الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فاصْبِرُوا عَنْ هُجُومِ المَصائِبِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَحْذِيرًا مِن أنْ يَشْتَغِلَ بِها [ فَتُوقِعُ في الهَلاكِ وتَقْطَعُ عَنْ أسْبابِ النَّجاةِ دالًّا عَلى تَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ مِن مُعاداتِها -] مُشِيرًا إلى أنَّ العِبادَةَ لا تُقْبَلُ إلّا بِالِاتِّباعِ لا بِالِابْتِداعِ: ﴿وأطِيعُوا اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْلى الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ فافْعَلُوا في كُلِّ مُصِيبَةٍ ونائِبَةٍ تَنُوبُكم وقَضِيَّةٍ تَعْرُوكم ما شَرَعَهُ لَكُمْ، وأكَّدَ بِإعادَةِ العامِلِ إشارَةً إلى أنَّ الوُقُوفَ عِنْدَ الحُدُودِ ولا سِيَّما عِنْدَ المَصائِبِ في غايَةِ الصُّعُوبَةِ فَقالَ: ﴿وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أيِ الكامِلَ في الرَّسْلِيَّةِ ﷺ فَإنَّهُ المَعْصُومُ بِما خَلَقَ فِيهِ مِنَ الِاعْتِدالِ [و -] ما زَكّى بِهِ مِن شَقِّ البَطْنِ وغَسْلِ القَلْبِ مِرارًا، وما أيَّدَ بِهِ مِنَ الوَحْيِ، فَما كانَتِ الأفْعالُ بِإشارَةِ العَقْلِ مَعَ الطّاعَةِ لِلَّهِ والمُتابَعَةِ لِرَسُولِهِ ﷺ في كُلِّ إقْدامٍ وإحْجامٍ كانَتْ مُعْتَدِلَةً، سَواءٌ كانَتْ شَهْوانِيَّةً أوْ غَضَبِيَّةً، ومَتى لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ (p-١٢٦)كانَتْ مُنْحَرِفَةً إلى أعْلى وإلى أسْفَلَ فَكانَتْ مَذْمُومَةً، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى بِلُطْفِ تَدْبِيرِهِ رَكَّبَ في الإنْسانِ قُوَّةً غَضَبِيَّةً دافِعَةً لِما يُهْلِكُهُ ويُؤْذِيهِ، وقُوَّةً شَهْوانِيَّةً جالِبَةً لِما يُنَمِّيهِ ويُقَوِّيهِ، فاعْتِدالُ الغَضَبِيَّةِ شَجاعَةٌ ونَقْصُها جُبْنٌ وزِيادَتُها تَهَوُّرٌ، فالنّاسُ بِاعْتِبارِها جَبانٌ وشُجاعٌ ومُتَهَوِّرٌ، واعْتِدالُ الشَّهْوانِيَّةِ عِفَّةٌ ونُقْصانُها زَهادَةٌ وزِيادَتُها شَرَهٌ، والنّاسُ بِاعْتِبارِها زَهِيدٌ وعَفِيفٌ وشَرِهٌ، وكِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ، ومِيزانُ العَدْلِ مُتابَعَةُ الرَّسُولِ ﷺ فِيما شَرَعَهُ، فَبِذَلِكَ تَنْزاحُ الفِتَنُ الظّاهِرَةُ والباطِنَةُ، ولا طَرِيقَ إلى اللَّهِ إلّا بِما شَرَعَهُ، وكُلُّ طَرِيقٍ لَمْ يَشْرَعْهُ ضَلالٌ مِنَ الكُفْرِ إلى ما دَوَّنَهُ، ثُمَّ سَبَّبَ عَنْ أمْرِهِ ذَلِكَ قَوْلُهُ مُعَبِّرًا بِأداةِ الشَّكِّ إشارَةً إلى البِشارَةِ بِحِفْظِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الرِّدَّةِ ومُشْعِرًا بِأنَّ بَعْضَهم يَقَعُ مِنهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَقْرُبُ رُجُوعُهُ أوْ هَلاكُهُ: ﴿فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أيْ كَلَّفْتُمْ أنْفُسَكم عِنْدَما تَدْعُو إلَيْهِ الفِطْرَةُ الأُولى مِنَ الإعْراضِ عَنْ هَذا النُّورِ الأعْظَمِ والمَيْلِ إلى طَرَفٍ مِنَ الأطْرافِ المَفْهُومَةِ مِن طَرَفَيِ القَصْدِ فَما عَلى رَسُولِنا شَيْءٌ مِن تَوَلِّيكم ﴿فَإنَّما عَلى رَسُولِنا﴾ أضافَهُ إلَيْهِ عَلى وجْهِ العَظَمَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وتَهْدِيدًا لِمَن يَتَوَلّى عَنْهُ ﴿البَلاغُ المُبِينُ﴾ (p-١٢٧)أيِ الظّاهِرِ في نَفْسِهِ المُظْهِرِ لِكُلِّ أحَدٍ أنَّهُ أوْضَحَ لَهُ غايَةَ الإيضاحِ ولَمْ يَدَعْ لَبْسًا، لَيْسَ إلَيْهِ خَلْقُ الهِدايَةِ في القُلُوبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب