الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِن تَعَرُّفِهِ مِنَ المُرَغِّبِينَ والمُرْهِبِينَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلّا فِيما لَيْسَ قادِرًا عَلى حِفْظِهِ وضَبْطِهِ حَتّى لا يَحْتاجَ العامِلُ في عَمَلِ ذَلِكَ إلى رَقِيبٍ يَحْفَظُهُ ووَكِيلٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ العَمَلُ ويَضْبِطُهُ، وكانَ قَوْلُ المُنافِقِينَ المُتَقَدِّمِ في الإنْفاقِ والإخْراجِ مِنَ المَصائِبِ، وكانَتِ المَصائِبُ تَطِيبُ إذا كانَتْ مِنَ الحَبِيبِ، قالَ جَوابًا لِمَن يَتَوَهَّمُ عَدَمَ القُدْرَةِ مُتَمِّمًا ما مَضى مِن خِلالِ الأعْمالِ بِالإيمانِ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، مُرَغِّبًا في التَّسْلِيمِ مُرَهِّبًا مِنَ الجَزَعِ قاصِرًا الفِعْلَ لِيَعُمَّ كُلَّ مَفْعُولٍ: ﴿ما أصابَ﴾ أيْ أحَدًا يُمْكِنُ المَصائِبُ أنْ تَتَوَجَّهَ إلَيْهِ، وذَكَرَ الفِعْلَ إشارَةً إلى القُوَّةِ، وأعْرَقَ في النَّفْيِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن مُصِيبَةٍ﴾ أيْ مُصِيبَةٍ كانَتْ دِينِيَّةً أوْ دُنْيَوِيَّةً مِن كُفْرٍ أوْ غَيْرِهِ ﴿إلا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ أيْ بِتَقْدِيرِ المَلِكِ الأعْظَمِ وتَمْكِينِهِ، فَلا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أنْ يَعُوقَهُ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ عَنِ التَّقْوى النّافِعَةِ في يَوْمِ التَّغابُنِ. ولَمّا تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ ما تَقْدِيرُهُ: فَمَن يَكْفُرُ بِاللَّهِ بِتَقْدِيرِهِ عَلَيْهِ (p-١٢٤)الكَفْرَ يَغْوِ قَلْبَهُ ويَزِدْهُ ضَلالًا فَيَفْعَلُ ما يَتَوَغَّلُ بِهِ في المُصِيبَةِ حَتّى تَصِيرَ مَصائِبَ عِدَّةً فَتُهْلِكَهُ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ باعِثًا عَلى أوَّلِ رُكْنِيِ الإسْلامِ وهو إصْلاحُ القُوَّةِ العِلْمِيَّةِ: ﴿ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ﴾ أيْ يُوجَدُ الإيمانُ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ويُجَدِّدُهُ بِشَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بِسَبَبِ المَلِكِ الأعْظَمِ وتَقْدِيرِهِ وإذْنِهِ ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ أيْ يَزِدْهُ هِدايَةً بِما يُجَدِّدُهُ لَهُ مِنَ التَّوْفِيقِ في كُلِّ وقْتٍ حَتّى يَرْسُخَ إيمانُهُ فَتَنْزاحَ عَنْهُ كُلُّ مُصِيبَةٍ، فَإنَّهُ يَتَذَكَّرُ أنَّها مِنَ اللَّهِ وأنَّ ما أصابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وما أخْطَأهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ فَيُسَلِّمُ بِقَضائِهِ فَيَصْبِرُ لَهُ ويَفْعَلُ ويَقُولُ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ ورَسُولُهُ فَيَخِفُّ عَلَيْهِ، ولا يَعُوقُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ المُنْجِياتِ في يَوْمِ التَّغابُنِ، بَلْ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِها عِدَّةُ أرْباحٍ وفَوائِدَ، فَتَكُونُ حَياتُهُ طَيِّبَةً بِالعافِيَةِ الشّامِلَةِ في الدِّينِيّاتِ والكَوْنِيّاتِ لِأنَّ بِالعافِيَةِ في الكَوْنِيّاتِ تَطِيبُ الحَياةُ في [ الدُّنْيا، وبِالعافِيَةِ في الدِّينِيّاتِ تَطِيبُ الحَياةُ في -] الآخِرَةِ فَتَكُونُ العِيشَةُ راضِيَةً، وذَلِكَ بِأنْ يَصِيرَ عَمَلُهُ صَوابًا في سَرّائِهِ وضَرّائِهِ فَيَتْرُكُ كُلَّ فاحِشَةٍ دِينِيَّةٍ بَدَنِيَّةٍ وباطِنَةٍ قَلْبِيَّةٍ ويَتْرُكُ الهَلَعَ في المَصائِبِ الكَوْنِيَّةِ كالخَوْفِ والجُوعِ ونَقْصِ الأمْوالِ والأنْفُسِ والثَّمَراتِ (p-١٢٥)وذَلِكَ لِأنَّهُ بِصَلاحِ القَلْبِ يَنْصَلِحُ البَدَنُ كُلُّهُ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ تَعْلِيلًا لِذَلِكَ: فاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ فَهو -] لا يَدَعُ شَيْئًا يَكُونُ إلّا بِإذْنِهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ مُطْلَقًا مِن غَيْرِ مَثْنَوِيَّةٍ ﴿عَلِيمٌ﴾ فَإذا تَحَقَّقَ مَن هَدى قَلْبَهُ ذَلِكَ زاحَ كُلُّ اعْتِقادٍ باطِلٍ مَن كَفَرَ أوْ بِدْعَةٍ أوْ صِفَةٍ خَبِيثَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب