الباحث القرآني

وقَدْ لاحَ بِذَلِكَ حُسْنُ انْتِظامِ قَوْلِهِ: ﴿وما لَكُمْ﴾ أيْ: أيِّ شَيْءٍ يَكُونُ لَكم في ﴿ألا تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ﴾ أيْ: يَقْبَلُ أنْ يُذْكَرَ ﴿اسْمُ اللَّهِ﴾ أيْ: الَّذِي لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴿عَلَيْهِ﴾ فَإنَّ التَّسْمِيَةَ قائِمَةٌ مَقامَ إذْنِهِ ﴿وقَدْ﴾ أيْ: والحالُ أنَّهُ قَدْ ﴿فَصَّلَ لَكُمْ﴾ أيْ: مِن قَبْلِ ذَلِكَ والخَلْقُ خَلْقُهُ والأمْرُ أمْرُهُ ﴿ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: مِمّا لَمْ يُحَرَّمْ تَفْصِيلًا واضِحَ البَيانِ ظاهِرَ البُرْهانِ ﴿إلا ما اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ أيْ: فَإنَّ الضَّرُورَةَ تُزِيلُ التَّفْصِيلَ عَنْهُ بِرَدِّهِ إلى ما كانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّفْصِيلِ؛ فَيَصِيرُ الكُلُّ حَلالًا لا تَفْصِيلَ فِيهِ، والمُرادُ في هَذِهِ الآيَةِ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلافِ المُخاطَبِينَ، فَأمّا مَن خُوطِبَ بِها وقْتَ الإنْزالِ فالمُرادُ بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي آتاهُ الآيَةُ الآتِيَةُ أخِيرَ هَذِهِ فَإنَّها نَزَلَتْ جُمْلَةً، وكَذا كُلُّ ما شاكَلَها مِمّا أُنْزِلَ بِمَكَّةَ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ، وكَذا ما أخْبَرَ بِهِ ﷺ في وحْيٍ مَتْلُوٍّ إذْ ذاكَ، ولَعَلَّهُ نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ وبَقِيَ حُكْمُهُ، أوْ وحْيٍ غَيْرِ مَتْلُوٍّ مِن جَمِيعِ الأحادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَلى هَذِهِ السُّورَةِ، وأمّا مَن خُوطِبَ بِها بَعْدَ تَرْتِيبِهِ عَلى هَذا الوَجْهِ فالمُرادُ في حَقِّهِ [كَما] في البَقَرَةِ والمائِدَةِ وغَيْرِهِما مِنَ السُّوَرِ الماضِيَةِ - مِنَ الحَلالِ والحَرامِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: مَن عَمِلَ بِهَذِهِ الأوامِرِ اهْتَدى بِما نالَ مِنَ العِلْمِ وهم قَلِيلٌ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وإنَّ كَثِيرًا﴾ أيْ: مِنَ النّاسِ ﴿لَيُضِلُّونَ﴾ (p-٢٤٤)أيْ: يَقَعُ مِنهم الضَّلالُ فَيُوقِعُونَ غَيْرَهم فِيهِ بِنُكُوبِهِمْ عَمّا دَعَتْ إلَيْهِ أوامِرُ اللَّهِ وهَدى إلَيْهِ بَيانُهُ، فَيَكُونُونَ بِمَعْرِضِ العَطَبِ ﴿بِأهْوائِهِمْ﴾ أيْ: بِسَبَبِ اتِّباعِهِمْ لِلْهَوى؛ ولَمّا كانَ الهَوى - وهو مَيْلُ النَّفْسِ - رُبَّما كانَ مُوافِقًا لِما أدّى إلَيْهِ العِلْمُ بِصَحِيحِ الفِكْرِ وصَرِيحِ العَقْلِ قالَ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أيْ: دَعا إلى ذَلِكَ [مِمَّنْ لَهُ العِلْمُ] مِن شَرِيعَةٍ ماضِيَةٍ مِمَّنْ لَهُ الأمْرُ. ولَمّا كانُوا يُنْكِرُونَ هَذا، أثْبَتَ لِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ ما هو مُسَلَّمٌ عِنْدَ كُلِّ أحَدٍ وقالَ دَلِيلًا عَلى صِحَّةِ ما أخْبَرَ بِهِ: ﴿إنَّ رَبَّكَ﴾ أيْ: المُحْسِنِ إلَيْكَ بِإنْزالِ هَذا الكِتابِ شاهِدًا لَكَ بِإعْجازِهِ بِالتَّصْدِيقِ ﴿هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿أعْلَمُ﴾ وكانَ المَوْضِعُ لِلْإضْمارِ فَأُظْهِرَ لِلتَّعْمِيمِ والتَّنْبِيهِ عَلى الوَصْفِ الَّذِي أوْجَبَ لَهم ذَلِكَ، فَقالَ: ﴿بِالمُعْتَدِينَ﴾ أيْ: الَّذِينَ يَتَجاوَزُونَ الحُدُودَ مُجْتَهِدِينَ في ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب