الباحث القرآني
(p-٢٥٠)سُورَةُ الحَدِيدِ
مَقْصُودُها بَيانُ عُمُومِ الرِّسالَةِ لِعُمُومِ الإلَهِيَّةِ بِالبَعْثِ [إلى] الأزْواجِ الثَّلاثَةِ المَذْكُورَةِ في السُّورَتَيْنِ الماضِيَتَيْنِ مِنَ الثَّقَلَيْنِ تَحْقِيقًا لِأنَّهُ سُبْحانَهُ مُخْتَصٌّ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ تَحْقِيقًا لِتَنَزُّهِهِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ المَبْدُوءِ بِهِ هَذِهِ السُّورَةُ المَخْتُومِ بِهِ ما قَبْلَها الرّادِّ لِقَوْلِهِمْ: ”أئِنّا لَمَجْمُوعُونَ أوَ آباؤُنا الأوَّلُونَ“ المُقْتَضِي لِجِهادِ مَن يَحْتاجُ إلى الجِهادِ مِمَّنْ عَصى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالسَّيْفِ وما تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ رَدًّا لَهم عَنِ النَّقائِصِ الجِسْمانِيَّةِ وإعْلاءً إلى الكَلِماتِ الرُّوحانِيَّةِ الَّتِي دَعا إلَيْها الكِتابُ حَذَرًا مِن سَواءِ الحِسابِ يَوْمَ التَّجَلِّي لِلْفَصْلِ بَيْنَ العِبادِ [بِالعَدْلِ] لِيَدْخُلَ أهْلُ الكِتابِ وغَيْرُهم في الدِّينِ طَوْعًا أوْ كَرْهًا، ويَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ الَّذِينَ كانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ أحَدٌ أفْضَلَ مِنهُ، فَضِيلَةَ هَذا الرَّسُولِ ﷺ عَلى جَمِيعِ مَن تَقَدَّمَهُ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِعُمُومِ رِسالَتِهِ وشُمُولِ خِلافَتِهِ، وانْتِشارِ دَعْوَتِهِ وكَثْرَةِ أُمَّتِهِ تَحْقِيقًا لِأنَّهُ لا حَدَّ لِفائِضِ رَحْمَتِهِ سُبْحانَهُ لِتَكُونَ هَذِهِ السُّورَةُ الَّتِي هي آخِرُ النِّصْفِ الأوَّلِ والَّتِي بَعْدَها الَّتِي هي أوَّلُ النِّصْفِ الثّانِي مِن حَيْثُ العَدَدُ غايَةً لِلْمَقْصُودِ مِنَ السُّورَةِ الَّتِي هي أوَّلُهُ عِنْدَ الِالتِفاتِ والرَّدِّ كَما كانَتِ السُّورَةُ الَّتِي غايَةُ النِّصْفِ الأوَّلِ (p-٢٥١)فِي المِقْدارِ وهي الإسْراءُ، وكَذا السُّورَةُ الَّتِي هي أوَّلُ النِّصْفِ الثّانِي وهي الكَهْفُ كاشِفَتَيْنِ لِمَقْصِدِ الأُولى فِيما دَعَتْ إلَيْهِ مِنَ الهِدايَةِ وشَدَّتْ إلَيْهِ مِنَ الإنْذارِ، عَلى ذَلِكَ دَلَّ اسْمُها الحَدِيدُ بِتَأمُّلِ آياتِهِ وتَدَبُّرِ سِرِّ ما ذُكِرَ فِيهِ وغاياتِهِ، أسْنَدَ صاحِبُ الفِرْدَوْسِ عَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: ”«لا تَحْتَجِمُوا يَوْمَ الثُّلاثاءِ فَإنَّ سُورَةَ الحَدِيدِ أُنْزِلَتْ يَوْمَ الثُّلاثاءِ“» .. (بِسْمِ اللَّهِ) الَّذِي أحاطَتْ إلاهِيَّتُهُ بِجَمِيعِ المَوْجُوداتِ (الرَّحْمَنِ) الَّذِي وسِعَهم جُودُهُ في جَمِيعِ الحَرَكاتِ والسَّكَناتِ (الرَّحِيمِ) الَّذِي خَصَّ مِن بَيْنِهِمْ بِما لَهُ مِنَ الِاخْتِيارِ في كَمالِ الِاقْتِدارِ أهْلَ وِلايَتِهِ بِما يُرْضِيهِ مِنَ العِباداتِ.
* * *
ولَمّا خُتِمَتِ الواقِعَةُ بِالأمْرِ بِتَنْزِيهِهِ عَمّا أنْكَرَهُ الكَفَرَةُ مِنَ البَعْثِ، جاءَتْ هَذِهِ لِتَقْرِيرِ ذَلِكَ التَّنْزِيهِ [و]تَبْيِينِهِ بِالدَّلِيلِ والبُرْهانِ والسَّيْفِ والسِّنانِ فَقالَ تَعالى كالتَّعْلِيلِ لِآخِرِ الواقِعَةِ: ﴿سَبَّحَ﴾ أيْ: أوْقِعِ التَّسْبِيحَ بِدَلالَةِ الجِبِلَّةِ تَعْظِيمًا لَهُ سُبْحانَهُ وإقْرارًا بِرُبُوبِيَّتِهِ وإذْعانًا لِطاعَتِهِ، وقَصَرَهُ وهو مُتَعَدٍّ لِيَدُلَّ عَلى العُمُومِ بِقَصْرِهِ، وعَلى الإخْلاصِ بِتَعْدِيَتِهِ بِاللّامِ وجَعَلَهُ ماضِيًا هُنا وفي الحَشْرِ والصَّفِّ ومُضارِعًا في الجُمُعَةِ والتَّغابُنِ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ مِمّا أُسْنِدَ إلَيْهِ التَّسْبِيحُ هو مِن شَأْنِهِ وهِجِّيراهُ ودَيْدَنِهِ وتَخْصِيصُ كُلٍّ مِنَ الماضِي والمُضارِعِ بِما افْتَتَحَ بِهِ لِما يَأْتِي [فِي] أوَّلِ الجُمُعَةِ، والإتْيانُ بِالمَصْدَرِ أوَّلَ الإسْراءِ أبْلَغُ مِن حَيْثُ إنَّهُ يَدُلُّ إطْلاقُهُ (p-٢٥٢)عَلى اسْتِحْقاقِ التَّسْبِيحِ [مِن كُلِّ شَيْءٍ] وفي كُلِّ حالٍ ﴿لِلَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ المُحِيطِ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ ﴿ما في السَّماواتِ﴾ أيِ الأجْرامُ العالِيَةُ والَّذِي فِيها وهي الأرْضُ ومَن فِيها وكُلُّ سَماءٍ ومَن فِيها، وما بَيْنَهُما لِأنَّها كُلَّها في العَرْشِ الَّذِي هو أعْلى الخَلْقِ.
ولَمّا كانَ الكَلامُ آخِرَ الواقِعَةِ مَعَ أهْلِ الخُصُوصِ بَلْ هو أخَصُّ أهْلِ الخُصُوصِ، لَمْ يَحْتَجْ إلى تَأْكِيدٍ فَحَذَفَ ما جُعِلا لِلْخافِقَيْنِ كَشَيْءٍ واحِدٍ لِأنَّ نَظَرَهُ لَهُما نَظَرُ عُلُوٍّ نَظَرًا واحِدًا لِما أخْبَرَ بِهِ عَنْهُما مِنَ التَّنْزِيهِ فَقالَ: ﴿والأرْضِ﴾ أيْ وما فِيها وكَذا [نَفْسُ] الأراضِي كَما تَقَدَّمَ، فَشَمِلَ، ذَلِكَ جَمِيعَ المَوْجُوداتِ لِأنَّهُ إذا سَبَّحَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَتَسْبِيحُ العَرْشِ بِطَرِيقِ الأوْلى وتَنْزِيهُ هَذِهِ الأشْياءِ بِما فِيها مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يُلِمُّ بِجَنابِهِ شائِبَةُ نَقْصٍ، وأنَّ كُلَّ شَيْءٍ واقِفٌ عَلى البابِ يُشاهِدُ الطَّلَبَ، قالَ القُشَيْرِيُّ: التَّسْبِيحُ: التَّقْدِيسُ والتَّنْزِيهُ، ويَكُونُ بِمَعْنى سِباحَةِ الأسْرارِ في بِحارِ الإجْلالِ، فَيَظْفَرُونَ بِجَواهِرِ التَّوْحِيدِ، ويَنْظِمُونَها في عِقْدِ الإيمانِ، ويُرَصِّعُونَها في أطْواقِ الوَصْلَةِ.
ولَمّا قَرَّرَ ذَلِكَ، دَلَّ عَلى أنَّهُ لا قُدْرَةَ لِشَيْءٍ عَلى الِانْفِكاكِ عَنْهُ، وأنَّ لَهُ كُلَّ كَمالٍ، فَهو المُسْتَحِقُّ لِلتَّسْبِيحِ والحَمْدِ فَقالَ: ﴿وهُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿العَزِيزُ﴾ الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ ولا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ ﴿الحَكِيمُ﴾ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ.
وقالَ الأُسْتاذُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ العاصِمِيُّ في بُرْهانِهِ: لَمّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (p-٢٥٣)[سُبْحانَهُ] وتَعالى: ﴿فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾ [الواقعة: ٥٧] وفِيهِ مِنَ التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ لِمَن قُرِّعَ بِهِ ما لا خَفاءَ بِهِ، ثُمَّ أُتْبِعَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَرَأيْتُمْ ما تُمْنُونَ﴾ [الواقعة: ٥٨] الآياتِ إلى قَوْلِهِ: ﴿ومَتاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾ [الواقعة: ٧٣] فَعُزِّرُوا ووُبِّخُوا عَلى سُوءِ جَهْلِهِمْ وقُبْحِ ضَلالِهِمْ، ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿أفَبِهَذا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ [الواقعة: ٨١] واسْتَمَرَّ تَوْبِيخُهم إلى قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الواقعة: ٨٧] فَلَمّا أشارَتْ هَذِهِ الآياتُ إلى قَبائِحِ مُرْتَكَباتِهِمْ، أعْقَبَ تَعالى [ذَلِكَ] تَنْزِيهَهُ عَزَّ وجَلَّ عَنْ سُوءِ ما انْتَحَلُوهُ وضَلالَهم فِيما جَهِلُوهُ فَقالَ تَعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [الواقعة: ٩٦] أيْ نَزِّهْهُ عَنْ عَظِيمِ ضَلالِهِمْ وسُوءِ اجْتِرائِهِمْ، ثُمَّ أعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ سَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ، فَهي سُنَّةُ العالَمِ بِأسْرِهِمْ،
﴿ولَهُ أسْلَمَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [آل عمران: ٨٣] ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ﴾ [التغابن: ١] [فَبَيَّنَ تَعالى انْفِرادَهُ بِصِفَةِ الجَلالِ ونُعُوتِ الكَمالِ، وأنَّهُ المُتَفَرِّدُ بِالمُلْكِ والحَمْدِ] وأنَّهُ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ إلى قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [الحديد: ٦] فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ إرْغامَ مَن أُشِيرَ إلى حالِهِ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ مِن سُورَةِ الواقِعَةِ وقَطْعَ ضَلالِهِمْ والتَّعْرِيفَ بِما جَهِلُوهُ مِن صِفاتِهِ العُلى وأسْمائِهِ الحُسْنى جَلَّ وتَعالى، وافْتُتِحَتْ آيُ السُّورَتَيْنِ واتَّصَلَتْ مَعانِيها ثُمَّ صَرَفَ الخِطابَ إلى عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ تَعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٧] واسْتَمَرَّتِ الآيُ عَلى خِطابِهِمْ إلى آخِرِ السُّورَةِ - انْتَهى.
{"ayah":"سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق