الباحث القرآني

ولَمّا اسْتَبانَ بِهَذا أنَّهُ ولّى الكَفَرَةَ مِن ظالِمِي الجِنِّ ظالِمِي الإنْسِ وسَلَّطَهم عَلَيْهِمْ - أخْبَرَ - تَعالى - أنَّ هَذا عَمَلُهُ مَعَ كُلِّ ظالِمٍ مِن أيِّ قَبِيلٍ كانَ، سَواءٌ كانَ كافِرًا أوْ لا فَقالَ: ﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ: ومِثْلُ تِلْكَ التَّوْلِيَةِ الَّتِي سَلَّطْنا بِها الجِنَّ عَلى الإنْسِ بِما زادَ عَذابَ الفَرِيقَيْنِ ﴿نُوَلِّي﴾ أيْ: نُتْبِعُ في جَمِيعِ الأزْمانِ مِن جَمِيعِ الخَلْقِ ﴿بَعْضَ الظّالِمِينَ﴾ أيْ: الغَرِيقِينَ في الظُّلْمِ ﴿بَعْضًا﴾ أيْ: بِأنْ نَجْمَعَ بَيْنَ الأشْكالِ، في الأوْصافِ الباطِنَةِ والخِصالِ، ونُسَلِّطَ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ في الضَّلالِ والإضْلالِ، والأوْجاعِ والأنْكالِ ﴿بِما كانُوا﴾ بِجِبِلّاتِهِمْ ﴿يَكْسِبُونَ﴾ أيْ: بِسَبَبِ اجْتِماعِهِمْ في الطِّباعِ الَّتِي طَبَعْناهم عَلَيْها يَجْتَمِعُونَ ويَنْقادُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، بِحَسَبِ ما سَبَّبْنا مِنَ الأسْبابِ المُلائِمَةِ لِذَلِكَ الظُّلْمِ الَّذِي يَسَّرْناهُ لَهم، حَتّى صارَتْ أعْمالُهم كُلُّها في غَيْرِ مَواضِعِها، فَيَظْلِمُ بَعْضُهم بَعْضًا ويُهْلِكُ بَعْضُهم بَعْضًا، وهم لا يَزْدادُونَ إلّا الِالتِئامَ حَتّى يَسْتَحِقَّ الكُلُّ ما كَتَبْنا لَهم مِن عَذابٍ. رَوى الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ عَنْ جابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - يَقُولُ: أنْتَقِمُ مِمَّنْ (p-٢٧١)أبْغَضُ بِمَن أبْغَضُ ثُمَّ أُصَيِّرُ كُلًّا إلى النّار)» وعَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: رَأيْتُ في بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ المُنَزَّلَةِ أنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: أُفْنِي أعْدائِي بِأعْدائِي ثُمَّ أُفْنِيهِمْ بِأوْلِيائِي. أوْ يُقالُ: فَقَدْ أُخْبِرْنا أنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - ولّى المُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ مَحاسِنِ أعْمالِهِمْ، ومِثْلَ ما ولّاهم لِيُعِزَّهم يُوَلِّي بَعْضَ الظَّلَمَةِ بَعْضًا لِيُهِينَهم بِسَبَبِ ما كانُوا يَتَعاطَوْنَهُ مِن مَساوِئِ الأعْمالِ ورَدِيءِ الخِلالِ وغَثِّ الخِصالِ فَيُؤَدِّيهِمْ إلى مَهْلَكِ الأوْجاعِ والأوْجالِ، أوْ يُقالُ: فَقَدْ بانَ أنَّ كُلًّا مِن ظالِمِي الإنْسِ والجِنِّ كانَ ولِيًّا لِكُلٍّ، وكَما جَعَلْنا بَعْضَهم أوْلِياءَ بَعْضٍ في الدُّنْيا نَفْعَلُ إذا حَشَرْناهم في النّارِ فَنَجْعَلُ بَعْضَهم أوْلِياءً - أيْ: أتْباعَ بَعْضٍ، لِيَسْتَمْتِعَ بَعْضُهم بِبَعْضٍ ويَنْصُرَ بَعْضُهم بَعْضًا إنْ قَدَرُوا، وهَيْهاتَ مِنهم ذَلِكَ هَيْهاتَ! شَغَلَهُمُ البُكاءُ والعَوِيلُ والنَّدَمُ والنَّحِيبُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب