الباحث القرآني
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ - بِما فِيها مِنَ التَّصْرِيحِ بِالتَّكْذِيبِ - شَدِيدَةَ الِاعْتِناقِ لِقَوْلِهِ ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: ٢١] وقَوْلِهِ ﴿كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهم فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أنْباءُ﴾ [الأنعام: ٥] الآيَتَيْنِ - رَجَعَ بِالَّذِي بَعْدَها إلى فَذْلَكَةِ التَّفاصِيلِ الماضِيَةِ وواسِطَةِ عِقْدِها وفَرِيدَةِ دُرِّها، وهو التَّوْحِيدُ الَّذِي أبانَتْهُ الأدِلَّةُ قَبْلَ الآيَتَيْنِ، فَقالَ دالًّا عَلى اعْتِقادِهِمْ القُدْرَةَ الَّتِي اسْتَلْزَمَ نَعْتُهم بِطَلَبِ الآيَةِ نَفْيَها، واعْتِقادُهم لِلتَّوْحِيدِ في الجُمْلَةِ وهم يُكَذِّبُونَ بِهِ، بَيانًا لِأنَّهم في الظُّلُماتِ مَقْهُورُونَ بِيَدِ المَشِيئَةِ لِعَدَمِ تَحاشِيهِمْ مِنَ التَّناقُضِ مُعَجِّبًا مِنهم: ﴿قُلْ أرَأيْتَكُمْ﴾ أيْ: أخْبِرُونِي يا مَن كَذَّبَ بِالآياتِ والقُدْرَةِ عِنادًا وشَهِدَ أنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى، وعَدَلَ بِاللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ والجَهْرَ، وهو مَعَ مَن يَدْعُوهُ في كُلِّ سَماءٍ وكُلِّ أرْضٍ بِعِنايَتِهِ ونَصْرِهِ.
ولَمّا كانَتْ حَقِيقَةُ ﴿أرَأيْتَكُمْ﴾ هَلْ رَأيْتُمْ أنْفُسَكم، وكانَ هَذا (p-١١٠)لِكَوْنِهِ سُؤالًا عَنْ مَعْلُومٍ لا يَجْهَلُهُ أحَدٌ، مُشِيرًا إلى أنَّ السُّؤالَ عَنْ غَيْرِهِ مِمّا قَدْ يَخْفى مِن أحْوالِ النَّفْسِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: عَنْ أيِّ أحْوالِ نُفُوسِنا نُسْألُ؟ فَقِيلَ تَنْبِيهًا لَهم عَلى حالَةٍ تُلْزِمُهم بِالتَّوْحِيدِ أوْ العِنادِ الَّذِي يَصِيرُ في العِلْمِ بِهِ كالسُّؤالِ عَنْ رُؤْيَةِ النَّفْسِ سَواءٌ: ﴿إنْ أتاكُمْ﴾ أيْ: قَبْلِ مَجِيءِ السّاعَةِ كَما آتى مَن قَبْلَكم ﴿عَذابُ اللَّهِ﴾ أيْ: المُسْتَجْمِعُ لِمَجامِعِ العَظَمَةِ، فَلا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى كَشْفِ ما يَأْتِي بِهِ ﴿أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ﴾ أيْ: القِيامَةُ بِما فِيها مِنَ الأهْوالِ.
ولَمّا عَجَّبَ مِنهم بِما مَضى، كَما مَضى، قالَ مُجِيبًا لِلشَّرْطِ مُوَبِّخًا لَهم مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ عَدَمَ اسْتِمْرارِهِمْ عَلى دُعائِهِ ولُزُومِ سُؤالِهِ ونِدائِهِ، [ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: مَن تَدْعُونَ؟ ثُمَّ زادَهم تَوْبِيخًا وتَبْكِيتًا بِقَوْلِهِ]: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ﴾ أيْ: المَلِكِ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها ﴿تَدْعُونَ﴾ أيْ: لِشِدَّةٍ مِن تِلْكَ الشَّدائِدِ، ولا تَدْعُونَ اللَّهَ مَعَ ذَلِكَ الغَيْرِ ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أيْ: في أنَّ غَيْرَ اللَّهِ يُغْنِي شَيْئًا حَتّى يَسْتَحِقَّ الإلَهِيَّةَ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فادْعُوا ذَلِكَ الغَيْرَ، وهَذِهِ حُجَّةٌ لا يَسَعُهم مَعَها غَيْرُ التَّسْلِيمِ، فَإنَّ عادَتَهم كانَتْ مُسْتَمِرَّةً أنَّهم إذا اشْتَدَّ الأمْرُ وضاقَ الخِناقُ لا يَدْعُونَ غَيْرَ اللَّهِ ولا يُوَجِّهُونَ الهِمَمَ إلّا إلَيْهِ، فَإنْ سَلَكُوا سَبِيلَ الصِّدْقِ الَّذِي لَهُ يَنْتَحِلُونَ وبِهِ يَتَفاخَرُونَ فَقالُوا: لا نَدْعُو غَيْرَهُ، فَقَدْ لَزِمَتْهم الحُجَّةُ في أنَّهُ لا يُعْدَلُ بِهِ شَيْءٌ ولا شَرِيكَ لَهُ، (p-١١١)وإنْ عانَدُوا نَطَقَ لِسانُ الحالِ أنَّهم عَلى مَحْضِ الضَّلالِ، وإنْ سَكَتُوا أُثْبِتَ عَلَيْكَ الخِطابُ، وهي مَعَ ذَلِكَ - كَما تَرى - دَلِيلٌ عَلى ما أخْبَرَتْ بِهِ الآيَةُ قَبْلَها مِن أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، أيْ: إنَّكم كُلَّكم مُشْتَرِكُونَ في وُضُوحِ الأمْرِ في أنَّهُ لا مُنْصَرَفَ إلّا إلَيْهِ وقَدْ افْتَرَقْتُمْ فَصَدَقَ بَعْضٌ وكَذَبَ آخَرُونَ، فَلَوْ أنَّ الأمْرَ مَوْقُوفٌ عَلى وُضُوحِ الدِّلالَةِ فَقَطْ كانَ الكُلُّ عَلى نَهْجٍ واحِدٍ، هَذا ونَقَلَ أبُو حَيّانَ عَنِ الفَرّاءِ أنَّهُ قالَ: لِلْعَرَبِ في أرَأيْتَ لُغَتانِ ومَعْنَيانِ: أحَدُهُما: أنْ تَسْألَ الرَّجُلَ: أرَأيْتَ زَيْدًا، أيْ: بِعَيْنِكَ، فَهَذِهِ مَهْمُوزَةٌ. وثانِيهُما: أنْ تَقُولَ: أرَأيْتَ، وأنْتَ تُرِيدُ: أخْبِرْنِي، فَهاهُنا تَتْرُكُ الهَمْزَةَ إنْ شِئْتَ، وهو أكْثَرُ كَلامِ العَرَبِ، وتُومِئُ إلى تَرْكِ الهَمْزَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ المَعْنَيَيْنِ؛ ثُمَّ قالَ أبُو حَيّانَ: وكَوْنُ أرَأيْتَ وأرَأيْتَكَ بِمَعْنى: أخْبِرْنِي نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وغَيْرُهُ مِن أئِمَّةِ العَرَبِ، وهو تَفْسِيرُ مَعْنًى لا تَفْسِيرُ إعْرابٍ؛ لِأنَّ أخْبِرْنِي يَتَعَدّى بِعَنْ، وأرَأيْتَ مُتَعَدٍّ لِمَفْعُولٍ بِهِ صَرِيحٍ وإلى جُمْلَةٍ اسْتِفْهامِيَّةٍ هي في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي؛ وقالَ (p-١١٢)فِي سُورَةِ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: تَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْعامِ أنَّ العَرَبَ تُضَمِّنُ أرَأيْتَ مَعْنى أخْبِرْنِي وأنَّها تَتَعَدّى إذْ ذاكَ إلى مَفْعُولَيْنِ، وأنَّ المَفْعُولَ الثّانِيَ أكْثَرُ ما يَكُونُ جُمْلَةَ اسْتِفْهامٍ، يَنْعَقِدُ مِنها ومِمّا قَبْلَها مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، يَقُولُ العَرَبُ: أرَأيْتَ زَيْدًا ما صَنَعَ؟ المَعْنى: أخْبِرْنِي عَنْ زَيْدٍ ما صَنَعَ! وقَبْلَ دُخُولِ أرَأيْتَ كانَ الكَلامُ: زَيْدٌ ما صَنَعَ. انْتَهى. قُلْتُ: وحَقِيقَةُ المَعْنى - كَما مَرَّ -: هَلْ رَأيْتَ زَيْدًا؟ فَلَمّا اسْتَفْهَمَ عَنْ رُؤْيَتِهِ - والمُرادُ الخَبَرُ لا البَصَرُ - عُلِمَ أنَّ السُّؤالَ عَنْ بَعْضِ أحْوالِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ما لَهُ؟ فَقِيلَ: ما صَنَعَ؟
{"ayah":"قُلۡ أَرَءَیۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











