الباحث القرآني

ولَمّا عَظُمَ ما يَكْرَهُهُ بَعْدَ ما ألْهَبَ بِهِ مِن تَنْزِيهِ غَيْرِ العاقِلِ، فَكانَ العاقِلُ جَدِيرًا بِأنْ يَسْألَ عَمّا يُحِبُّهُ لِيُنَزِّهَهُ بِهِ، قالَ ذاكِرًا الغايَةَ الَّتِي هي أمْ جامِعَةٌ [لِكُلِّ] ما قَبْلَها مِنَ المَحاسِنِ، مُؤَكِّدًا لِأنَّ الخِطابَ مَعَ مَن قَصَرَ أوْ [هُوَ] في حُكْمِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ (p-٨)الكَمالِ ﴿يُحِبُّ﴾ أيْ يَفْعَلُ فِعْلَ المُحِبِّ مَعَ ﴿الَّذِينَ يُقاتِلُونَ﴾ أيْ يُوقِعُونَ القِتالَ ﴿فِي سَبِيلِهِ﴾ أيْ بِسَبَبِ تَسْهِيلِ طَرِيقِهِ المُوَصِّلَةِ إلى رِضاهُ إيقاعًا مَظْرُوفًا لِلسَّبِيلِ، لا يَكُونُ شَيْءٌ مِنهُ كَشَيْءٍ خارِجٍ عَنْهُ، فَيُقاتِلُونَ أعْداءَ الدِّينِ مِنَ الشَّيْطانِ بِالذِّكْرِ القَلْبِيِّ واللِّسانِ، والإنْسانِ بِالسَّيْفِ والسِّنانِ ﴿صَفًّا﴾ أيْ مُصْطَفِّينَ حَتّى كَأنَّهم في اتِّحادِ المُرادِ عَلى قَلْبٍ واحِدٍ كَما كانُوا في التَّساوِي في الِاصْطِفافِ كالبَدَنِ الواحِدِ. ولَمّا كانَ الِاصْطِفافُ يَصْدُقُ مَعَ التَّقَدُّمِ والتَّأخُّرِ اليَسِيرِ نَفى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ حالًا بَعْدَ حالٍ: ﴿كَأنَّهُمْ﴾ أيْ مِن شِدَّةِ التَّراصِّ والمُساواةِ بِالصُّدُورِ والمَناكِبِ والثَّباتِ في المَراكِزِ ﴿بُنْيانٌ﴾ وزادَ في التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ: ﴿مَرْصُوصٌ﴾ أيْ عَظِيمُ الِاتِّصالِ شَدِيدُ الِاسْتِحْكامِ كَأنَّما رُصَّ بِالرَّصاصِ فَلا فُرْجَةَ فِيهِ ولا خَلَلَ، فَإنَّ مَن كانَ هَكَذا كانَ جَدِيرًا بِأنْ لا يُخالِفُ شَيْءٌ مِن أفْعالِهِ شَيْئًا مِن أقْوالِهِ، فالرَّصُّ إشارَةٌ إلى اتِّحادِ القُلُوبِ والنِّيّاتِ في مُوالاةِ اللَّهِ ومُعاداةِ مَن عاداهُ المُنْتِجُ لِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ في الصَّلاةِ الَّتِي هي مُحارَبَةُ الشَّيْطانِ، والحَرْبُ الَّتِي هي مُقارَعَةُ حِزْبِهِ أُولى الطُّغْيانِ، والأفْعالُ الَّتِي هي ثَمَراتِ الأبْدانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب