الباحث القرآني
ولَمّا كانَتِ الغَنائِمُ الَّتِي تُقَسَّمُ بَيْنَ الجَيْشِ إنَّما هي ما قاتَلُوا عَلَيْهِ، وأمّا ما أتى مِنها بِغَيْرِ قِتالٍ فَهو فَيْءٌ يَأْخُذُهُ الإمامُ فَيُقَسِّمُهُ خَمْسَةَ أخْماسٍ، ثُمَّ يُقَسِّمُ خُمْسًا مِنها خَمْسَةَ أقْسامٍ، أحَدُها وهو كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَكُونُ بَعْدَهُ لِمَصالِحِ المُسْلِمِينَ، والأقْسامُ الأرْبَعَةُ [الأُخْرى] مِن هَذا الخُمْسِ لِمَن ذُكِرَ في الآيَةِ بَعْدَها، والأرْبَعَةُ الأخْماسِ الكائِنَةُ مِن أصْلِ القِسْمَةِ وهي الَّتِي كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأنَّها حَصَلَتْ بِكِفايَتِهِ وإرْعابِهِ لِلْعَدُوِّ، تُفَرَّقُ بَيْنَ المُرْتَزِقَةِ مِن جَمِيعِ النَّواحِي، فَكانَتِ الأمْوالُ كُلُّها لِلَّهِ إنْعامًا عَلى مَن يَعْبُدُهُ بِما شَرَعَهُ عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كانَتْ أمْوالُ الكُفّارِ في أيْدِيهِمْ غَصْبًا غَصَبُوهُ (p-٤٢٠)مِن أوْلِيائِهِ، فَخَصَّ سُبْحانَهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِأمْوالِ بَنِي النَّضِيرِ يَضَعُها حَيْثُ يَشاءُ لِأنَّها فَيْءٌ فَقالَ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ﴾ أيْ رَدَّ المَلِكُ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ رَدًّا سَهْلًا بَعْدَ أنْ كانَ فِيما يَظْهَرُ في غايَةِ العُسْرِ والصُّعُوبَةِ ﴿عَلى رَسُولِهِ﴾ فَصَيَّرَهُ في يَدِهِ بَعْدَ أنْ كانَ خُرُوجُهُ عَنْها بِوَضْعِ أيْدِي الكُفّارِ عَلَيْهِ ظُلْمًا وعُدْوانًا كَما دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالفَيْءِ الَّذِي هو عَوْدُ الظِّلِّ إلى النّاحِيَةِ الَّتِي كانَ ابْتَدَأ مِنها ﴿مِنهُمْ﴾ أيْ رَدًّا مُبْتَدِئًا مِنَ الفاسِقِينَ، فَبَيَّنَ أنَّ هَذا فَيْءٌ لا غَنِيمَةٌ، ويَدْخُلُ في الفَيْءِ أمْوالُ مَن ماتَ مِنهم عَنْ غَيْرِ وارِثٍ وكَذا الجِزْيَةُ، وأمّا الغَنِيمَةُ فَهي ما كانَ بِقِتالٍ وإيجافِ خَيْلٍ ورِكابٍ.
ولَمّا كانَ الحَرْبُ إنَّما هو كَرٌّ وفَرٌّ في إسْراعٍ وخِفَّةٍ ورَشاقَةٍ بِمُخاتَلَةِ الفُرْسانِ ومُراوَغَةِ الشُّجْعانِ ومُغاوَرَةِ أهْلِ الضَّرْبِ والطِّعانِ، قالَ مُعَلِّلًا لِكَوْنِهِ فَيْئًا: ﴿فَما أوْجَفْتُمْ﴾ أيْ أسْرَعْتُمْ، وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَرَّكْتُمْ واتَّبَعْتُمْ في السَّيْرِ - انْتَهى، وذَلِكَ الإيجافُ لِلْغَلَبَةِ ﴿عَلَيْهِ﴾ وأعْرَقَ في النَّفْيِ بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن خَيْلٍ﴾ وأكَّدَ بِإعادَةِ النّافِي لِظَنِّ مَن ظَنَّ أنَّهُ غَنِيمَةٌ لِإحاطَتِهِمْ بِهِمْ فَقالَ: ﴿ولا رِكابٍ﴾ أيْ إبِلٍ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْها مِن بَيْنِ المَرْكُوباتِ، ولا قَطَعْتُمْ مِن أجْلِهِ مَسافَةً، فَلَمْ تَحْصُلْ لَكم كَبِيرُ مَشَقَّةٍ في حَوْزِ أمْوالِهِمْ لِأنَّ قَرْيَتَهم كانَتْ في حُكْمِ المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ بَيْنَها (p-٤٢١)وبَيْنَ ما يَلِي مِنها مَسافَةٌ بَلْ هي مُلاصِقَةٌ لِإحْدى قُرى الأنْصارِ الَّتِي المَدِينَةُ اسْمٌ لَها كُلِّها، وهي قَرْيَةُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ في قُباءَ بَيْنَهُما وبَيْنَ القَرْيَةِ [الَّتِي] كانَ رَسُولُ اللَّهِ نازِلًا بِها نَحْوُ مِيلَيْنِ، فَمَشى الكُلُّ مَشْيًا ولَمْ يَرْكَبْ إلّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يُقاتِلُوا بِها قِتالًا بَعْدُ، فَلِذَلِكَ جَعَلَها اللَّهُ فَيْئًا ولَمْ يَجْعَلْها غَنِيمَةً، فَهي تُقَسَّمُ قِسْمَةَ الفَيْءِ، لا قِسْمَةَ الغَنِيمَةِ، فَخُمْسُها لِأهْلِ خُمْسِ الغَنِيمَةِ وهُمُ الأصْنافُ الخَمْسَةُ المَذْكُورُونَ في الآيَةِ الَّتِي بَعْدَها، وما فَضَلَ فَهو الأرْبَعَةُ الأخْماسِ لَهُ ﷺ مَضْمُومَةٌ إلى ما حازَهُ مِن خُمْسِ الخُمْسِ.
ولَمّا كانَ مَعْنى هَذا: فَما كانَ التَّسْلِيطُ بِكُمُ، اسْتَدْرَكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ العِزُّ كُلُّهُ فَلا كُفْؤَ لَهُ ﴿يُسَلِّطُ رُسُلَهُ﴾ أيْ لَهُ هَذِهِ السُّنَّةُ في كُلِّ زَمَنٍ ﴿عَلى مَن يَشاءُ﴾ بِجَعْلِ ما آتاهم سُبْحانَهُ مِنَ الهَيْبَةِ رُعْبًا في قُلُوبِ أعْدائِهِ، فَهو الَّذِي سَلَّطَ رَسُولَهُ ﷺ عَلى هَؤُلاءِ بِأنْ ألْقى في رَوْعِهِ الشَّرِيفِ أنْ يَذْهَبَ إلَيْهِمْ فَيَسْألَهُمُ الإعانَةَ في دِيَةِ العامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُما عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَأً، فَلَمّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى جانِبِ بَيْتٍ مِن بُيُوتِهِمْ، وكانُوا مُوادِعِينَ لَهُ ﷺ نَقَضُوا عَهْدَهم خُفْيَةً مَكْرًا مِنهم بَعْدَ أنْ رَحَّبُوا بِهِ ووَعَدُوهُ الإعانَةَ وأمَرُوا أحَدَهم أنْ يَرْمِيَ عَلَيْهِ مِن (p-٤٢٢)فَوْقِ السَّطْحِ صَخْرَةً لِتَقْتُلَهُ، فَأعْلَمَهُ [اللَّهُ] بِهَذا فَذَهَبَ وتَرَكَ أصْحابَهُ هُناكَ حَتّى لَحِقُوا بِهِ، وهَذا بَعْدَ ما كانَ حُيَيٌّ فَعَلَ مِن قُدُومِهِ مَكَّةَ ونَدْمِهِ لِقُرَيْشٍ إلى حَرْبِ النَّبِيِّ ﷺ ومُعاقَدَتِهِ لَهم عَلى أنْ يَكُونَ مَعَهم عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وإعْلامِ اللَّهِ بِذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأرْسَلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ ما أصْبَحَ أنَّكم [قَدْ] خُنْتُمُ اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَأرَدْتُمْ أنْ تَفْعَلُوا كَذا، وأنَّ الأرْضَ لِلَّهِ ورَسُولِهِ، فاخْرُجُوا مِنها وقَدْ أجَّلْتُكم عَشْرًا، فَمَكَثُوا عَلى ذَلِكَ أيّامًا يَتَجَهَّزُونَ ودَسَّ إلَيْهِمُ ابْنُ أُبَيٍّ ومَن مَعَهُ مِنَ المُنافِقِينَ أنَّهم مَعَهم في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ لا يُسْلِمُونَهُمْ، وقالَ ابْنُ أُبَيٍّ: مَعِي ألْفانِ مِن قَوْمِي وغَيْرِهِمْ مِنَ العَرَبِ يَدْخُلُونَ حِصْنَكم فَيَمُوتُونَ مِن عِنْدِ آخِرِهِمْ، وتَمُدُّكم قُرَيْظَةُ وحُلَفاؤُكم مِن غَطَفانَ فَطَمِعَ حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ في ذَلِكَ فَأرْسَلَ: إنّا لا نَخْرُجُ مِن دِيارِنا فاصْنَعْ ما بَدا لَكَ، فَقَصَدَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في المُؤْمِنِينَ يَحْمِلُ رايَتَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلّى العَصْرَ بِفِنائِهِمْ بَعْدَ أنِ اسْتَعْمَلَ عَلى المَدِينَةِ ابْنَ [أُمِّ] مَكْتُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأقامَ عَلَيْهِمْ سِتَّ لَيالٍ وهم مُتَحَصِّنُونَ، فَقَطَعَ مِن نَخْلِهِمْ [وحَرَقَ] فَنادَوْهُ أنْ قَدْ كُنْتَ تَنْهى عَنِ الفَسادِ وتَعِيبُهُ عَلى مَن صَنَعَهُ فَما بالُكَ تَقْطَعُ النَّخْلَ، وتَرَبَّصُوا نَصْرَ ابْنِ أُبَيٍّ ومَن مَعَهُ عَلى (p-٤٢٣)ما قالُوا فَلَمْ يَفُوا لَهُمْ، فَألْقى اللَّهُ الرُّعْبَ في قُلُوبِهِمْ فَأرْسَلُوا بِالإجابَةِ، فَقالَ: لا إلّا أنْ يَكُونَ [لِي] سِلاحُكم وما لَمْ تَقْدِرُوا عَلى حَمْلِهِ عَلى إبِلِكم مِن أمْوالِكُمْ، فَتَوَقَّفُوا ثُمَّ أجابُوا فَحَمَلُوا مِن أمْوالِهِمْ ما اسْتَقَلَّتْ بِهِ الإبِلُ إلّا الحَلْقَةَ، وذَهَبُوا عَلى سِتِّمِائَةِ بَعِيرٍ، وأظْهَرُوا الحُلِيَّ والحُلَلَ وأبْدى نِساؤُهم زِينَتَهُنَّ فَلَحِقَ بَعْضُهم بِخَيْبَرَ وبَعْضُهم بِالشّامِ وخَلَّوُا الأمْوالَ والحَلْقَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يُسْلِمْ مِنهم إلّا رَجُلانِ يامِينُ بْنُ عَمْرٍو وأبُو سَعْدِ بْنُ وهْبٍ، أسْلَما عَلى أمْوالِهِما فَأحْرَزاها فَجَعَلَ اللَّهُ أمْوالَ مَن لَمْ يُسْلِمْ مِنهم فَيْئًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً بِهِ يَضَعُها حَيْثُ يَشاءُ كَما رُوِيَ ذَلِكَ في الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قِصَّةِ مُخاصَمَةِ عَلِيٍّ والعَبّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وفِيهِ أنَّهُ مِن خَصائِصِهِ ﷺ فَإنَّهُ قالَ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ ﷺ في هَذا الفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأ ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدِيرٌ﴾ فَكانَتْ خالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ واللَّهِ ما احْتازَها دُونَكم ولا اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكم قَدْ أعْطاكُمُوها وبَثَّها فِيكم حَتّى بَقِيَ مِنها هَذا المالُ» - يَعْنِي الَّذِي وقَعَ خِصامُهُما فِيهِ، فَكانَ يُنْفِقُ رَسُولُ اللَّهِ (p-٤٢٤)ﷺ عَلى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِن هَذا المالِ ثُمَّ يَأْخُذُ ما بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ ما لِلَّهِ، وفي الصَّحِيحِ أيْضًا عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ ﷺ ما لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، فَكانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً يُنْفِقُ [عَلى أهْلِهِ] مِنها نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ ما بَقِيَ في السِّلاحِ والكُراعِ عُدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ» - انْتَهى، وقَدْ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أمْوالَهم بَعْدَ ما تَرَكَهُ لِنَفْسِهِ بَيْنَ المُهاجِرِينَ، لَمْ يُعْطِ الأنْصارَ مِنهُ شَيْئًا إلّا ثَلاثَةَ نَفَرٍ كانَتْ بِهِمْ حاجَةٌ شَدِيدَةٌ: أبا دُجانَةَ سِماكَ بْنَ خَرَشَةَ وسَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ والحارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، [وكانَ لِسَيْفِ ابْنِ أبِي الحَقِيقِ عِنْدَهم ذِكْرٌ فَنَفَّلَهُ سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ[ وقالَ الأصْبَهانِيُّ: إنَّ الفَيْءَ كانَ يُقَسَّمُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ سَهْمًا أرْبَعَةُ أخْماسِها وهي عِشْرُونَ سَهْمًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ بِها ما يَشاءُ ويَحْكُمُ فِيها ما أرادَ، والخُمْسُ الباقِي عَلى ما يُقَسَّمُ عَلَيْهِ خُمْسُ الغَنِيمَةِ - يَعْنِي عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وذَوِي القُرْبى ومَن بَعْدَهُمْ، هَكَذا كانَ عَمَلُهُ ﷺ [فِي صَفاياهُ، (p-٤٢٥)فَلَمّا تُوُفِّيَ كانَتْ إلى إمامِ المُسْلِمِينَ وكَذا جَمِيعُ ما تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ] لِأنَّهُ قالَ: «لا نُورَثُ، ما تَرَكْناهُ صَدَقَةٌ» . فَوَلِيَ ذَلِكَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكانا يَفْعَلانِ [فِيها] ما فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وقالَ الأصْبَهانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيْضًا عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَرَأ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ﴾ [التوبة: ٦٠] حَتّى بَلَغَ ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٦٠] ثُمَّ قالَ: هَذِهِ لِهَؤُلاءِ ثُمَّ قَرَأ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]
ثُمَّ قالَ هَذِهِ لِهَؤُلاءِ، ثُمَّ قَرَأ ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ [الحشر: ٧] حَتّى بَلَغَ ﴿لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ﴾ [الحشر: ٨] ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ﴾ [الحشر: ٩] ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] ثُمَّ قالَ: اسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ المُسْلِمِينَ عامَّةً فَلَيْسَ أحَدٌ إلّا لَهُ فِيها حَقٌّ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرّاعِيَ نَصِيبُهُ مِنهُ لَمْ يَعْرَقْ جَبِينُهُ فِيهِ - انْتَهى.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ما أخَذَ النَّبِيُّ ﷺ لِبَنِي النَّضِيرِ ومِن فَدَكٍ فَهو خاصٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ، ولَيْسَ عَلى حُكْمِ الغَنِيمَةِ الَّتِي يُوجَفُ عَلَيْها ويُقاتَلُ فِيها، ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ هَذِهِ الأمْوالَ الَّتِي هي فَيْءٌ كَبَقِيَّةِ الفَيْءِ يُقَسَّمُ عَلى [خَمْسَةِ] أسْهُمٍ: خُمْسٌ مِنها لِلْأصْنافِ المَذْكُورَةِ أوَّلُها النَّبِيُّ ﷺ وأرْبَعَةُ أخْماسِها لَهُ ﷺ وحْدَهُ، وأجابَ الشّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (p-٤٢٦)فَكانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً بِأنَّهُ عامٌّ أُرِيدَ بِهِ الخاصُّ، ومَعْناهُ، فَكانَ ما بَقِيَ مِنها في يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ إعْطاءِ الخُمْسِ لِأرْبابِهِ خاصًّا بِهِ ﷺ، لا يَشُكُّ أحَدٌ في خُصُوصِيَّتِهِ بِهِ، ثُمَّ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ ما احْتازَهُ دُونَهم بَلْ كانَ يَفْعَلُ ما ذُكِرَ في الحَدِيثِ مِنَ الإيثارِ، قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِأنّا لا نَشُكُّ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أعْطى الأصْنافَ المَذْكُورِينَ في الآيَةِ مِنها حَقَّهم وقَدْ عَهِدْنا أنَّ حَقَّ هَؤُلاءِ الأصْنافِ مِن مالِ المُشْرِكِينَ الخُمْسُ كَما هو صَرِيحٌ في سُورَةِ الأنْفالِ، واسْتُفِيدَ مِن قَوْلِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ”إنَّها كانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ“ أنَّهُ كانَ لَهُ ما كانَ يَشْتَرِكُ فِيهِ المُسْلِمُونَ [مِنَ الخُمْسِ مِنَ الغَنِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِما حَصَلَ لِلْكُفّارِ مِنَ الرُّعْبِ مِنهُمْ، والَّذِي كانَ يَشْتَرِكُ فِيهِ المُسْلِمُونَ] بَعْدَ الخُمْسِ هو أرْبَعَةُ الأخْماسِ والنَّبِيُّ ﷺ قامَ مَقامَ المُسْلِمِينَ فِيهِ إذْ هم لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ. وإنَّما حَصَلَ ذَلِكَ بِالرُّعْبِ الَّذِي ألْقاهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ﷺ في قُلُوبِ المُشْرِكِينَ. فَكانَتِ الأرْبَعَةُ الأخْماسِ تَخْتَصُّ مِمَّنْ كانَ السَّبَبَ في حُصُولِ الجَمِيعِ [كَما في الغَنِيمَةِ، فَعَلى هَذا الفَيْءُ الغَنِيمَةُ لا يَخْتَلِفانِ في أنَّ الأرْبَعَةَ الأخْماسِ تَخْتَصُّ لِمَن كانَ السَّبَبَ (p-٤٢٧)فِي حُصُولِ الجَمِيعِ] وأنَّ خُمْسَ المالَيْنِ يَكُونُ لِلْأصْنافِ المَذْكُورَةِ، والَّذِي كانَ لَهُ ﷺ مِنَ الفَيْءِ مِنَ الأرْبَعَةِ الأخْماسِ يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ ﷺ لِلْمُقاتِلَةِ لِأنَّهُ حَصَلَ بِالرُّعْبِ الحاصِلِ لِلْكُفّارِ مِنهم كَأرْبَعَةِ أخْماسِ الغَنِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِقِتالِهِمْ.
ولَمّا كانَتْ قُدْرَتُهُ سُبْحانَهُ عامَّةً بِالتَّسْلِيطِ وغَيْرِهِ، أظْهَرَ ولَمْ يُضْمِرْ فَقالَ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ [أيِّ شَيْءٍ] يَصِحُّ أنْ تَتَعَلَّقَ المَشِيئَةُ بِهِ وهو كُلُّ مُمْكِنٍ مِنَ التَّسْلِيطِ وغَيْرِهِ ﴿قَدِيرٌ﴾ أيْ بالِغُ القُدْرَةِ إلى أقْصى الغاياتِ، والآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ إيجافَ الخَيْلِ والرِّكابِ وقَصْدَ العَدُوِّ إلى الأماكِنِ الشّاسِعَةِ لَهُ وقْعٌ كَبِيرٌ في النُّفُوسِ ورُعْبٌ عَظِيمٌ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَاۤ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ خَیۡلࣲ وَلَا رِكَابࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق