الباحث القرآني
ولَمّا نَهى عَمّا يُحْزِنُ مِنَ المَقالِ والمَقامِ، وكانَ المَنهِيُّ عَنْهُ مِنَ التَّناجِي إنَّما هو لِحِفْظِ قَلْبِ الرَّسُولِ ﷺ عَمّا يُكَدِّرُهُ فَهو مُنْصَرِفٌ إلى مُناجاتِهِمْ غَيْرَهُ، وكانَ ذَلِكَ مُفْهِمًا أنَّ مُناجاتَهم لَهُ ﷺ لا حَرَجَ فِيها، وكانَ كَثِيرٌ مِنهم يُناجِيهِ ولا قَصْدَ لَهُ إلّا التَّرَفُّعَ بِمُناجاتِهِ فَأكْثَرُوا في ذَلِكَ حَتّى شَقَّ عَلَيْهِ ﷺ، وكانَ النّافِعُ لِلْإنْسانِ إنَّما هو كَلامُ مَن يُلائِمُهُ في الصِّفاتِ ويُشاكِلُهُ في الأخْلاقِ، وكانَ (p-٣٨٠)رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أبْعَدَ النّاسِ مِنَ الدُّنْيا تَقَذُّرًا لَها لِأجْلِ بُغْضِ اللَّهِ لَها، أمَرَ مَن أرادَ أنْ يُناجِيَهُ بِالتَّصَدُّقِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أمارَةً عَلى الِاجْتِهادِ في التَّخَلُّقِ بِأخْلاقِهِ الطّاهِرَةِ مِنَ الصُّرُوفِ عَنِ الدُّنْيا والإقْبالِ عَلى اللَّهِ، ومُظْهِرًا لَهُ عَمّا سَلَفَ مِنَ الإقْبالِ [عَلَيْها] فَإنَّ الصَّدَقَةَ بُرْهانٌ عَلى الصِّدْقِ في الإيمانِ، ولِيُخَفِّفَ عَنْهُ ﷺ ما كانُوا قَدْ أكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ المُناجاةِ، فَلا يُناجِيهِ إلّا مَن قَدْ خَلَصَ إيمانُهُ فَيَصَّدَّقُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً لِانْتِفاعِهِ بِتِلْكَ المُناجاةِ [كَما أنَّ الهَدِيَّةَ تَكُونُ مُهَيِّئَةً لِلْقَبُولِ كَما ورَدَ ”نِعْمَ الهَدِيَّةُ أمامَ الحاجَةِ“] فَقالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيِ ادَّعَوْا أنَّهم أوْجَدُوا هَذِهِ الحَقِيقَةَ أغْنِياءً كانُوا أوْ فُقَراءً ﴿إذا ناجَيْتُمُ﴾ أيْ أرَدْتُمْ أنْ تُناجُوا ﴿الرَّسُولَ﴾ ﷺ أيِ الَّذِي لا أكْمَلَ مِنهُ في الرُّسْلِيَّةِ فَهو أكْمَلُ الخَلْقِ ووَظِيفَتُهُ تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ مِنهُ الكَلامُ بِما أرْسَلَهُ بِهِ المَلِكُ وتَكُونُ هَيْبَتُهُ مانِعَةً مِنَ ابْتِدائِهِ بِالكَلامِ، فَلا يَكُونُ مِنَ المُبْلَغِينَ إلّا الفِعْلُ بِالِامْتِثالِ لا غَيْرُ ﴿فَقَدِّمُوا﴾ أيْ بِسَبَبِ هَذِهِ الإرادَةِ العالِيَةِ عَلى سَبِيلِ الوُجُوبِ ومَثَّلَ النَّجْوى كَشَخْصٍ لَهُ يَدانِ يَحْتاجُ أنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ لِيَتَأهَّلَ لِلْقُرْبِ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ [فَقالَ]: ﴿بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ﴾ أيْ (p-٣٨١)قَبْلَ سِرِّكُمُ الَّذِي تُرِيدُونَ أنْ تَرْتَفِعُوا بِهِ ﴿صَدَقَةً﴾ تَكُونُ لَكم بُرْهانًا قاطِعًا عَلى إخْلاصِكم كَما ورَدَ أنَّ الصَّدَقَةَ بُرْهانٌ، فَهي مُصَدِّقَةٌ لَكم في دَعْوى الإيمانِ الَّتِي هي التَّصْدِيقُ بِاللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ ﷺ وبِكُلِّ ما جاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعالى، ومُعْظَمُهُ الإعْراضُ عَنِ الدُّنْيا والإقْبالُ عَلى الآخِرَةِ، ولِذَلِكَ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الخُلُقُ العالِي جِدًّا مِن تَقْدِيمِ التَّصَدُّقِ قَبْلَ المُناجاةِ يا خَيْرَ الخَلْقِ، ولَعَلَّهُ أفْرَدَهُ بِالخِطابِ لِأنَّهُ لا يَعْلَمُ كُلَّ ما فِيهِ مِنَ الأسْرارِ غَيْرُهُ.
وعادَ إلى الأوَّلِ فَقالَ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أيْ في دِينِكم مِنَ الإمْساكِ عَنِ الصَّدَقَةِ ﴿وأطْهَرُ﴾ لِأنَّ الصَّدَقَةَ طُهْرَةٌ ونَماءٌ وزِيادَةٌ في كُلِّ خَيْرٍ، ولِذَلِكَ سُمِّيَتْ زَكاةً ﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِها﴾ [التوبة: ١٠٣] والتَّعْبِيرُ بِأفْعَلَ لِأنَّهم مُطَهَّرُونَ [قَبْلَهُ] بِالإيمانِ.
ولَمّا أمَرَ بِذَلِكَ، وكانَتْ عادَتُهُ أنْ لا يُكَلِّفَ بِما فَوْقَ الوُسْعِ لِلتَّخْفِيفِ عَلى عِبادِهِ لا سِيَّما هَذِهِ الأُمَّةُ قالَ: ﴿فَإنْ لَمْ تَجِدُوا﴾ أيْ ما تُقَدِّمُونَهُ.
ولَمّا كانَ المَعْنى الكافِي في التَّخْفِيفِ: فَلَيْسَ عَلَيْكم شَيْءٌ، دَلَّ عَلَيْهِ بِأحْسَنَ مِنهُ فَقالَ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ، وأكَّدَهُ لِاسْتِبْعادِ مِثْلِهِ فَإنَّ المَعْهُودَ مِنَ المَلِكِ إذا ألْزَمَ رَعِيَّتَهُ بِشَيْءٍ أنَّهُ لا يُسْقِطُهُ (p-٣٨٢)أصْلًا ورَأْسًا، ولا سِيَّما إنْ كانَ يَسِيرًا، ودَلَّ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ لَنْ يُكَلِّفَ بِما فَوْقَ الطّاقَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ لَهُ صِفَتا السَّتْرِ لِلْمَساوِئِ والإكْرامِ بِإظْهارِ المَحاسِنِ ثابِتَتانِ عَلى الدَّوامِ فَهو يَغْفِرُ ويَرْحَمُ تارَةً بِعَدَمِ العِقابِ لِلْعاصِي وتارَةً لِلتَّوْسِعَةِ لِلضِّيقِ بِأنْ يَنْسَخَ ما يَشُقُّ [إلى ما يَخِفُّ]، وهَذِهِ الآيَةُ قِيلَ: إنَّها نُسِخَتْ قَبْلَ العَمَلِ بِها، وقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما عَمِلَ بِها أحَدٌ غَيْرِي، أرَدْتُ المُناجاةَ ولِي دِينارٌ فَصَرَفْتُهُ بِعَشَرَةِ دَراهِمَ وناجَيْتُهُ عَشْرَ مَرّاتٍ أتَصَدَّقُ في كُلِّ مَرَّةٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ ظَهَرَتْ مَشَقَّةُ ذَلِكَ عَلى النّاسِ، فَنَزَلَتِ الرُّخْصَةُ في تَرْكِ الصَّدَقَةِ، ورَوى النَّسائِيُّ في الكُبْرى والتِّرْمِذِيُّ وقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وابْنُ حِبّانَ وأبُو يَعْلى والبَزّارُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مُرْهم أنْ يَتَصَدَّقُوا. قُلْتُ: بِكَمْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: بِدِينارٍ، قُلْتُ: لا يُطِيقُونَ. قالَ: فَنِصْفُ دِينارٍ، قُلْتُ: لا يُطِيقُونَ، قالَ:”فَبِكَمْ؟“قُلْتُ: بِشُعَيْرَةٍ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّكَ لَزَهِيدٌ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿أأشْفَقْتُمْ﴾ [المجادلة: ١٣] الآيَةَ». وكانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: بِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. وعَدَمُ عَمَلِ غَيْرِهِ لا يَقْدَحُ فِيهِ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ لَمْ يَجِدْ عِنْدَ المُناجاةِ شَيْئًا أوْ أنْ [لا] يَكُونَ احْتاجَ (p-٣٨٣)إلى المُناجاةِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نَـٰجَیۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا۟ بَیۡنَ یَدَیۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةࣰۚ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق