الباحث القرآني

ولَمّا رَغَّبَ في الإنْفاقِ والإيمانِ، وكانَ الإيمانُ مُقْتَضًى بِالإنْفاقِ، عَجِبَ مِمَّنْ لا يُبادِرُ إلى الحاصِلِ عَلى كُلِّ خَيْرٍ، فَقالَ مُفَصِّلًا لِما أجْمَلَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِيهِما، بادِئًا بِأبْيَنِ كُلِّ خَيْرٍ، مُنَفِّسًا عَنْهم بِالتَّعْبِيرِ بِأداةِ الِاسْتِقْبالِ بِالبِشارَةِ بِالعَفْوِ عَنِ الماضِي مُرَهِّبًا مُوَبِّخًا لِمَن لا يُبادِرُ إلى مَضْمُونِ ما دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهامُ، عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَما لَكم لا تُبادِرُونَ إلى ذَلِكَ: ﴿وما﴾ أيْ وأيُّ شَيْءٍ ﴿لَكُمْ﴾ مِنَ الأعْذارِ أوْ غَيْرِها في أنَّكُمْ، أوْ حالَ كَوْنِكم ﴿لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ أيْ تُجَدِّدُونَ الإيمانَ - أيْ تَجْدِيدًا (p-٢٦٤)مُسْتَمِرًّا - بِالمَلِكِ الأعْلى أيِ الَّذِي لَهُ المُلْكُ كُلُّهُ والأمْرُ كُلُّهُ بَعْدَ سَماعِكم لِهَذا الكَلامِ: لِأنَّ ”لا“ لا تَدْخُلُ عَلى مُضارِعٍ إلّا وهو بِمَعْنى الِاسْتِقْبالِ، ولَوْ عَبَّرَ بِعِبارَةٍ تَدُلُّ عَلى الحالِ لَرُبَّما تَعَنَّتَ مُتَعَنِّتٌ فَقالَ: فَأْتِ ما طَلَبَ مِنّا، والَّذِي بَعْدَ هَذا مِنَ الحالِ الَّتِي هي في مَعْنى العِلَّةِ دالَّةٌ عَلى هَذا، وهي قَوْلُهُ: ﴿والرَّسُولُ﴾ أيْ والحالُ أنَّ الَّذِي لَهُ الرِّسالَةُ العامَّةُ ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ صَباحًا ومَساءً عَلى ما لَهُ مِن مُقْتَضَياتِ القَبُولِ مِنهُ مِن حُسْنِ السَّمْتِ وجَلالَةِ القَدْرِ وإظْهارِ الخَوارِقِ وغَيْرِ ذَلِكَ ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ أيْ لِأجْلِ أنْ تُجَدِّدُوا الإيمانَ ﴿بِرَبِّكُمْ﴾ أيِ الَّذِي أحْسَنَ تَرْبِيَتَكم بِأنْ جَعَلَكم مِن أُمَّةِ هَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ ﷺ وشَرَّفَكم بِهِ ﴿وقَدْ﴾ أيْ والحالُ أنَّهُ قَدْ ﴿أخَذَ مِيثاقَكُمْ﴾ أيْ وقَعَ أخْذُهُ [فَصارَ] في غايَةِ [القَباحَةِ] تَرْكُ ما وقَعَ التَّوَثُّقُ بِسَبَبِهِ بِنَصْبِ الأدِلَّةِ والتَّمْكِينِ مِنَ النَّظَرِ بِإبْداعِ العُقُولِ، وذَلِكَ كُلُّهُ مُنْضَمٌّ إلى أخْذِ الذُّرِّيَّةِ مِن ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإشْهادِهِمْ عَلى أنْفُسِهِمْ وإشْهادِ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمْ، وبَنى الفِعْلَ لِلْمَفْعُولِ في قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو لِيَكُونَ المَعْنى أيَّ أخْذٍ كانَ لِأنَّ الغَدْرَ عِنْدَ الكُرَماءِ شَدِيدٌ مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلى مُعَيَّنٍ لا سِيَّما العَرَبُ فَكَيْفَ إذا كانَ الآخِذُ المَلِكَ الأعْظَمَ القادِرَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ العالِمَ بِكُلِّ شَيْءٍ، ورَسُولُهُ الَّذِي تَعْظِيمُهُ مِن تَعْظِيمِهِ، كَما صَرَّحَتْ بِهِ قِراءَةُ الجَماعَةِ بِالبِناءِ لِلْفاعِلِ ولا يَخْفى الإعْرابُ، والحاصِلُ أنَّهم نَقَضُوا المِيثاقَ في الإيمانِ، فَلَمْ يُؤاخِذْهم (p-٢٦٥)حَتّى أرْسَلَ الرُّسُلَ. ولَمّا حَثَّهم عَلى تَجْدِيدِ الإيمانِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ بِالتَّعَجُّبِ مِن تَرْكِ ذَلِكَ، وكانَ كُلُّ واحِدٍ يَدَّعِي العَراقَةَ في الخَيْرِ، هَيَّجَهم وألْهَبَهم بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ جِبِلَّةً ووَصْفًا ثابِتًا ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ عَرِيقِينَ في وصْفِ الإيمانِ، وهو الكَوْنُ عَلى نُورِ الفِطْرَةِ الأُولى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب