الباحث القرآني

(p-٢٥٤)ولَمّا أخْبَرَ بِذَلِكَ، دَلَّ عَلى وجْهٍ مُصَرَّحٍ بِما أفْهَمَهُ الأوَّلُ مِن تَسْبِيحِ السَّماواتِ والأرْضِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: ومُلْكُ ما فِيهِما وما بَيْنَهُما ظاهِرًا وباطِنًا، فالمُلْكُ الظّاهِرُ ما هو الآنَ مَوْجُودٌ في الدُّنْيا مِن أرْضٍ مَدْحِيَّةٍ وسَماءٍ مَبْنِيَّةٍ وكَواكِبَ مُضِيَّةٍ وأفْلاكٍ عَلِيَّةٍ ورِياحٍ مَحْسُوسَةٍ وسَحابٍ مَرْئِيَّةٍ - وما تَفَصَّلَ إلى ذَلِكَ مِن خَلْقٍ وأمْرٍ، والمُلْكُ الباطِنُ [الغائِبُ] عَنّا، وأعْظَمُهُ المُضافُ إلى الآخَرِ وهو المَلَكُوتُ، قالَ القُشَيْرِيُّ: المُلْكُ مُبالَغَةٌ مِنَ المِلْكِ يَعْنِي بِدَلالَةِ الضَّمَّةِ، قالَ، والمِلْكُ بِالكَسْرِ أيِ القُدْرَةُ عَلى الإبْداعِ فَلا مالِكَ إلّا اللَّهَ، وإذا قِيلَ لِغَيْرِهِ: مالِكٌ، فَعَلى المَجازِ بِالأحْكامِ المُتَعَلِّقَةِ في الشَّرِيعَةِ عَلى مِلْكِ النّاسِ أيْ بِتَصْحِيحِهِ أوْ إفْسادِهِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ ما بَيْنَهُما ثانِيًا، وذَكَرَ الخافِقَيْنِ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ مِثْلِ ذَلِكَ أوَّلًا لِيَكُونَ التَّسْبِيحُ والمُلْكُ شامِلًا لِلْكُلِّ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ مِمّا لا نِزاعَ فِيهِ، وكانَ رُبَّما عانَدَ مُعانِدٌ، دَلَّ عَلَيْهِ بِما لا مَطْمَعَ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَقالَ مُقَدِّمًا الإحْياءَ لِأنَّهُ كَذَلِكَ في الخارِجِ ولِأنَّ زَمَنَ الحَياةِ أكْثَرُ لِأنَّ البَعْثَ حَياةٌ دائِمَةٌ لا مَوْتَ بَعْدَها: ﴿يُحْيِي﴾ أيْ لَهُ صِفَةُ الإحْياءِ فَيُحْيِي ما يَشاءُ مِنَ الخَلْقِ بِأنْ يُوجِدَهُ عَلى صِفَةِ الإحْياءِ كَيْفَ شاءَ في أطْوارٍ يَتَقَلَّبُها كَيْفَ شاءَ وكَيْفَ يَشاءُ ومِمّا يَشاءُ (p-٢٥٥)﴿ويُمِيتُ﴾ أيْ لَهُ هاتانِ الصِّفَتانِ عَلى سَبِيلِ الِاخْتِيارِ والتَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ، فَهو قادِرٌ عَلى البَعْثِ بِدَلِيلِ ما ثَبَتَ لَهُ مِن صِفَةِ الإحْياءِ. ولَمّا كانَ هَذا شامِلًا لِلْقُدْرَةِ عَلى التَّجْدِيدِ والإعادَةِ، عَمَّ الحُكْمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ مِنَ الإحْياءِ والإماتَةِ وغَيْرِهِما مِن كُلِّ مُمْكِنٍ ﴿قَدِيرٌ﴾ أيْ بالِغُ القُدْرَةِ إلى حَدٍّ لا يُمْكِنُ الزِّيادَةُ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب