الباحث القرآني

وتَعَجَّبَ مِنهم في ظَنِّهِمْ خَوْفَهُ مِن مَعْبُوداتِهِمْ بِقَوْلِهِ مُنْكِرًا: ﴿وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ﴾ أيْ: مِن دُونِ اللَّهِ مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها مَعَ أنَّها لا تَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (p-١٦٦)﴿ولا﴾ أيْ: والحالُ أنَّكم أنْتُمْ لا ﴿تَخافُونَ أنَّكم أشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ﴾ أيْ: المُسْتَجْمِعِ لِصِفاتِ العَظَمَةِ والقُدْرَةِ عَلى العَذابِ والنِّقْمَةِ. ولَمّا كانَ لَهُ - سُبْحانَهُ - أنْ يَفْعَلَ ما يَشاءُ قالَ: ﴿ما لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ﴾ أيْ: بِإشْراكِهِ؛ ولَمّا كانَ المَقامُ صَعْبًا لِأنَّهُ أصْلُ الدِّينِ - أثْبَتَ الجارَّ والمَجْرُورَ وقَدَّمَهُ، فَقالَ: ﴿عَلَيْكم سُلْطانًا﴾ أيْ: حُجَّةً تَكُونُ مانِعَةً مِن إنْزالِهِ الغَضَبَ بِكم، والحاصِلُ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أوْقَعَ الأمْنَ في مَوْضِعِهِ وهم أوْقَعُوهُ في مَوْضِعِ الخَوْفِ، فَعَجِبَ مِنهم لِذَلِكَ فَبانَ أنَّ هَذا وقَوْلَ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في الأعْرافِ ﴿وما يَكُونُ لَنا أنْ نَعُودَ فِيها إلا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا﴾ [الأعراف: ٨٩] الآيَةُ، وقَوْلَهُ تَعالى في الكَهْفِ: ﴿ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف: ٢٣] ﴿إلا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٤] مِن مِشْكاةٍ واحِدَةٍ؛ ولَمّا كانَ المَحْذُورُ المَنفِيُّ هُنا إنَّما هو خَوْفُ الضَّرَرِ مِن آلِهَتِهِمْ، وكانَ حُصُولُ الضَّرَرِ لِمُخالِفِها بِواسِطَةِ أتْباعِها أوْ غَيْرِهِمْ مِن سُنَنِ اللَّهِ الجارِيَةِ في عِبادِهِ - اقْتَصَرَ الخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ المُقْتَضِيَةِ لِلرَّأْفَةِ والرَّحْمَةِ والكِفايَةِ والحِمايَةِ، وقَدْ وقَعَ في قِصَّتِهِ الأمْرانِ: إمْكانُهم مِن أسْبابِ ضَرَرِهِ بِإيقادِ النّارِ وإلْقائِهِمْ لَهُ فِيها، ورَحْمَتِهِ بِجَعْلِها عَلَيْهِ بَرْدًا وسَلامًا. ولَمّا كانَ المَحْذُورُ في قِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - العَوْدُ في مِلَّتِهِمْ - زادَ الإتْيانَ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ الجامِعِ لِجَمِيعِ الكَمالاتِ المُنَزَّهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقائِصِ المُقْتَضِي لِاسْتِحْضارِ الجَلالِ والعَظَمَةِ والتَّفَرُّدِ والكِبْرِ المانِعِ مِن دُنُوِّ ساحاتِ الكُفْرِ، (p-١٦٧)واللَّهُ المُوَفِّقُ. ولَمّا بانَ كالشَّمْسِ بِما أقامَ مِنَ الدَّلِيلِ أنَّهُ أحَقُّ بِالأمْنِ مِنهم، قالَ مُسَبِّبًا عَمّا مَضى تَقْرِيرًا لَهم: ﴿فَأيُّ الفَرِيقَيْنِ﴾ أيْ: حِزْبِ اللَّهِ وحِزْبِ ما أشْرَكْتُمْ بِهِ، ولَمْ يَقُلْ: فَأيُّنا، تَعْمِيمًا لِلْمَعْنى ﴿أحَقُّ بِالأمْنِ﴾ وألْزَمَهم بِالجَوابِ حَتْمًا بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أيْ: إنْ كانَ لَكم عِلْمٌ فَأخْبِرُونِي عَمّا سَألْتُكم عَنْهُ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب