الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ بِقِيامِ السّاعَةِ وما يَتَّفِقُ لَهم فِيها جَزاءً لِأعْمالِهِمُ الَّتِي قَدَّرَها عَلَيْهِمْ وهي سَتْرٌ فَرَضُوا بِها لِاتِّباعِ الشَّهَواتِ واحْتَجُّوا عَلى رِضاهُ بِها، وكانَ رُبَّما ظَنَّ ظانٌّ أنَّ تَمادِيَهم عَلى الكُفْرِ لَمْ يَكُنْ بِإرادَتِهِ سُبْحانَهُ، عَلَّلَ ذَلِكَ مُنَبِّهًا عَلى أنَّ الكُلَّ فِعْلُهُ، وإنَّما نِسْبَتُهُ إلى العِبادِ بِأُمُورٍ ظاهِرِيَّةٍ، تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِها الحُجَّةُ في مَجارِي عاداتِهِمْ، فَقالَ: ﴿إنّا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ (p-١٣٣)العَظَمَةِ ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ أيْ: مِنَ الأشْياءِ المَخْلُوقَةِ كُلِّها صَغِيرِها وكَبِيرِها. ولَمّا كانَ هَذا التَّعْمِيمُ في الخَلْقِ أمْرًا أفْهَمَهُ النَّصْبُ، اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ تَفْسِيرًا لِلْعامِلِ المَطْوِيِّ وإخْبارًا بِجَعْلِ ذَلِكَ الخَلْقِ كُلِّهِ عَلى نِظامٍ مُحْكَمٍ وأمْرٍ مُقَدَّرٍ مُبْرَمٍ ﴿خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ أيْ: قَضاءٍ وحِكَمٍ وقِياسٍ مَضْبُوطٍ وقِسْمَةٍ مَحْدُودَةٍ وقَوْدَةٍ بالِغَةٍ وتَدْبِيرٍ مُحْكَمٍ في وقْتٍ مَعْلُومٍ ومَكانٍ مَحْدُودٍ مَكْتُوبٍ في ذَلِكَ اللَّوْحِ قَبْلَ وُقُوعِهِ تَقِيسُهُ المَلائِكَةُ بِالزَّمانِ وغَيْرِهِ مِنَ العَدِّ وجَمِيعِ أنْواعِ الأقْيِسَةِ - فَلا يَخْرِمُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ لِأنَّهُ لا مُنازِعَ لَنا مَعَ ما لَنا مِنَ القُدْرَةِ الكامِلَةِ والعِلْمِ التّامِّ، فَهَذا العَذابُ بِقُدْرَتِنا ومَشِيئَتِنا فاصْبِرُوا عَلَيْهِ وارْضَوْا بِهِ كَما كُنْتُمْ تَرْضَوْنَ أعْمالَكُمُ السَّيِّئَةَ ثُمَّ تَحْتَجُّونَ عَلى عِبادِنا بِأنَّها مَشِيئَتُنا بِنَحْوِ: ﴿لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا﴾ [الأنعام: ١٤٨] فَقَدْ أوْصَلَكم إلى ما تَرَوْنَ وانْكَشَفَ أتَمَّ انْكِشافٍ أنَّهُ لا يَكُونُ شَيْءٌ عَلى خِلافِ مُرادِنا، ولا يُقالُ لِشَيْءٍ قَدَّرْناهُ: لِمَ؟ قالَ الرّازِيُّ في اللَّوامِعِ: الكَمِّيَّةُ ساقِطَةٌ عَنْ أفْعالِهِ كَما أنَّ الكَيْفِيَّةَ والكَمِّيَّةَ ساقِطَتانِ عَنْ ذاتِهِ وصِفَتِهِ - انْتَهى. ولا يَكُونُ شَيْءٌ مِن أمْرِهِ سُبْحانَهُ إلّا ما هو عَلى غايَةِ الحِكْمَةِ، ولَوْ كانَ الخَلْقُ لا يُبْعَثُونَ بَعْدَ المَوْتِ لِيَقَعَ القِصاصُ والقِياسُ العَدْلُ لِيَكُونَ القِياسُ جُزافًا لا بِقَدْرٍ وعَدْلٍ، لِأنَّ المُشاهَدَ أنَّ الفَسادَ في هَذِهِ الدّارِ مِنَ المُكَلَّفِينَ مِنَ الصَّلاحِ أضْعافٌ مُضاعَفَةٌ، وقُرِئَ في الشَّواذِّ بِرَفْعِ ”كُلَّ“ وجَعَلَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ أقْوى مِنَ النَّصْبِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ لِأنَّ الرَّفْعَ لا يُفِيدُ ما ذَكَرْتُهُ، وما حَمَلَهُ عَلى ذَلِكَ إلّا أنَّهُ مُعْتَزِلِيٌّ، والنَّصْبُ عَلى [ما] قَدَّرْتُهُ قاصِمٌ لِأهْلِ الِاعْتِزالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب