الباحث القرآني
ولَمّا نَهى عَنْ اتِّباعِ السُّبُلِ لِأنَّها سَبَبُ التَّفَرُّقِ عَنِ الحَقِّ، وكانَ قَدْ كَرَّرَ في هَذِهِ السُّورَةِ نَصْبَ الحُجَجِ وإنارَةَ الأدِلَّةِ وإزاحَةَ الشُّكُوكِ ومَحْوَ آثارِ الشُّبَهِ، وأشْرَفَتْ السُّورَةُ عَلى الِانْقِضاءِ. وكانَ مِنَ المَعْلُومِ قَطْعًا أنَّ الحَقَّ - مِن حَيْثُ هو حَقٌّ - شَدِيدُ التَّأْثِيرِ في إزْهاقِ الباطِلِ فَكَيْفَ إذا كانَ كَلامُ المَلِكِ الَّذِي لا يُخالَفُ أمْرُهُ ولا يُخْرَجُ عَنْ إرادَتِهِ - اشْتَدَّ اسْتِشْرافُ النَّبِيِّ ﷺ إلى رُؤْيَةِ ذَلِكَ الأثَرِ مَعَ ما عِنْدَهُ مِنَ الحِرْصِ عَلى إسْلامِ قَوْمِهِ لِما طَبَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلى جَمِيعِ الخَلْقِ عُمُومًا وعَلَيْهِمْ خُصُوصًا، وإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ الأثَرُ بِإيجادِ هِدايَتِهِمْ ومَحْوِ غِوايَتِهِمْ، فَلَمّا خَتَمَ - سُبْحانَهُ - بِهَذَيْنِ التَّهْدِيدَيْنِ العَظِيمَيْنِ الدّالَّيْنِ عَلى غَشاوَتِهِمْ - فَإنَّهُ ﷺ مِمّا كانَ رَجاهُ مِن هِدايَتِهِمْ أمْرٌ كَأنَّهُ كانَ قَدْ حَصَلَ، وذَلِكَ مُورِثٌ لِلشُّفُوقِ مِنَ الأسَفِ عَلى ما لا يَدْرِي قَدْرَهُ ولا يُوصَفُ خَبَرُهُ، فَثَبَّتَهُ - سُبْحانَهُ - وسَلّاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا﴾ أيْ: بَعْدَ إبْلاغِكَ إيّاهم ﴿دِينَهُمْ﴾ أيْ: بِتَكْذِيبِهِمْ بِبَعْضِ آياتِ اللَّهِ وصُدُوفِهِمْ عَنْها وإيمانِهِمْ بِبَعْضِها فَفارَقُوهُ؛ لِأنَّ الكُفْرَ بَعْضُهُ كُفْرٌ بِكُلِّهِ، وأُضِيفَ الدِّينُ إلَيْهِمْ لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِيهِ ومُقاتَلَتِهِمْ عَلَيْهِ (p-٣٣٥)﴿وكانُوا شِيَعًا﴾ كُلُّ فِرْقَةٍ تُشايِعُ وتُشَيِّعُ إمامَها كالعَرَبِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا أحْزابًا بِالِاسْتِكْثارِ مِنَ الأصْنامِ، فَكانَ في كُلِّ قُطْرٍ لَهم مَعْبُودٌ أوْ اثْنانِ فَأكْثَرُ، وكَأهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا في دِينِهِمْ بِدَعًا أوْصَلَتْهم إلى تَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وآمَنُوا بِبَعْضِ الأنْبِياءِ وكَفَرُوا بِبَعْضٍ، وكالمَجُوسِ الَّذِينَ مَزَّقُوا دِينَهم بِاعْتِقادِ أنَّ الإلَهَ اثْنانِ: النُّورُ والظُّلْمَةُ، وعَبَدُوا الأصْنامَ والنُّجُومَ وجَعَلُوا لِكُلِّ نَجْمٍ صَنَمًا يُتَوَسَّلُ بِهِ - في زَعْمِهِمْ - إلَيْهِ ﴿لَسْتَ مِنهُمْ﴾ أيْ: مِن حِسابِهِمْ ولا مِن عِقابِهِمْ ولا مِن خَلْقِ الهِدايَةِ في قُلُوبِهِمْ ﴿فِي شَيْءٍ﴾ وفي هَذا غايَةُ الحَثِّ عَلى الِاجْتِماعِ ونِهايَةُ التَّوَعُّدِ عَلى الِافْتِراقِ.
. ولَمّا خَفَّفَ عَنْهُ ﷺ بِتَبْرِئَتِهِ مِنهم، أسْنَدَ إلى نَفْسِهِ المُقَدَّسِ ما يَحِقُّ لَهُ في إحاطَةِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ، فَقالَ جَوابًا لِمَن يَقُولُ: فَإلى مَن يَكُونُ أمْرُهُمْ؟: ﴿إنَّما أمْرُهُمْ﴾ أيْ: في ذَلِكَ كُلِّهِ وفي كُلِّ ما يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِمّا لا يَحْصُرُهُ حَدٌّ ولا يُحْصِيهِ عَدٌّ ﴿إلى اللَّهِ﴾ أيْ: المَلِكِ الَّذِي لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَمَن شاءَ هَداهُ ومَن شاءَ أعْماهُ، ومَن شاءَ أهْلَكَهُ ومَن شاءَ أبْقاهُ لِأنَّ لَهُ كَمالَ العَظَمَةِ.
. ولَمّا كانَ الحَشْرُ مُتَراخِيًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ في الرُّتْبَةِ وفي الزَّمانِ، لا تَبْلُغُ كُنْهُ عَظَمَتِهِ العُقُولُ - نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِأداةِ التَّراخِي والتَّنْبِيهِ (p-٣٣٦)بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ﴾ بَعْدَ اسْتِيفاءِ ما ضَرَبَ لَهم مِنَ الآجالِ ﴿يُنَبِّئُهُمْ﴾ أيْ: تَنْبِئَةً عَظِيمَةً جَلِيلَةً مُسْتَقْصاةً بَعْدَ أنْ يَحْشُرَهم إلَيْهِ داخِرِينَ ﴿بِما كانُوا﴾ أيْ: جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿يَفْعَلُونَ﴾ أيْ: مِن تِلْكَ الأشْياءِ القَبِيحَةِ الَّتِي كانَ لَهم إلَيْها أتَمُّ داعِيَةٍ غَيْرَ مُتَوَقِّفِينَ في إصْدارِها عَلى عِلْمٍ مَعَ ادِّعاءِ التَّدَيُّنِ بِها، والآيَةُ - مَعَ ما تَقَدَّمَ مِن مُقْتَضَياتِها - تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِی شَیۡءٍۚ إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق