الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ ما لِهَذا المُقْرِضِ، بَيَّنَ بَعْضَ وصْفِهِ بِالكَرَمِ بِبَيانِ وقْتِهِ فَقالَ: ﴿يَوْمَ﴾ أيْ لَهم ذَلِكَ في الوَقْتِ الَّذِي ﴿تَرى﴾ فِيهِ [بِالعَيْنِ]، وأشارَ إلى أنَّ المَحْبُوبَ مِنَ المالِ لا يَخْرُجُ عَنْهُ ولا سِيَّما [مَعَ] الإقْتارِ إلّا مَن وقَرَ الدِّينُ في قَلْبِهِ بِتَعْبِيرِهِ بِالوَصْفِ فَقالَ: ﴿المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ أيِ الَّذِي صارَ الإيمانُ لَهم صِفَةً راسِخَةً ﴿يَسْعى﴾ شِعارًا لَهم وأمارَةً عَلى سَعادَتِهِمْ ﴿نُورُهُمْ﴾ الَّذِي يُوجِبُ إبْصارَهم لِجَمِيعِ ما يَنْفَعُهم فَيَأْخُذُوهُ وما يَضُرُّهم فَيَتْرُكُوهُ، وذَلِكَ بِقَدْرِ أعْمالِهِمُ الصّالِحَةِ الَّتِي كانُوا يَعْمَلُونَها بِنُورِ العِلْمِ الَّذِي هو ثَمَرَةُ الإيمانِ كَما أنَّهم قَدَّمُوا المالَ الَّذِي إنَّما يَقْتَنِيهِ الإنْسانُ لِمِثْلِ ذَلِكَ جَزاءً وِفاقًا. ولَمّا كانَ مَن يُرادُ تَعْظِيمُهُ يُعْطى ما يَجِبُ وما بَعْدَهُ شَرِيفًا في الأماكِنِ الَّتِي يُحِبُّها قالَ: ﴿بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ أيْ حَيْثُ ما تَوَجَّهُوا، ولِذَلِكَ (p-٢٧٢)حَذَفَ الجارَّ ﴿وبِأيْمانِهِمْ﴾ [أيْ] وتَلْتَصِقُ بِتِلْكَ الجِهَةِ لِأنَّ هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ أشْرَفُ جِهاتِهِمْ، وهم إمّا مِنَ السّابِقِينَ، وإمّا مِن أهْلِ اليَمِينِ، ويُعْطَوْنَ صَحائِفَهم مِن هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ، والشَّقِيُّ بِخِلافِ ذَلِكَ لا نُورَ لَهُ ويُعْطى صَحِيفَتَهُ بِشِمالِهِ ومِن وراءِ ظَهْرِهِ، فالأوَّلُ نُورُ الإيمانِ والمَعْرِفَةِ والأعْمالِ المَقُولَةِ، والثّانِي نُورُ الإنْفاقِ لِأنَّهُ بِالإيمانِ - [نَبَّهَ] - عَلَيْهِ الرّازِيُّ ولَمّا ذَكَرَ نُفُوذَهم فِيما يُحِبُّونَ مِنَ الجِهاتِ وتَيْسِيرَهُ لَهُمْ، أتْبَعَهُ ما يُقالُ لَهم مِنَ المَحْبُوبِ في سُلُوكِهِمْ لِذَلِكَ المَحْبُوبِ فَقالَ: ﴿بُشْراكُمُ اليَوْمَ﴾ أيْ بِشارَتُكُمُ العَظِيمَةُ في جَمِيعِ ما يَسْتَقْبِلُكم مِنَ الزَّمانِ. ولَمّا تَشَوَّفُوا لِذَلِكَ أُخْبِرُوا بِالمُبَشَّرِ بِهِ بِقَوْلِهِ مُخْبِرًا إشارَةً إلى أنَّ المُخْبَرَ بِهِ يُحْسَدُ مِنَ البُشْرى لِكَوْنِهِ مَعْدِنَ السُّرُورِ ﴿جَنّاتٌ﴾ أيْ كائِنَةٌ لَكم تَتَصَرَّفُونَ فِيها أعْظَمَ تَصَرُّفٍ، والخَبَرُ في الأصْلِ دُخُولُ، ولَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ لِما ذَكَرَ مِنَ المُبالَغَةِ ثُمَّ وصَفَها بِما لا تَكْمُلُ اللَّذَّةُ إلّا بِهِ فَقالَ؛ ﴿تَجْرِي﴾ وأفْهَمَ القُرْبَ بِإثْباتِ الجارِّ فَقالَ: ﴿مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ ولَمّا كانَ ذَلِكَ لا يَتِمُّ مَعَ خَوْفِ الِانْقِطاعِ قالَ: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ خُلُودًا لا آخِرَ لَهُ لِأنَّ اللَّهَ أوْرَثَكم ذَلِكَ ما لا يُورَثُ عَنْكم كَما كانَ حُكّامُ الدُّنْيا لِأنَّ الجَنَّةَ لا مَوْتَ فِيها. ولَمّا كانَ هَذا أمْرًا سارًّا في ذَلِكَ المَقامِ الضَّنْكِ مُحَبًّا بِأمْرٍ اسْتَأْنَفَ مَدْحَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيْ هَذا الأمْرُ العَظِيمُ جِدًّا ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ (p-٢٧٣)﴿الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ أيِ الَّذِي مَلَأ بِعَظَمَتِهِ جَمِيعَ الجِهاتِ مِن ذَواتِكم وأبْدانِكم ونُفُوسِكم وأرْواحِكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب