الباحث القرآني

ولَمّا كانَ إفْسادُهم لِذاتِ البَيْنِ سِرًّا، وحَلِفُهم عَلى نَفْيِ ذَلِكَ جَهْرًا مَعَ الإلْزامِ بِقَبُولِ ما ظَهَرَ مِن ذَلِكَ مِنهم مَعَ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى بِأنَّهُ كَذَبَ غائِظًا مُوجِعًا، وكانَ رُبَّما تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أنَّهُ تَعالى كَما ألْزَمَ بِقَبُولِنا لِما ظَهَرَ مِنهم في دارِ العَمَلِ يَأْمُرُ بِقَبُولِهِمْ في دارِ الجَزاءِ، قالَ نافِيًا لِذَلِكَ (p-٣٩١)مُعَزِّيًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِأنَّهم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَعَهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ كَشْفِ الغِطاءِ وتَحْقِيقِ الأُمُورِ، لِأنَّ الإنْسانَ يُبْعَثُ عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ، لِأنَّ ذَلِكَ جِبِلَّتَهُ الَّتِي لا يَنْفَكُّ عَنْها، ولا يَنْفَعُهم ذَلِكَ، ذاكِرًا ظَرْفَ الخُلُودِ وإظْهارِ التَّعْذِيبِ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ بِإحْيائِهِمْ عَمّا كانُوا فِيهِ مِنَ المَوْتِ ورَدِّهِمْ إلى ما كانُوا قَبْلَهُ ﴿جَمِيعًا﴾ لا يَتْرُكُ أحَدًا مِنهم ولا مِن غَيْرِهِمْ إلّا أعادَهُ إلى ما كانَ [عَلَيْهِ] قَبْلَ مَوْتِهِ ﴿فَيَحْلِفُونَ﴾ أيْ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ ظُهُورِ القُدْرَةِ التّامَّةِ لَهم ومُعايَنَةِ ما كانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ مِنَ البَعْثِ والنّارِ أنَّهم يَحْلِفُونَ ﴿لَهُ﴾ أيِ اللَّهِ في الآخِرَةِ أنَّهم مُسْلِمُونَ فَيَقُولُونَ: ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ونَحْوَهُ مِنَ الأُكْذُوباتِ الَّتِي تَزِيدُهم ضَرَرًا، ولا تُغْنِي عَنْهم شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، جَرْيًا عَلى ما طُبِعُوا عَلَيْهِ مِن إيثارِ الهَوى والقُصُورِ عَلى النَّظَرِ في المَحْسُوساتِ الَّتِي ألِفُوها ﴿كَما يَحْلِفُونَ﴾ في الدُّنْيا ﴿لَكُمْ﴾ لِكَوْنِكم لا تَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَعَ تَوَقُّعِهِمْ أنَّ اللَّهَ يَفْضَحُهم كَما فَعَلَ لَهم ذَلِكَ مِرارًا، وحَلِفُهم ناشِئٌ عَنِ اعْتِقادِ بُعْدِهِمْ مِنَ القَبُولِ فَإنَّهُ لا يَحْلِفُ لَكَ إلّا مَن يَظُنُّ أنَّكَ تُكَذِّبُهُ؛ قالَ القُشَيْرِيُّ: عُقُوبَتُهُمُ الكُبْرى ظَنُّهُمُ الأجْنَبِيَّةَ، وغايَةُ الجُهْدِ كَبُّهم عَلى مَناخِرِهِمْ في وهْدَةِ نَدَمِهِمْ. (p-٣٩٢)ولَمّا كانَ الَّذِي يَحْمِلُهم عَلى الإقْدامِ عَلى ذَلِكَ ضَعْفُ عُقُولِهِمْ وتَوَغُّلُهم في النِّفاقِ ومُرُودُهم عَلَيْهِ حَتّى بُعِثُوا عَلى مِثْلِ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّ ذَلِكَ لا يُنْجِيهِمْ لِإحاطَةِ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ، عَبَّرَ بِالحُسْبانِ، فَقالَ دالًّا عَلى أنَّهم في الغايَةِ مِنَ الجَهْلِ وقِلَّةِ العَقْلِ: ﴿ويَحْسَبُونَ﴾ أيْ في القِيامَةِ بِأيْمانِهِمُ الكاذِبَةِ ﴿أنَّهم عَلى شَيْءٍ﴾ أيْ يَحْصُلُ لَهم بِهِ نَفْعٌ لِتَخَيُّلِهِمْ أنَّ أيْمانَهم تَرُوجُ عَلى اللَّهِ فَتُنْجِيهِمْ كَما كانَتْ في الدُّنْيا تُنْجِيهِمْ. ولَمّا أفْهَمَ ذَلِكَ أنَّ أُمُورَهم لا حَقائِقَ لَها لا في إخْباراتِهِمْ ولا في أيْمانِهِمْ ولا في حُسْبانِهِمْ، [قالَ مُنادِيًا عَلَيْهِمْ مُؤَكِّدًا لِتَكْذِيبِ حُسْبانِهِمْ]: ﴿ألا إنَّهُمْ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿هُمُ الكاذِبُونَ﴾ أيِ المَحْكُومُ بِكَذِبِهِمْ في حُسْبانِهِمْ وفي أخْبارِهِمْ في الدّارَيْنِ لِعَراقَتِهِمْ في وصْفِ الكَذِبِ حَيْثُ لا يَسْتَحْيُونَ مِنَ الكَذِبِ عِنْدَ اللَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب