الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ بِإحاطَةِ عِلْمِهِ رَدْعًا لِمَن يَغْتَرُّ بِطُولِ حِلْمِهِ، دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِاطِّلاعِهِ عَلى نِفاقِ المُنافِقِينَ الَّذِي هو أبْطَنُ الأشْياءِ، فَقالَ مُعَجِّبًا مُرَهِّبًا مُعَظِّمًا لِلْمَقامِ بِتَخْصِيصِ الخِطابِ بِأعْلى الخَلْقِ ﷺ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ لا يَفْهَمُ ذَلِكَ حَقَّ فَهْمِهِ غَيْرُهُ: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ ودَلَّ عَلى بُعْدِهِمْ عَنِ الخَيْرِ بِحَرْفِ الغايَةِ فَقالَ: ﴿إلى الَّذِينَ تَوَلَّوْا﴾ أيْ تَكَلَّفُوا بِغايَةِ جُهْدِهِمْ أنْ جَعَلُوا أوْلِياءَهُمُ الَّذِينَ يُنْزِلُونَ بِهِمْ أُمُورَهم ﴿قَوْمًا﴾ ابْتَغَوْا عِنْدَهُمُ العِزَّةَ اغْتِرارًا بِما يَظْهَرُ لَهم مِنهم مِنَ القُوَّةِ ﴿غَضِبَ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ (p-٣٨٦)الأعْلى الَّذِي لا نِدَّ لَهُ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أيْ عَلى المُتَوَلِّينَ والمُتَوَلَّيْنَ لِأنَّهم قَطَعُوا ما بَيْنَهم وبَيْنَهُ، والأوَّلُونَ هُمُ المُنافِقُونَ تَوَلَّوُا اليَهُودَ، وزادَ في الشَّناعَةِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ مُسْتَأْنِفًا: ﴿ما هُمْ﴾ أيِ اليَهُودُ المَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ ﴿مِنكُمْ﴾ أيُّها المُؤْمِنُونَ لِتُوالُوهم خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ ورَغْبَةً في السِّلْمِ ﴿ولا مِنهُمْ﴾ أيِ المُنافِقِينَ، فَتَكُونُ مُوالاتُهم لَهم لِمَحَبَّةٍ سابِقَةٍ وقَرابَةٍ شابِكَةٍ، لِيَكُونَ ذَلِكَ لَهم عُذْرًا، بَلْ هم مُذَبْذَبُونَ، فَهم مَعَ المُؤْمِنِينَ بِأقْوالِهِمْ، ومَعَ الكُفّارِ بِقُلُوبِهِمْ، فَما تَوَلَّوْهم إلّا عِشْقًا في النِّفاقِ لِمُقارَبَةِ ما بَيْنَهم فِيهِ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: ما المُنافِقُونَ المُتَوَلُّونَ مِنَ المُسْلِمِينَ ولا مِنَ اليَهُودِ المُتَوَلَّيْنَ، وزادَ في الشَّناعَةِ عَلَيْهِمْ بِأقْبَحِ الأشْياءِ الحامِلِ عَلى كُلِّ رَذِيلَةٍ، فَقالَ ذاكِرًا لِحالِهِمْ في هَذا الِاتِّحادِ: ﴿ويَحْلِفُونَ﴾ أيِ المُنافِقُونَ يُجَدِّدُونَ الحَلِفَ عَلى الِاسْتِمْرارِ، ودَلَّ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ عَلى أنَّهم في غايَةِ الجُرْأةِ عَلى اسْتِمْرارِهِمْ عَلى الأيْمانِ الكاذِبَةِ بِأنَّ التَّقْدِيرَ: مُجْتَرِئِينَ ﴿عَلى الكَذِبِ﴾ في دَعْوى الإسْلامِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَقَعُونَ فِيهِ مِن عَظائِمِ الآثامِ، فَإذا عُوتِبُوا عَلَيْهِ بادَرُوا إلى الأيْمانِ. ولَمّا كانَ الكَذِبُ قَدْ يُطْلَقُ في اللُّغَةِ عَلى ما يُخالِفُ الواقِعَ وإنْ كانَ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ بِأنْ يَكُونَ الحالِفُ يَجْهَلُ عَدَمَ مُطابَقَتِهِ لِلْواقِعِ، قالَ (p-٣٨٧)نافِيًا لِذَلِكَ مُبَيِّنًا أنَّهم جَرُؤُوا عَلى اليَمِينِ الغَمُوسِ: ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾ أيْ أنَّهم كاذِبُونَ فَهم مُتَعَمِّدُونَ، وذَلِكَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لِأصْحابِهِ: «يَدْخُلُ عَلَيْكم رَجُلٌ قَلْبُهُ قَلْبُ جَبّارٍ ويَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطانٍ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ وكانَ أزْرَقَ أسْمَرَ قَصِيرًا خَفِيفَ اللِّحْيَةِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وأصْحابُكَ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ ما فَعَلَ، فَقالَ لَهُ: فَعَلْتَ. فَجاءَ بِأصْحابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ ما سَبُّوهُ، فَنَزَلَتْ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب