُلِّيّاتِ والجُزْئِيّاتِ قَبْلَ الكَوْنِ وبَعْدَهُ عَلى حَدٍّ سَواءٍ: ﴿والشَّهادَةِ﴾ وهو كُلُّ ما ظَهَرَ فَكانَ بِحَيْثُ يَعْلَمُهُ الخَلْقُ، وهَذا الوَصْفُ داعٍ إلى الإحْسانِ مِن حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ لِلْمُؤْمِنِ تُرْكَ ظاهِرِ الِاسْمِ وباطِنِهِ وكُلِّ قُصُورٍ وفُتُورٍ وغَفْلَةٍ وتَهاوُنٍ فَيَعْبُدُ اللَّهَ كَأنَّهُ يَراهُ. ولَمّا شَمِلَ ذَلِكَ كُلَّ ما غابَ عَنِ الخَلْقِ وما لَمْ يَغِبْ عَنْهم فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنْ يَتَوَهَّمَ أنَّ تَأْخِيرَ العُقُوبَةِ لِلْعَجْزِ قالَ: ﴿العَزِيزُ﴾ أيِ الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ ولا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِأمْرٍ آخَرَ لا يُمْدَحُ عَلَيْهِ قالَ: ﴿الحَكِيمُ﴾ أيْ أنَّهُ ما أخَّرَهُ إلّا لِحِكْمَةٍ بالِغَةٍ يَعْجَزُ عَنْ إدْراكِها الخَلائِقُ، وقَدْ أقامَ الخَلائِقَ في طاعَتِهِ بِالجَرْيِ تَحْتَ إرادَتِهِ، وتارَةً يُوافِقُ ذَلِكَ أمْرَهُ فَيُسَمّى طاعَةً. وتارَةً يُخالِفُ فَيُسَمّى مَعْصِيَةً، فَمَن أرادَ أتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ بِالتَّوْفِيقِ لِلطّاعَةِ بِمُوافَقَتِهِ أمْرَهُ [ بِإحاطَةِ-] (p-١٣٨)عِلْمِهِ والإتْقانِ في التَّدْبِيرِ بِبالِغِ حِكْمَتِهِ وإدامَةِ ذَلِكَ وحِفْظِهِ عَنْ كُلِّ آفَةٍ بِباهِرِ عِزَّتِهِ، ومَن أرادَ مَنعَهُ ذَلِكَ [ بِذَلِكَ -] أيْضًا والكُلُّ تَسْبِيحٌ لَهُ سُبْحانَهُ بِإفادَةِ أنَّهُ الواحِدُ القَهّارُ، وقَدْ أحاطَ أوَّلَ الجُمْعَةِ بِهَذِهِ السُّورَةِ [ أوَّلِها -] وآخِرِها، فَجاءَتْ هَذِهِ شارِحَةً لَهُ وكاشِفَةً عَنْهُ عَلى وجْهٍ أفْخَمَ لِأنَّ مَقْصُودَ هَذِهِ نَتِيجَةُ مَقْصِدِ تِلْكَ، وقَدْ رَجَعَ - بِالتَّنَزُّهِ عَنْ شَوائِبِ النَّقْصِ والِاخْتِصاصِ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ وشُمُولِ القُدْرَةِ لِلْخَقِّ وإحاطَةِ العِلْمِ بِأحْوالِ الكافِرِ والمُؤْمِنِ - عَلى افْتِتاحِها حُسْنِ خِتامِها، وعَلِمَ عِلْمًا ظاهِرًا جَلالَةَ انْتِظامِها، وبَداعَةَ اتِّساقِ جَمِيعِ آيِها وبَراعَةِ التِئامِها - واللَّهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب