الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ ما ألْزَمَهُ لِأهْلِ الضَّلالِ بِلَفْظِ ما يُسْتَقْذَرُ، كانَ في غايَةِ الحُسْنِ تَعْقِيبُهُ بِالصِّراطِ، فَإنَّهُ مِمّا يُعْشَقُ لِاسْتِقامَتِهِ وإضافَتِهِ إلى الرَّبِّ الَّذِي (p-٢٦٤)لَهُ - مَعَ اسْتِجْماعِ الكِمالاتِ كُلِّها - صِفَةُ العَطْفِ والإحْسانِ واللُّطْفِ، وإضافَةُ الرَّبِّ إلى هَذا الرَّسُولِ الَّذِي يَعْشَقُ خَلْقَهُ وخُلُقَهُ كُلُّ مَن يَراهُ أوْ يَسْمَعُ بِهِ، وأحْسَنُ مِن ذَلِكَ وأمْتَنُ أنَّ مادَّةَ (رجس ) تَدُورُ عَلى الِاضْطِرابِ المَلْزُومِ لِلْعِوَجِ المَلْزُومِ لِلضَّلالِ المانِعِ مِنَ الإيمانِ، فَلَمّا مَثَّلَ - سُبْحانَهُ - حالَ الضّالِّ بِحالِ المُضْطَرِبِ، وأخْبَرَ أنَّهُ ألْزَمَ هَذا الِاضْطِرابَ كُلَّ مَن لا يُؤْمِنُ، أتْبَعَهُ وصْفَ سَبِيلِهِ بِالِاسْتِقامَةِ الَّتِي هي أبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الِاضْطِرابِ المَلْزُومِ لِلْعِوَجِ، وكانَ التَّقْدِيرُ: فَهَذا حالُ أهْلِ الضَّلالِ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وهَذا﴾ أيْ: الَّذِي ذَكَرْناهُ مِنَ الشَّرائِعِ الهادِيَةِ في هَذا القُرْآنِ الَّتِي خَتَمْناها بِأنَّ الهادِيَ المُضِلَّ هو اللَّهُ وحْدَهُ، لا الإتْيانُ بِالمُقْتَرَحاتِ ولَوْ جاءَتْ كُلُّ آيَةٍ ﴿صِراطُ﴾ أيْ: طَرِيقُ ﴿رَبِّكَ﴾ أيْ: المُحْسِنِ إلَيْكَ حالَ كَوْنِ هَذا الصِّراطِ ﴿مُسْتَقِيمًا﴾ أيْ: لا عِوَجَ فِيهِ أصْلًا، بَلْ هو عَلى مِنهاجِ الفِطْرَةِ الأوْلى الَّتِي هي في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ بِالعَقْلِ السَّلِيمِ الَّذِي لَمْ يَشُبْهُ هَوًى ولَمْ يَشُبْهُ خَلَلٌ في أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ لِكَيْلا يَزالَ الإنْسانُ خائِفًا مِنَ اللَّهِ وراجِيًا لَهُ لِأنَّهُ القادِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، وأمّا غَيْرُهُ فَلا قُدْرَةَ لَهُ إلّا بِتَقْدِيرِهِ لِأنَّهُ خَلَقَ القُوى والقُدَرَ عِنْدَنا وعِنْدَ المُعْتَزِلَةِ، فَلْتَكُنْ الجُزْئِيّاتُ كَذَلِكَ لِأنَّ الخُلُقَ لا يُتَصَوَّرُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، ولَيْسَ غَيْرَ اللَّهِ مُحِيطُ العِلْمِ؛ قالَ الإمامُ: فالآيَةُ الَّتِي قَبْلَها مِنَ المُحْكَماتِ، فَيَجِبُ إجْراؤُها عَلى ظاهِرِها، ويَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِيها بِالتَّأْوِيلِ. (p-٢٦٥)ولَمّا كانَ جَمِيعُ ما في هَذا الصِّراطِ عَلى مِنهاجِ العَقْلِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنهُ خارِجًا عَنْهُ وإنْ كانَ فِيهِ ما لا يَسْتَقِلُّ بِإدْراكِهِ العَقْلُ، بَلْ لا بُدَّ لَهُ فِيهِ مِن إرْشادِ الهُداةِ مِنَ الرُّسُلِ الآخِذِينَ عَلى اللَّهِ، قالَ مُبَيِّنًا لِمَدْحِهِ مُرْشِدًا إلى انْتِظامِهِ مَعَ العَقْلِ: ﴿قَدْ فَصَّلْنا﴾ أيْ: غايَةَ التَّفْصِيلِ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿الآياتِ﴾ أيْ: كُلَّها فَصْلًا فَصْلًا بِحَيْثُ تَمَيَّزَتْ تَمَيُّزًا لا يَخْتَلِطُ واحِدٌ مِنها بِالآخَرِ ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ أيْ: يُجْهِدُونَ أنْفُسَهم في التَّخَلُّصِ مِن شَوائِبِ العَوائِقِ لِلْعَقْلِ مِنَ الهَوى وغَيْرِهِ - ولَوْ عَلى أدْنى وُجُوهِ الِاجْتِهادِ بِما يُشِيرُ إلَيْهِ الإدْغامُ - لِيَذَّكَّرُوا [أنَّهُ قالَ: ما مِن شَيْءٍ ذَكَرْناهُ إلّا وقَدْ أوْدَعَنا في عُقُولِهِمْ شاهِدًا عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب