الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مَعْلُومًا أنَّ عَداوَتَهم لَهُ ﷺ المُشارَ إلَيْها بُقُولِهِ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ [الأنعام: ١١٢] الآيَةُ، لا يَقُومُ بِها إلّا أكابِرُ النّاسِ، لِما كانَ عَلَيْهِ ﷺ مِن جَلالَةِ المَنصِبِ وشَرَفِ العَشِيرَةِ وكَثْرَةِ الأقارِبِ وأنَّهُ لا يَتَمادى عَلَيْها إلّا جاهِلٌ مَطْمُوسُ البَصِيرَةِ مُزَيَّنٌ لَهُ قَبِيحُ أعْمالِهِ - عَطَفَ تَعالى عَلى التَّزْيِينِ لِلْكافِرِينَ قَوْلَهُ: ﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلُ ما زَيَّنّا لِلْكافِرِينَ سُوءَ أعْمالِهِمْ، فَكانَ أكابِرُ أهْلِ مَكَّةَ يَمْكُرُونَ فَيَتَّبِعُ غَيْرُهم مَكْرَهم ﴿جَعَلْنا﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ في إقامَةِ الأسْبابِ لِما يُعْلِي كَلِمَةَ الإنْسانِ أوْ يَجْعَلُهُ حَقِيرَ الشَّأْنِ ﴿فِي كُلِّ قَرْيَةٍ﴾ أيْ: بَلَدٍ جامِعٍ، [ولَمّا كانَ الكِبَرُ مُخْتَلِفَ الأنْواعِ بِاخْتِلافِ أشْخاصِ المُجْرِمِينَ، طابَقَ بِأفْعالِ التَّفْضِيلِ المَقْصُودِينَ لَها في الجَمْعِ عَلى إحْدى اللُّغَتَيْنِ، وعَبَّرَ بِصِيغَةِ مُنْتَهى الجَمْعِ دِلالَةً عَلى تَناهِيهِمْ في الكَثْرَةِ فَقالَ]: ﴿أكابِرَ مُجْرِمِيها﴾ أيْ: القاطِعِينَ لِما يَنْبَغِي أنْ يُوصَلَ.
ولَمّا كانَ مِن شَأْنِ الإنْسانِ اسْتِجْلابُ أسْبابِ الرِّفْعَةِ لِنَفْسِهِ، وكانَ لا يَصِلُ إلى ذَلِكَ في دارِ رَبْطِ المُسَبَّباتِ بِحِكْمَةِ الأسْبابِ إلّا بِالمَكْرِ، وكانَ الأكابِرُ أقْدَرَ عَلى إنْفاذِ المَكْرِ وتَرْوِيجِ الأباطِيلِ بِما لِأغْلَبِ النّاسِ مِنَ السَّعْيِ في رِضاهم طَمَعًا فِيما عِنْدَهم، وكانَ الإنْسانُ كُلَّما تَمَكَّنَ مِن ذَلِكَ أمْعَنَ فِيهِ، وكانَ الكَبِيرُ إنَّما يَصِلُ إلى ما قُدِّرَ لَهُ مِن ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ (p-٢٥٥)لَهُ؛ كانَ بِما قُدِّرَ لَهُ مِن ذَلِكَ كَأنَّهُ خَلَقَهُ لَهُ، فَقالَ مُعَبِّرًا بِالجَعْلِ لِما فِيهِ مِنَ التَّصْيِيرِ والتَّسْبِيبِ: ﴿لِيَمْكُرُوا فِيها﴾ أيْ: يَخْدَعُوا أصاغِرَهم ويُغْرُوهم بِما يُلْبِسُونَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأُمُورِ حَتّى يَتَّبِعُوهم فَيُعادُوا لَهم حِزْبَ اللَّهِ.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ مُوجِعًا وغائِظًا مُحْزِنًا، قالَ تَصْغِيرًا لِشَأْنِهِمْ وتَحْقِيرًا لِأمْرِهِمْ: ﴿وما﴾ أيْ: والحالُ أنَّهم [ما] ﴿يَمْكُرُونَ إلا بِأنْفُسِهِمْ﴾ لِأنَّ عَمَلَهم بِالمَكْرِ وبالٌ عَلَيْهِمْ مَوْبِقٌ لَهم، ولِأنَّ مَكْرَهم بِأوْلِياءِ اللَّهِ إنَّما هو مَكْرٌ بِاللَّهِ، وذَلِكَ غَيْرُ مُتَأتٍّ ولا كائِنٍ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وكَيْفَ يَتَأتّى مَكْرُ مَن لا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الغَيْبِ بِمَن يَعْلَمُ جَمِيعَ الغَيْبِ! ﴿وما يَشْعُرُونَ﴾ أيْ: وما لَهم نَوْعُ شُعُورٍ بِأنَّ مَكْرَهم عائِدٌ عَلى نُفُوسِهِمْ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى الَّذِي يَعْلَمُ سِرَّهم وجَهْرَهم يَجْعَلُ بِما يُزَيِّنُ لَهم تَدْمِيرَهم في تَدْبِيرِهِمْ، وإنَّما أجْرى سُنَّتَهُ الإلَهِيَّةَ بِذَلِكَ لِما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ، فَإنَّ غَلَبَةَ شَخْصٍ واحِدٍ - بِمُفْرَدِهِ أوْ بِاتِّباعِ كَثِيرٍ مِنهم مِمَّنْ لا يُؤْبَهُ لَهم مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وضَعْفِ المَدَدِ لِرُؤَساءِ النّاسِ وأقْوِيائِهِمْ مَعَ طُولِ مُكْثِهِ بَيْنَهم مُنابِذًا لَهم مُنادِيًا عَلَيْهِمْ بِأنَّ دِينَكم يُمْحى ودِينِي يَظْهَرُ وإنْ كَرِهْتُمْ - مِن خَوارِقِ العاداتِ وبِواهِرِ الآياتِ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] ﴿وإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧٣] في أمْثالِ ذَلِكَ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











