الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مَضْمُونَ ما تَقَدَّمَ إثْباتُ عَداوَةِ الكُفّارِ لِلنَّبِيِّ ﷺ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ تَسْلِيَةً لَهُ وتَثْبِيتًا لِفُؤادِهِ: فَقَدْ جَعَلْناهم أعْداءً لَكَ لِأنَّكَ عالِمٌ، والجاهِلُونَ لِأهْلِ العِلْمِ أعْداءُ ﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ: ومِثْلُ ما جَعَلْنا لَكَ أعْداءً مِن كُفّارِ الإنْسِ والجِنِّ ﴿جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ﴾ أيْ: مِمَّنْ كانَ قَبْلَكَ، وعَبَّرَ عَنِ الجَمْعِ بِالمُفْرَدِ - والمُرادُ بِهِ الجِنْسُ - إشارَةً إلى أنَّهم يَدٌ واحِدَةٌ في العَداوَةِ، فَقالَ: ﴿عَدُوًّا﴾ وبَيَّنَ أنَّ المُرادَ بِهِ الجِنْسُ، وأنَّهم أهْلُ الشَّرِّ فَقالَ مُبْدِلًا: ﴿شَياطِينَ﴾ أيْ: أشْرارَ ﴿الإنْسِ والجِنِّ﴾ المُتَمَرِّدِينَ مِنهم، ورُبَّما اسْتَعانَ شَيْطانُ الجِنِّ شَيْطانَ الإنْسِ لِقُرْبِ قَلْبِهِ مِنهُ، أمْ يَكُونُ نَوْعُهُ إلَيْهِ أمْيَلُ، وأشارَ إلى هَوانِ أمْرِهِمْ وسُوءِ عاقِبَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ﴾ أيْ: الشَّياطِينِ مِنَ النَّوْعَيْنِ ﴿إلى بَعْضٍ﴾ أيْ: يُكَلِّمُهُ في خَفاءٍ ﴿زُخْرُفَ القَوْلِ﴾ أيْ: مُزَيَّنِهِ ومُنَمَّقِهِ.
ولَمّا كانَ هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ - لِكَوْنِهِ لا حَقِيقَةَ لَهُ - لَوْلا الزَّخْرَفَةُ ما قِيلَ - زادَهُ بَيانًا بِقَوْلِهِ: ﴿غُرُورًا﴾ أيْ: لِأجْلِ أنْ يَغُرُّوهم بِذَلِكَ، أيْ: يَخْدَعُوهم فَيَصِيرُوا لِقَبُولِهِمْ كَلامِهِمْ كالغافِلِينَ الَّذِينَ شَأْنُهم عَدَمُ التَّحَفُّظِ، (p-٢٣٣)والغَرُورُ هو الَّذِي يُعْتَقَدُ فِيهِ النَّفْعُ ولَيْسَ بِنافِعٍ.
ولَمّا كانَ أوَّلُ الآيَةِ مُعْلِمًا أنَّ هَذا كانَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وجَعْلِهِ - أيَّدَ ذَلِكَ ومَكَّنَهُ في آخِرِها بِأنَّهُ لَوْ شاءَ ما كانَ، وكُلُّ ذَلِكَ غَيْرَةً عَلى مَقامِ الإلَهِيَّةِ وتَنْزِيهًا لِصِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ أنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ عَنْها فَيَدُلُّ عَلى الوَهَنِ، ويَجُرُّ قَطْعًا إلى اعْتِقادِ العَجْزِ، فَقالَ: ﴿ولَوْ شاءَ﴾ ولَمّا كانَ في بَيانِ أعْدائِهِ ﷺ والمُسَلَّطِينَ عَلَيْهِ - أشارَ إلى أنَّ ذَلِكَ لِإكْرامِهِ وإعْزازِهِ، لا لِهَوانِهِ، فَقالَ ﴿رَبُّكَ﴾ أيْ: بِما لَهُ إلَيْكَ مِن حُسْنِ التَّرْبِيَةِ وغَزِيرِ الإحْسانِ مَعَ ما لَهُ مِن تَمامِ العِلْمِ وشُمُولِ القُدْرَةِ، أنْ لا يَفْعَلُوهُ ﴿ما فَعَلُوهُ﴾ أيْ: هَذا الَّذِي أنْبَأْتُكَ بِهِ مِن عَداوَتِهِمْ وما تَفَرَّعَ عَلَيْها.
ولَمّا قَرَّرَ أنَّ هَذا مِن بابِ التَّرْبِيَةِ فَعاقِبَتُهُ إلى خَيْرٍ، سَبَّبَ عَنْهُ قَطْعًا قَوْلَهُ: ﴿فَذَرْهُمْ﴾ أيْ: اتْرُكْهم عَلى أيِّ حالَةٍ اتَّفَقَتْ ﴿وما يَفْتَرُونَ﴾ أيْ: يَتَعَمَّدُونَ كَذِبَهُ واخْتِلافَهُ، واذْكُرْ ما لِرَبِّكَ عَلَيْكَ مِنَ العاطِفَةِ لِتَعْلَمَ أنَّ الَّذِي سَلَّطَهم عَلى هَذا في غايَةِ الرَّأْفَةِ بِكَ والرَّحْمَةِ لَكَ وحُسْنِ التَّرْبِيَةِ كَما لا يَخْفى عَلَيْكَ، فَثِقْ بِهِ واعْلَمْ أنَّ لَهُ في هَذا لَطِيفَ سَرِيرَةٍ تَدُقُّ عَنِ الأفْكارِ، بِخِلافِ الآياتِ الآتِيَةِ الَّتِي عَبَّرَ فِيها بِاسْمِ الجَلالَةِ، فَإنَّها في عَظِيمِ تَجَرُّئِهِمْ عَلى مَقامِ الإلَهِيَّةِ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ یُوحِی بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق