الباحث القرآني

ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلْمَآكِلِ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ مِن حَلالٍ وحَرامٍ، وفَرَغَ مِن تَقْرِيرِ أمْرِ الحَرْثِ الَّذِي قَدَّمَ في الجُمْلَةِ الأُولى لِأنَّهُ مادَّةُ الحَيَوانِ - قالَ: ﴿ومِنَ﴾ أيْ: وأنْشَأ مِن ﴿الأنْعامِ حَمُولَةً﴾ أيْ: ما يَحْمِلُ الأثْقالَ ﴿وفَرْشًا﴾ أيْ: وما يُفْرَشُ لِلذَّبْحِ أوْ لِلتَّوْلِيدِ، ويُعْمَلُ مِن وبَرِهِ وشَعَرِهِ فَرْشٌ. ولَمّا اسْتَوْفى القَسَمَيْنِ أمَرَ بِالأكْلِ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ عَلى وجْهٍ يَشْمَلُ غَيْرَهُ مُخالَفَةً لِلْكُفّارِ، فَقالَ: ﴿كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ أيْ: لِأنَّهُ المَلِكُ الأعْظَمُ الَّذِي لا يَسُوغُ رَدُّ عَطِيَّتِهِ ﴿ولا تَتَّبِعُوا﴾ [ولَعَلَّهُ شَدَّدَ إشارَةً إلى العَفْوِ عَنْ صَغِيرَةٍ إذا ذُكِّرَ الإنْسانُ فِيها رَجَعَ ولَمْ يُعْتَدَّ في هَواهُ] ﴿خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ أيْ: طَرِيقَهُ في التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ كَما قالَ في البَقَرَةِ ﴿كُلُوا مِمّا في الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ [البقرة: ١٦٨] وعَبَّرَ بِذَلِكَ لِأنَّهُ - مَعَ كَوْنِهِ مِن مادَّةِ الخَطِيئَةِ دالٌّ عَلى أنَّ شَرائِعَهُ شَرِيعَةُ الِانْدِراسِ، لَوْلا مَزِيدُ الِاعْتِناءِ مِنَ الفَسَقَةِ بِالتَّتَبُّعِ في كُلِّ خُطْوَةٍ حالَ تَأْثِيرِها لَبادَرَ إلَيْها المَحْوُ لِبُطْلانِها في نَفْسِها، فَلا أمْرَ مِنَ اللَّهِ يُحْيِيها ولا كِتابَ يُبْقِيها، وإنَّما أسْقَطَ هُنا ”حلالًا طيبًا“ لِبَيانِهِ سابِقًا في قَوْلِهِ ﴿فَكُلُوا (p-٢٩٤)مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٨] ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] ولاحِقًا في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] ثُمَّ عَلَّلَ نَهْيَهُ عَنْ اتِّباعِهِ فَقالَ: ﴿إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ﴾ أيْ: فَهو لِذَلِكَ لا يَأْمُرُكم بِخَيْرٍ ﴿مُبِينٌ﴾ أيْ: ظاهِرُ العَداوَةِ لِأنَّ أمْرَهُ مَعَ أبِيكم شَهِيرٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب