الباحث القرآني
ولَمّا قَدَّمَ - سُبْحانَهُ - ما مَضى مِنَ السَّوائِبِ وما مَعَها وفي المائِدَةِ مِمّا يَدِينُ بِهِ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ في أكْلِ الحَيَوانِ الَّذِي جَرَّ إلَيْهِ الشِّرْكُ، وأتْبَعَهُ بَيانَ أنَّهُ لا ضَرَرَ عَلى أهْلِ الإيمانِ مِن دِينِ أهْلِ الضَّلالِ إذا اهْتَدَوْا، وأتْبَعَ ذَلِكَ ما لاءَمَهُ، وانْتَظَمَ في سِلْكِهِ ولاحَمَهُ، حَتّى ظَهَرَ أيْ: ظُهُورَ أنَّ الكُلَّ مِلْكُهُ ومُلْكُهُ، وأنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فَوَجَبَ شُكْرُهُ وحْدَهُ، وكانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ كَفَرُوا نِعَمَهُ تَعالى فاتَّخَذُوا مَعَهُ شُرَكاءَ ولَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتّى جَعَلُوا لَها مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيبًا، (p-٢٤١)فَكانُوا بِذَلِكَ المانِعِينَ الحَقَّ عَنْ أهْلِهِ، ومانِحِينَ ما خَوَّلَهم فِيهِ مِن لَهُ المُلْكُ لِما لا يَمْلِكُ ضَرًّا ولا نَفْعًا، وتارِكِينَ بَعْضَ ما أنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ صاحِبُ الحَقِّ رِعايَةً لِمَن لا حَقَّ لَهُ ولا حُرْمَةَ، وكانَتْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعالى قَدْ جَرَتْ بِأنَّهُ يَذْكُرُ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ بِالوَحْدانِيَّةِ. ويُسْتَدَلُّ عَلى ذَلِكَ بِخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ وما أوْدَعَ فِيهِما لَنا مِنَ المَنافِعِ وما أبْدَعَ مِنَ المَرافِقِ والمَصانِعِ، ثُمَّ يَعْجَبُ مِمَّنْ أشْرَكَ بِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالأكْلِ مِمّا خَلَقَ تَذْكِيرًا بِالنِّعْمَةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ داعِيَةً لِكُلِّ ذِي لُبٍّ إلى شُكْرِهِ، كَما قالَ تَعالى في البَقَرَةِ عَقِبَ ﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣] ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [البقرة: ١٦٤] ثُمَّ قالَ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا﴾ [البقرة: ١٦٥] ثُمَّ قالَ ﴿يا أيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا في الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا﴾ [البقرة: ١٦٨] أجْرى هَذِهِ السُّنَّةَ الجَلِيلَةَ في هَذِهِ السُّورَةِ أيْضًا، فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾ [الأنعام: ٩٥] بَعْدَ ﴿إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ﴾ [الأنعام: ٧٩] ثُمَّ ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠] ودَلَّ عَلى أنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ في مِلْكِهِ ولا مُلْكِهِ، وخَتَمَ بِأنَّهُ لا حَكَمَ سِواهُ يُنازِعُهُ في حُكْمِهِ أوْ يُبارِيهِ في شَيْءٍ مِن أمْرِهِ، وبَيَّنَ أنَّ مِن [آيِها] الهِدايَةُ الَّتِي جَعَلَها شَرْطًا لِعَدَمِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ مِن دِينِ أهْلِ الشِّرْكِ؛ فَسَبَّبَ عَنْ جَمِيعِ ما ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: ﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ﴾ أيْ: وقْتَ الذَّبْحِ ﴿اسْمُ اللَّهِ﴾ أيْ: المَلِكِ الَّذِي لَهُ (p-٢٤٢)الإحاطَةُ الكامِلَةُ فَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴿عَلَيْهِ﴾ أيْ: كَأنَّ قائِلًا لِذَلِكَ سَواءٌ ذُكِرَ بِالفِعْلِ أوْ لا، وعَدَلَ عَنِ التَّعْبِيرِ بِما جَعَلْتُهُ المُرادَ لِيُفْهَمَ أنَّ الذِّكْرَ بِالفِعْلِ مَندُوبٌ إلَيْهِ، ولا يَكُونُوا مِمَّنْ بَنى دِينَهُ عَلى اتِّباعِ الأهْوِيَةِ والظُّنُونِ الكاذِبَةِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: اتَّبِعُوا مَن يَعْرِفُ الحَقَّ لِأهْلِهِ فَإنَّهُ مُهْتَدٍ غَيْرَ مُعَرِّجِينَ عَلى غَيْرِهِ فَإنَّهُ ضالٌّ، واللَّهُ أعْلَمُ بِالفَرِيقَيْنِ، فَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ، فَكُلُوا مِمّا خَلَقَ اللَّهُ لَكم حَلالًا شاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ، وإنَّما أطالَ هُنا - دُونَ البَقَرَةِ - ما بَيْنَ الجُمَلِ الكَلامَ تَقْرِيرًا لِمَضامِينِها وما يَسْتَتْبِعُهُ واحْتِجاجًا عَلى جَمِيعِ ذَلِكَ لِأنَّها سُورَةُ التَّفْصِيلِ، وأتى بِالذِّكْرِ والمُرادُ قَبُولُ المَأْكُولِ لَهُ، أيْ: كُلُوا مِمّا يَقْبَلُ أنْ يُسَمّى عَلَيْهِ عَلى مُقْتَضى ما شَرَعَهُ، وذَلِكَ هو الَّذِي أحَلَّهُ مِنَ الحَيَوانِ وغَيْرِهِ سَواءٌ كانَ مِمّا جَعَلُوهُ لِأوْثانِهِمْ أوْ لا، دُونَ ما ماتَ مِنَ الحَيَوانِ حَتْفَ أنْفِهِ، أوْ ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ أوْ كانَ مِمّا حَرُمَ أكْلُهُ وإنْ ذُبِحَ وذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، فَإنَّهُ لا يَقْبَلُ التَّحْلِيلَ بِالتَّسْمِيَةِ، فالتَّسْمِيَةُ في غَيْرِ مَوْضِعِها، لِوُرُودِ النُّصُوصِ بِالتَّحْرِيمِ، ولا تَتَّبِعُوا المُشْرِكِينَ في مَنعِهِمْ أنْفُسَهم مِن خَيْرٍ مِمّا خَلَقَ اللَّهُ لَهم مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ بِتَسْمِيَتِهِمْ إيّاهُ لِآلِهَتِهِمْ الَّتِي لا غِناءَ عِنْدِها، ويَكُونُ [ذَلِكَ] حَثًّا عَلى التَّسْمِيَةِ عَلى جَمِيعِ المَأْكُولِ الحَلالِ، فَتَكُونُ الآيَةُ كَآيَةِ البَقَرَةِ [بِزِيادَةٍ] .
ولَمّا كانَ هَذا الأمْرُ لا يَقْبَلُهُ إلّا مَن زالَ دِينُ الشِّرْكِ وجَمِيعُ تَوابِعِهِ مِن قَلْبِهِ - قالَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ: بِما لَكم مِنَ ا لْجِبِلَّةِ الصّالِحَةِ ﴿بِآياتِهِ﴾ (p-٢٤٣)أيْ: عامَّةً، الَّتِي مِنها آياتُ التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: عَرِيقِينَ في وصْفِ الإيمانِ،
{"ayah":"فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔایَـٰتِهِۦ مُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق