الباحث القرآني

ولَمّا عَمَّ الرُّسُلَ جامِعًا لَهم في البَيِّناتِ، فَكانَ السّامِعُ جَدِيرًا بِأنْ يَتَوَقَّعَ التَّعْيِينَ، وخَصَّ مِن بَيْنِهِمْ مِن أُولِي العَزْمِ أبَوَيْنِ جامِعَيْنِ في الذُّرِّيَّةِ والرِّسالَةِ، لِأنَّ ذَلِكَ أنْسَبُ لِمَقْصُودِ السُّورَةِ لِتَبْيِينِ فَضْلِ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِي عَمَّ بِرِسالَتِهِ عُمُومًا لَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ غَيْرِهِ، فَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ أُرْسِلَ لِأهْلِ الأرْضِ لِكَوْنِهِمْ كانُوا عَلى لِسانٍ واحِدٍ، وعُمُومُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأوْلادِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ونَصَّ بَعْدَهُما عَلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِما لَهُ مِن عُمُومِ الرِّسالَةِ إلى بَنِي إسْرائِيلَ بِالنَّسْخِ والتَّشْرِيعِ، ثُمَّ مِن نُزُولِهِ في هَذِهِ الأُمَّةِ بِالتَّقْرِيرِ والتَّجْدِيدِ فَقالَ ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا﴾ أيْ بِما لَنا مِن صِفاتِ الكَمالِ والجَمالِ والجَلالِ ﴿نُوحًا﴾ الأبَ الثّانِيَ، وجَعَلْنا الأغْلَبَ عَلى رِسالَتِهِ مَظْهَرَ الجَلالِ ﴿وإبْراهِيمَ﴾ أبا العَرَبِ والرُّومِ وبَنِي إسْرائِيلَ الَّذِي أكْثَرُ الأنْبِياءِ مِن نَسْلِهِ، وجَعَلْنا الأغْلَبَ عَلى رِسالَتِهِ مَجْلى الإكْرامِ ﴿وجَعَلْنا﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿فِي ذُرِّيَّتِهِما النُّبُوَّةَ﴾ المُقْتَضِيَةَ لِلْوَصْلَةِ بِالمَلِكِ الأعْظَمِ لِتَنْفِيذِ الأوامِرِ (p-٣٠٤)﴿والكِتابَ﴾ الجامِعَ لِلْأحْكامِ الضّابِطَ لِلشَّرائِعِ بِأنِ اسْتَنْبَأْنا بَعْضَ ذُرِّيَّتِهِما وأنْزَلْنا إلَيْهِمُ الكُتُبَ فَلا يُوجَدُ نَبِيٌّ ولا كِتابٌ إلّا وهو مُدْلٍ إلَيْهِما بِأمْتَنِ الأسْبابِ وأعْظَمِ الأنْسابِ. ولَمّا كانَ مَظْهَرُ العَظَمَةِ مُقْتَضِيًا لِإشْقاءِ مَن أُرِيدَ إشْقاؤُهُ مَعَ عَدَمِ المُبالاةِ بِهِ، كائِنًا مَن كانَ، سَواءٌ اتَّصَلَ بِالأوْلِياءِ أوِ الأعْداءِ لِئَلّا يَأْمَنَ أحَدٌ فَيَقَعَ في الخُسْرانِ أوْ يَيْأسَ أحَدٌ فَيَلْزَمَ الهَوانَ [قالَ: ﴿فَمِنهُمْ﴾ أيْ ذُرِّيَّةِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ ﴿مُهْتَدٍ﴾ هو بِعَيْنِ الرِّضا مِنّا -] وهو مَن لَزِمَ طَرِيقَ الأصْفِياءِ واسْتَمْسَكَ بِعَهْدِهِمْ ولَمْ يَزُغْ أصْلًا وإنْ كانَ مِن أوْلادِ الأعْداءِ. ولَمّا كانَ مَن زاغَ بَعْدَ تَذْكِيرِهِ بِالكُتُبِ والرُّسُلِ، كانَ مُسْتَحِقًّا لِلْمُبالَغَةِ في الذَّمِّ ولَوْ أنَّهُ واحِدٌ فَكَيْفَ إذا كانَ كَثِيرًا، نَبَّهَ بِتَغْيِيرِ السِّياقِ عَلى ذَلِكَ وعَلى أنَّ الأغْلَبَ الضَّلالُ فَقالَ: ﴿وكَثِيرٌ مِنهُمْ﴾ أيِ الذُّرِّيَّةِ المَوْصُوفِينَ ﴿فاسِقُونَ﴾ هم بِعَيْنِ السُّخْطِ وإنْ كانُوا أوْلادَ الأصْفِياءِ وهم مَن خالَفَ الأوْلِياءَ بِمُنابَذَةٍ أوِ ابْتِداعٍ أوْ زَيْغٍ عَنْ سَبِيلِهِمْ بِما لَمْ يَنْهَجُوهُ مِن تَفْرِيطٍ وإفْراطٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب