الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَعْنى ”تُؤْمِنُونَ“: فالأمْرُ كَما تَقَدَّمَ، لَكِنَّهُ حُوِّلَ عَنْ ذَلِكَ لِما ذُكِرَ، وكانَ أهَمَّ ما إلى الإنْسانِ خَوْفُهُ مِمّا هَدَّدَ عَلَيْهِ، أمَّنَ سُبْحانَهُ مِن ذَلِكَ دالًّا عَلى أصْلِ الفِعْلِ بِجَزْمِ ما هو في مَوْضِعِ الجَوابِ فَقالَ: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ أيْ خاصَّةً دُونَ مَن لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴿ذُنُوبَكُمْ﴾ أيْ بِمَحْوِ أعْيانِها وآثارِها كُلِّها. ولَمّا قَرَعَ القُلُوبَ مِن كَدَرِ العِقابِ والعِتابِ، لَذَّذَها بِطِيبِ الثَّوابِ فَقالَ: ﴿ويُدْخِلْكُمْ﴾ أيْ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ بِالمَغْفِرَةِ رَحْمَةً لَكم ﴿جَنّاتٍ تَجْرِي﴾ ودَلَّ عَلى قُرْبِ الجارِي وتَخَلُّلِهِ الأراضِي بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن تَحْتِها﴾ أيْ تَحْتَ أشْجارِها وغُرَفِها وكُلِّ مُتَنَزَّهٍ فِيها ﴿الأنْهارُ﴾ فَهي لا تَزالُ غَضَّةً زَهْراءَ، ولَمْ يَحْتَجْ هَذا الأُسْلُوبُ إلى ذِكْرِ الخُلُودِ لِإغْناءِ ما بَعْدَهُ عَنْهُ، دَلَّ عَلى الكَثْرَةِ المُفْرِطَةِ في الدَّوْرِ بِقَوْلِهِ بِصِيغَةِ مُنْتَهى الجُمُوعِ: ﴿ومَساكِنَ﴾ ولَمّا كانَتِ المَساكِنِ لا تَرُوقُ إلّا بِما يُقارِنُها مِنَ المَعانِي الحَسَنَةِ قالَ: ﴿طَيِّبَةً﴾ أيْ في الِاتِّساعِ واخْتِلافِ (p-٣٨)أنْواعِ المَلاذِّ وعُلُوِّ الأبْنِيَةِ والأُسْرَةِ مَعَ سُهُولَةِ الوُصُولِ إلَيْها وفي بَهْجَةِ المَناظِرِ وتَيَسُّرِ مَجارِي الرِّيحِ بِانْفِساحِ الأبْنِيَةِ مَعَ طِيبِ الغُرَفِ، لَمْ يُفْسِدِ الماءُ الجارِيَ تَحْتَها شَيْئًا مِن رِيحِها ولا في اعْتِدالِها في شَيْءٍ مِمّا يُرادُ مِنها. ولَمّا كانَتْ لا يَرْغَبُ فِيها إلّا بِدَوامِ الإقامَةِ، بَيْنَ صَلاحِيَتِها لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي جَنّاتِ عَدْنٍ﴾ أيْ بَساتِينَ هي أهْلٌ لِلْإقامَةِ بِها لا يَحْتاجُ في إصْلاحِها إلى شَيْءٍ خارِجٍ يَحْتاجُ في تَحْصِيلِهِ إلى الخُرُوجِ عَنْها [لَهُ]، ولا آخَرَ لِتِلْكَ الإقامَةِ، قالَ حَمْزَةُ الكَرْمانِيُّ في كِتابِهِ جَوامِعِ التَّفْسِيرِ: هي قَصَبَةُ الجِنانِ ومَدِينَةُ الجَنَّةِ أقْرَبُها إلى العَرْشِ. ولَمّا كانَ هَذا أمْرًا شَرِيفًا لا يُوجَدُ في غَيْرِها قالَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ العَظِيمُ جِدًّا وحْدَهُ ﴿الفَوْزُ العَظِيمُ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب