الباحث القرآني
ولَمّا كانَ عِلْمُ جَمِيعِ أحْوالِ المَخْلُوقِ دالًّا عَلى أنَّ العِلْمَ بِها هو خالِقُهُ، وأنَّ مَن ادَّعى أنَّ خالِقَهُ عاجِزٌ عَنْ ضَبْطِ مَمْلَكَتِهِ عَنْ كَشْفِ غَيْرِهِ لِعَوْراتِها وعِلْمِ ما لا يَعْلَمُهُ هو مِنها، فَلَمْ يَكُنْ إلَهًا، وكانَ الإلَهُ هو العالَمَ وحْدَهُ، وكانَ المُحِيطُ العِلْمَ لا يَعْسُرُ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ التُّرابِ مِنَ التُّرابِ، وكانَ ﷺ يُخْبِرُهم عَنِ اللَّهِ مِن مُغَيَّباتِ أسْرارِهِمْ وخَفايا أخْبارِهِمْ مِمّا يَقُصُّونَ مِنهُ العَجَبَ ويَعْلَمُونَ مِنهُ إحاطَةَ العِلْمِ حَتّى قالَ أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ الفَتْحِ: لَوْ تَكَلَّمَتْ لَأخْبَرَتْ عَنِّي هَذِهِ الحَصْباءُ، قالَ تَعالى عاطِفًا ﴿هُوَ الَّذِي﴾ [الأنعام: ٢] دالًّا عَلى الوَحْدانِيَّةِ بِشُمُولِ العِلْمِ بَعْدَ قِيامِ الدَّلِيلِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ والِاخْتِيارِ؛ لِأنَّ إنْكارَهم المَعادَ لِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما ظَنُّ أنَّ المُؤَثِّرَ في الأبْدانِ امْتِزاجُ الطَّبائِعِ وإنْكارُ أنَّ المُؤَثِّرَ هو قادِرٌ مُخْتارٌ، والثّانِي أنَّهُ - عَلى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الِاخْتِيارِ - غَيْرُ عالِمٍ بِالجُزْئِيّاتِ، فَلا يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ بَدَنِ زَيْدٍ عَنْ أجْزاءِ بَدَنِ عَمْرٍو، فَإذا قامَ الدَّلِيلُ عَلى (p-١٩)كَمالِ قُدْرَتِهِ - سُبْحانَهُ - واخْتِيارِهِ وشُمُولِ عِلْمِهِ لِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ: الكُلِّيّاتِ والجُزْئِيّاتِ - زالَتْ جَمِيعُ الشُّبَهاتِ: ﴿وهُوَ اللَّهُ﴾ أيْ: الَّذِي لَهُ هَذا الِاسْمُ المُسْتَجْمِعُ لِجَمِيعِ الأسْماءِ الحُسْنى والصِّفاتِ العُلى المَدْعُوُّ بِهِ تَألُّهًا لَهُ وخُضُوعًا وتَعَبُّدًا، وعَلَّقَ بِهَذا المَعْنى قَوْلَهُ: ﴿فِي السَّماواتِ﴾ [لِأنَّ مَن في الشَّيْءِ يَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ] .
ولَمّا كانَ الخِطابُ لِمُنْكِرِي البَعْثِ أكَّدَ فَقالَ: ﴿وفِي الأرْضِ﴾ أيْ: هَذِهِ صِفَتُهُ دائِمًا [عَلى هَذا المُرادِ مِن أنَّهُ - سُبْحانَهُ - ثابِتٌ لَهُ هَذا الِاسْمُ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ عَلى وجْهِ التَّألُّهِ والتَّعَبُّدِ في كُلٍّ مِن جِهَتَيْ العُلُوِّ والسُّفْلِ، ولا يَفْهَمُ ذُو عَقْلٍ صَحِيحٍ ما يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ مِن أنَّهُ مَحْوِيٌّ، فَإنَّ كُلَّ مَحْوِيٍّ مُنْحَصِرٌ مُحْتاجٌ إلى حاوِيهِ وحاصِرِهِ، ضَعِيفُ التَّصَرُّفِ فِيما وراءَهُ، ومَن كانَ مُحْتاجًا نَوْعَ احْتِياجٍ لا يَصْلُحُ لِلْأُلُوهِيَّةِ والمَشِيئَةِ لِحَدِيثِ الجارِيَةِ: أيْنَ اللَّهُ؟ قالَتْ: في السَّماءِ، ومَحْجُوجٌ بِحَدِيثِ: «( أنْتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ )» فَإنَّ ظاهِرَهُ مُنافٍ لِظاهِرِ الأوَّلِ، وظاهِرُ هَذا مُؤَيَّدٌ بِقاطِعِ النَّقْلِ مِن أنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ، ومُؤَيَّدٌ بِصَحِيحِ النَّقْلِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] أيْ: لا في ذاتِهِ ولا صِفاتِهِ ولا شَيْءٍ مِن شُؤُونِهِ، و«( قَدْ كانَ اللَّهُ ولا شَيْءَ مَعَهُ )»، وحَدِيثُ «( لَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ )» - رَواهُ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ في الدَّعَواتِ، وأبُو داوُدَ في الأدَبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللَّهُ المُوَفِّقُ] .
(p-٢٠)ولَمّا كانَ المُرادُ إثْباتَ أنَّ عِلْمَهُ تَعالى مُحِيطٌ، نِسْبَةَ كُلٍّ مِنَ الخَفِيِّ والجَلِيِّ إلَيْهِ عَلى السَّواءِ، وكانَ السِّياقُ هُنا لِلْخَفِيِّ فَإنَّهُ في بَيانِ خَلْقِ الإنْسانِ وعَجِيبِ صُنْعِهِ فِيهِ بِما خَلَقَ فِيهِ مِن إدْراكِ المَعانِي وهَيَّأهُ لَهُ مِن قَبْلِ أنْ يَقْدِرَ عَلى التَّعْبِيرِ عَنْهُ، ثُمَّ أقْدَرَهُ عَلى ذَلِكَ - قَدَّمَ الخَفِيَّ فَقالَ شارِحًا لِكَوْنِهِ لا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ﴾
ولَمّا كانَ لا مُلازَمَةَ بَيْنَ عِلْمِ السِّرِّ والجَهْرِ لِأنَّهُ قَدْ يَكُونُ في الجَهْرِ لَفْظٌ شَدِيدٌ يَمْنَعُ اخْتِلاطَ الأصْواتِ فِيهِ مَن عَلِمَهُ، صَرَّحَ بِهِ فَقالَ: ﴿وجَهْرَكُمْ﴾ ونِسْبَةُ كُلٍّ مِنها إلَيْهِ عَلى حَدٍّ سَواءٍ، ولا تُوصَفُ واحِدَةٌ مِنها بِقُرْبٍ في المَسافَةِ إلَيْهِ ولا بُعْدٍ، ولَمّا كانَ السِّرُّ والجَهْرُ شائِعَيْنِ في الأقْوالِ، وكانَتْ الأقْوالُ تَتَعَلَّقُ بِالسَّمْعِ - ذَكَرَ ما يَعُمُّهُما وهو شائِعٌ في الأفْعالِ المُتَعَلِّقَةِ بِالبَصَرِ، فَقالَ: ﴿ويَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ﴾ فَأفادَ ذَلِكَ صِفَتَيْ السَّمْعِ والبَصَرِ مَعَ إثْباتِ العِلْمِ،
{"ayah":"وَهُوَ ٱللَّهُ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَفِی ٱلۡأَرۡضِ یَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَیَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق