الباحث القرآني
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: وعِنْدَهُ عَذابٌ ألِيمٌ لِمَن خالَفَ، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ فَذْلَكَةٌ أُخْرى لِما تَقَدَّمَ مِنَ السُّورَةِ كُلِّها: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾ مُظْهِرًا غَيْرَ مُضْمِرٍ تَعْظِيمًا لِلْمَقامِ واحْتِرازًا مِن أنْ يَتَوَهَّمَ نَوْعٌ تَقَيَّدَ فَأفْهَمَ الإظْهارُ أنَّ المَعْنى: اجْعَلُوا بَيْنَكم وبَيْنَ سُخْطِ المَلِكِ الأعْلى وِقايَةً مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلى حَيْثِيَّةٍ ولا خُصُوصِيَّةٍ بِشَيْءٍ ما، بِاجْتِنابِ نَواهِيهِ بَعْدَ امْتِثالِ أوامِرِهِ، فَإنَّ التَّقْوى إذا انْفَرَدَتْ كانَ المُرادُ بِها فِعْلُ الأوامِرِ وتَرْكُ المَناهِي، (p-١٣٣)وإذا جُمِعَتْ مَعَ غَيْرِها أُرِيدَ بِها اجْتِنابُ [ النَّواهِي -] فَقَطْ.
ولَمّا كانَ الأمْرُ إذا نُسِبَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ أعْظَمَ مِن مَقالَةِ قائِلٍ، فَلا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُقَدِّرَهُ سُبْحانَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، خَفَّفَ ويَسَّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿ما اسْتَطَعْتُمْ﴾ أيْ ما دُمْتُمْ في الجُمْلَةِ قادِرِينَ مُسْتَطِيعِينَ، ويَتَوَجَّهُ عَلَيْكُمُ التَّكْلِيفُ في العِلْمِيّاتِ والعَمَلِيّاتِ، وابْذُلُوا جُهْدَكم في ذَلِكَ في الإيمانِيّاتِ لِما عَلِمْتُمْ مِن ذاتِهِ ومَرْتَبَتِهِ وصِفاتِهِ تَعالى وأفْعالِهِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن جَمِيعِ أعْمالِكُمُ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ، وأعْظَمُهُ الهِجْرَةُ والجِهادُ، فَلا يَمْنَعُكُمُ الإخْلادُ إلَيْها ذَلِكَ والتَّقْوى فِيما وقَعَ مِنَ المَكْرُوهاتِ بِالنَّدَمِ والإقْلاعِ مَعَ العَزْمِ عَلى تَرْكِ العُودِ، وفِيما لَمْ يَقَعْ بِالِاحْتِراسِ عَنْ أسْبابِهِ، وبَذَلَ الإنْسانُ جَمِيعَ جُهْدِهِ هو الِاتِّقاءُ حَقَّ التُّقاةِ فَلا نَسْخَ - واللَّهُ أعْلَمُ.
ولَمّا كانَ إظْهارُ الإسْلامِ فِيهِ مَشَقَّةٌ كالأعْمالِ قالَ: ﴿واسْمَعُوا﴾ أيْ سَماعَ إذْعانٍ وتَسْلِيمٍ لِما تُوعَظُونَ بِهِ ولِجَمِيعِ أوامِرِهِ ﴿وأطِيعُوا﴾ أيْ وصَدِّقُوا ذَلِكَ الإذْعانَ بِمُباشَرَةِ الأفْعالِ الظّاهِرَةِ في الإسْلامِيّاتِ مِنَ القِيامِ بِأمْرِ اللَّهِ والشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ في كُلِّ أمْرٍ ونَهْيٍ عَلى حَسَبِ الطّاقَةِ، وحَذْفِ المُتَعَلِّقِ لِيُصَدَّقَ الأمْرُ بِكُلِّ طاعَةٍ مِنَ الكُلِّ والبَعْضِ وكَذا في الإنْفاقِ. ولَمّا كانَ الإنْفاقُ شَدِيدًا أكَّدَ أمْرَهُ بِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ فَقالَ: ﴿وأنْفِقُوا﴾ أيْ أوْقِعُوا [ الإنْفاقَ -] كَما حَدَّ لَكم فِيما (p-١٣٤)أوْجَبَهُ أوْ نَدَبَ إلَيْهِ وإنْ كانَ في حَقِّ مَنِ اطَّلَعْتُمْ مِنها عَلى عَداوَةٍ، والإنْفاقُ لا يَخُصُّ نَوْعًا بَلْ يَكُونُ ما رَزَقَ اللَّهُ مِنَ الذّاتِيِّ والخارِجِيِّ.
ولَمّا كانَ الحامِلُ عَلى الشُّحِّ ما يَخْطُرُ في البالِ مِنَ الضَّرُوراتِ الَّتِي أعَزُّها ضَرُورَةُ النَّفْسِ، رَغِبَ فِيهِ بِما يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بادِئَ بَدْءٍ ويَعُمُّ جَمِيعَ ما تَقَدَّمَ فَقالَ: ﴿خَيْرًا﴾ أيْ يَكُنْ ذَلِكَ أعْظَمُ خَيْرٍ واقِعٍ ﴿لأنْفُسِكُمْ﴾ فَإنَّ اللَّهَ يُعْطِي خَيْرًا مِنهُ في الدُّنْيا ما يُزَكِّي بِهِ النَّفْسَ، ويَدَّخِرُ عَلَيْهِ مِنَ الجَزاءِ في الآخِرَةِ ما لا يَدْرِي كُنْهَهُ، فَلا يَغُرَّنَّكم عاجِلُ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ فَإنَّما هو زُخْرُفٌ وغُرُورٌ لا طائِلَ تَحْتَهُ. ولَمّا ذَكَرَ ما في الإنْفاقِ مِنَ الخَيْرِ عَمَّ في جَمِيعِ الأوامِرِ فَقالَ: ﴿ومَن يُوقَ﴾ بَناهُ لِلْمَفْعُولِ تَعْظِيمًا لِلتَّرْغِيبِ فِيهِ نَفْسَهُ مَعَ قَطْعِ النّاصِرِ عَنِ الفاعِلِ أيْ يَقِيهِ واقٍ أيُّ واقٍ كانَ - وأضافَهُ إلى ما الشُّؤْمُ كُلُّهُ مِنهُ فَقالَ: ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾ فَيَفْعَلُ في مالِهِ وجَمِيعِ ما أمَرَ [ بِهِ -] ما يُطِيقُهُ مِمّا أمَرَ بِهِ مُوقِنًا بِهِ مُطْمَئِنًّا إلَيْهِ حَتّى يَرْتَفِعَ عَنْ قَلْبِهِ الأخْطارُ، ويَتَحَرَّزَ عَنْ رِقِّ المُكَوِّناتِ، والشُّحِّ: خَلْقٌ باطِنٌ هو الدّاءُ العُضالُ رَأْسُ الحَيَّةِ وكُلُّ فِتْنَةٍ ضَلالَةٌ، والبُخْلُ فِعْلٌ [ ظاهِرٌ -] يَنْشَأُ عَنِ الشُّحِّ، والنَّفْسُ تارَةً تَشِحُّ بِتَرْكِ الشَّهْوَةِ مِنَ المَعاصِي فَتَفْعَلُها، وتارَةً بِإعْطاءِ الأعْضاءِ في الطّاعاتِ فَتَتْرُكُها، وتارَةً بِإنْفاقِ (p-١٣٥)المالِ، ومِن فِعْلِ ما فَرَضَ عَلَيْهِ خَرَجَ عَنِ الشُّحِّ. ولَمّا كانَ الواقِي إنَّما هو اللَّهُ تَعالى سَبَّبَ عَنْ وِقايَتِهِ قَوْلُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ أيِ العالُو الرُّتْبَةِ ﴿هُمُ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿المُفْلِحُونَ﴾ أيِ الَّذِينَ حازُوا جَمِيعَ المُراداتِ بِما اتَّقُوا اللَّهَ فِيهِ مِنَ الكَوْنِيّاتِ مِنَ المالِ والوَلَدِ والأهْلِ والمُشَوِّشاتِ مِن جَمِيعِ القَواطِعِ.
{"ayah":"فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُوا۟ وَأَطِیعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَیۡرࣰا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











