الباحث القرآني

ولَمّا كانَ هَذا الَّذِي حَكاهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنِ المُنافِقِينَ بِحَيْثُ يَعْجَبُ غايَةَ العَجَبِ مِن تَصَوُّرِ قائِلِهِ لَهُ فَضْلًا عَنْ أنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ فَكَيْفَ بِأنْ يَعْتَقِدَهُ، نَبَّهَ عَلى [أنَّ] العِلَّةَ المُوجِبَةَ لَهُ طَمْسُ البَصِيرَةِ، وأنَّ العِلَّةَ في طَمْسِ البَصِيرَةِ الإقْبالُ بِجَمِيعِ القَلْبِ عَلى الدُّنْيا رُجُوعًا عَلى إيضاحِ ما تَقَدَّمَ [فِي] (p-٩٢)نَتِيجَةِ الجُمْعَةِ مِنَ الإذْنِ في طَلَبِ الرِّزْقِ والتَّحْذِيرِ مِن مِثْلِ فِعْلِ حاطِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفِعْلِ مَنِ انْصَرَفَ عَنْ خُطْبَةٍ لِتِلْكَ [العِيرِ]، وكانَ هَذا التَّنْبِيهُ عَلى وجْهٍ حاسِمٍ لِمادَّةِ شَرِّهِمْ في كَلامِهِمْ فَإنَّ كَلِمَةَ الشُّحِّ [كَما قِيلَ] مُطاعَةٌ، ولَوْ بِأنْ تُؤَثِّرَ أثَرًا ما ولَوْ بِأنْ تُقَتِّرَ نَوْعَ تَقْتِيرٍ في وقْتٍ ما، فَقالَ مُنادِيًا لِمَن يَحْتاجُ إلى ذَلِكَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أخْبِرُوا بِما يَقْتَضِي أنَّ بَواطِنَهم مُذْعِنَةً كَظَواهِرِهِمْ ﴿لا تُلْهِكم أمْوالُكُمْ﴾ ولمّا كانَ الخِطابُ مَعَ مَن يَحْتاجُ إلى التَّأْكِيدِ قالَ: ﴿ولا أوْلادُكُمْ﴾ أيْ لا تَقْبَلُوا عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ بِجَمِيعِ قُلُوبِكم إقْبالًا يُحَيِّرُكم سَواءٌ كانَ ذَلِكَ في إصْلاحِها أوِ التَّمَتُّعِ [بِها] بِحَيْثُ تَشْتَغِلُونَ وتَغْفُلُونَ ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أيْ مِن تَوْحِيدِ المَلِكِ الأعْظَمِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُعْطِي مَن يَشاءُ ويَمْنَعُ مَن يَشاءُ، فَإذا كانَ العَبْدُ ذاكِرًا لَهُ بِقَلْبِهِ دائِمًا لَمْ يَقُلْ كَقَوْلِ المُنافِقِينَ ﴿لا تُنْفِقُوا﴾ [المنافقون: ٧] ولا ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] لِعِلْمِهِ أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وأنَّهُ لَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا، ولا يَضُرُّ بِذَلِكَ إلّا نَفْسَهُ، وهَذا يَشْمَلُ ما قالُوهُ مِنَ التَّوْحِيدِ والصَّلاةِ والحَجِّ والصَّوْمِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ولِإرادَةِ المُبالَغَةِ في النَّهْيِ وجْهِ النَّهْيِ إلى الأمْوالِ والأوْلادِ بِما المُرادُ مِنهُ نَهْيُهم. (p-٩٣)ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَمَنِ انْتَهى فَهو مِنَ الفائِزِينَ، عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ومَن يَفْعَلْ﴾ أيْ [يُوقِعُ] في زَمَنٍ مِنَ الأزْمانِ عَلى سَبِيلِ التَّجْدِيدِ والِاسْتِمْرارِ فِعْلَ ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرِ البَعِيدِ عَنْ أفْعالِ ذَوِي الهِمَمِ مِنَ الِانْقِطاعِ إلى الِاشْتِغالِ بِالفانِي والإعْراضِ عَنِ الباقِي والإقْبالِ عَلى العاجِلِ مَعَ نِسْيانِ الآجِلِ ﴿فَأُولَئِكَ﴾ أيِ البُعَداءُ عَنِ الخَيْرِ ﴿هُمُ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿الخاسِرُونَ﴾ أيِ العَرِيقُونَ في الخَسارَةِ حَتّى كَأنَّهم كانُوا مُخْتَصِّينَ بِها دُونَ النّاسِ، وذَلِكَ ضِدُّ ما أرادُوا بِتَوْفِيرِ النَّظَرِ إلَيْهِمْ والإقْبالِ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّعْيِ لِلتَّكْثِيرِ والزِّيادَةِ والتَّوْفِيرِ، وفي إفْهامِهِ أنَّ مَن شَغَلَهُ ما يُهِمُّهُ مِن أمْرِ دِينِهِ الَّذِي أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِهِ ونَهاهُ عَنْهُ إضاعَتَهُ وتَوَعَّدَهُ عَلَيْها كَفاهُ سُبْحانَهُ أمْرَ دُنْياهُ الَّذِي ضَمِنَهُ لَهُ ونَهاهُ أنْ يَجْعَلَهُ أكْبَرَ هَمِّهِ وتَوَعَّدَهُ عَلى ذَلِكَ، فَما ذَكَرَهُ إلّا مَن وجَدَهُ في جَمِيعِ أُمُورِهِ دِينًا ودُنْيا، وتَوَجَّهَ إلَيْهِ في جَمِيعِ نَوائِبِهِ، وأقْبَلَ عَلَيْهِ بِكُلِّ هُمُومِهِ، وبَذَلَ نَفْسَهُ لَهُ بَذْلَ مَن يَعْلَمُ أنَّهُ مَمْلُوكٌ مَرْبُوبٌ فَقَدْ أمَرَ رَبَّهُ عَلى نَفْسِهِ واتَّخَذَهُ وكِيلًا فاسْتَراحَ مِنَ المَخاوِفِ، ولَمْ يَمِلْ إلى شَيْءٍ مِنَ المَطامِعِ فَصارَ حُرًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب