الباحث القرآني

ولَمّا أفْصَحَ مِن وصْفِ هَذا الكِتابِ العَظِيمِ ما يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ بِمُجَرَّدِهِ مُثْبِتًا لِما لا تُدْرِكُهُ العُقُولُ مِن كَمالِهِ وكافِيًا في الإذْعانِ لِاعْتِقادِهِ فَكَيْفَ إذا كانَ ما تَحْكُمُ العُقُولُ وتَقْضِي بِفَسادِ ما سِواهُ، فَكَيْفَ إذا كانَ مِمّا يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ مِثْلَهُ في نَفْسِهِ، عَجِبَ مِنهم في جَعْلِهِ سَبَبًا لِإنْكارِ البَعْثِ الَّذِي إذا ذَكَرَ الإنْسانُ أحْوالَ نَفْسِهِ كَفاهُ ذَلِكَ في الجَزْمِ بِهِ فَقالَ مُنْكِرًا تَعَجُّبًا: ﴿أفَبِهَذا﴾ ولَمّا كانَ الإنْسانُ مُغْرَمًا بِما يُجَدَّدُ لَهُ مِنَ النِّعَمِ ولَوْ هانَ فَكَيْفَ إذا كانَ أعْلى النِّعَمِ قالَ: ﴿الحَدِيثِ﴾ أيِ: الَّذِي تَقَدَّمَتْ أوْصافُهُ العالِيَةُ وهو مُتَجَدِّدٌ إلَيْكم إنْزالُهُ وقْتًا بَعْدَ وقْتٍ ﴿أنْتُمْ﴾ أيْ: وأنْتُمُ العَرَبُ الفُصَحاءُ والمُفَوَّهُونَ البُلَغاءُ ﴿مُدْهِنُونَ﴾ (p-٢٤٠)أيْ: كَذّابُونَ مُنافِقُونَ بِسَبَبِهِ تُظْهِرُونَ غَيْرَ ما تُبْطِنُونَ أنَّهُ كَذّابٌ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقَهُ بِحُسْنِ مَعانِيهِ، وعَجْزِكم عَنْ مُماثَلَتِهِ في نُظُومِهِ ومَبانِيهِ، وتَقُولُونَ: لَوْ شِئْنا لَقُلْنا مِثْلَ هَذا: وجَمِيعُ أفْعالِكم تُخالِفُ هَذا فَإنَّكم تَصْبِرُونَ لِوَقْعِ السُّيُوفِ ومُعانَقَةِ الحُتُوفِ، ولا تَأْتُونَ بِشَيْءٍ يُعارِضُهُ يُبادِئُ شَيْئًا مِنهُ أوْ يُناقِضُهُ أوْ تُلايِنُونَ أيُّها المُؤْمِنُونَ مَن يُكَذِّبُ بِهِ ويَطْعَنُ في عُلاهُ أوْ يَتَوَصَّلُ ولَوْ عَلى وجْهٍ خَفِيٍّ إلى نَقْضِ شَيْءٍ مِن عُراهُ، تَهاوُنًا بِهِ ولا يَتَصَلَّبُونَ في تَصَرُّفِهِ تَعْظِيمًا لِأمْرِهِ حَتّى يَكُونُوا أصْلَبَ مِنَ الحَدِيدِ، قالَ في القامُوسِ: دَهَنَ: نافَقَ، [و]المُداهَنَةُ: إظْهارُ خِلافِ ما تُبْطِنُ كالإدْهانِ والغِشُّ، وقالَ البَغْوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هو الإدْهانُ وهو الجَرْيُ في الباطِنِ عَلى خِلافِ الظّاهِرِ، وقالَ الرّازِيُّ: والفَرْقُ بَيْنَ المُداراةِ والمُداهَنَةِ يَرْجِعُ إلى القَصْدِ، فَما قُصِدَ بِهِ غَرَضٌ سِوى اللَّهِ فَهو المُداهَنَةُ، وما قُصِدَ بِهِ أمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فَهو المُداراةُ، وقالَ ابْنُ بُرْجانَ: الإدْهانُ والمُداهَنَةُ: المُلايَنَةُ في الأُمُورِ والتَّغافُلُ والرُّكُونُ إلى التَّجاوُزِ - انْتَهى. فَهو عَلى هَذا إنْكارٌ عَلى مَن سَمِعَ أحَدًا يَتَكَلَّمُ في القُرْآنِ بِما لا يَلِيقُ ثُمَّ لا يُجاهِرُهُ بِالعَداوَةِ، وأهْلُ الِاتِّحادِ كابْنِ عَرَبِيٍّ الطّائِيِّ صاحِبِ الفُصُوصِ وابْنِ الفارِضِ صاحِبِ التّائِيَّةِ أوَّلُ مَن صُوِّبَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ، فَإنَّهم تَكَلَّمُوا في القُرْآنِ عَلى وجْهٍ يُبْطِلُ الدِّينَ أصْلًا ورَأْسًا ويَحُلُّهُ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَهم أضَرُّ النّاسِ عَلى هَذا الدِّينِ، ومَن يُؤَوِّلُ لَهم أوْ يُنافِحُ عَنْهم (p-٢٤١)ويَعْتَذِرُ لَهم أوْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمْ مُخالِفٌ لِإجْماعِ الأُمَّةِ أنْجَسُ حالًا مِنهم فَإنَّ مُرادَهُ إبْقاءُ كَلامِهِمُ الَّذِي لا أفْسَدَ لِلْإسْلامِ مِنهُ مِن [غَيْرِ] أنْ يَكُونَ لِإبْقائِهِ مَصْلَحَةٌ ما بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب