الباحث القرآني

ولَمّا كانَ فِيما قالُوهُ أعْظَمُ تَكْذِيبٍ مَدْلُولٍ عَلى صِحَّتِهِ في زَعْمِهِمْ بِما أوْمَأُوا إلَيْهِ مِن كَوْنِهِ آدَمِيًّا مِثْلَهُمْ، وهو مَعَ ذَلِكَ واحِدٌ مِن آحادِهِمْ فَلَيْسَ هو بِأمْثَلِهِمْ وهو مُنْفَرِدٌ فَلَمْ يَتَأيَّدْ فِكْرُهُ بِفِكْرِ غَيْرِهِ حَتّى يَكُونَ مَوْضِعَ الوُثُوقِ بِهِ، دَلُّوا عَلَيْهِ بِأمْرٍ آخَرَ ساقُوهُ أيْضًا مَساقَ الإنْكارِ، وأوْمَأُوا بِالإلْقاءِ إلى أنَّهُ في إسْراعِهِ كَأنَّهُ سَقَطَ مِن عُلُوٍّ فَقالُوا: ﴿أأُلْقِيَ﴾ أيْ أنَزَلَ بَغْتَةً في سُرْعَةٍ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهم في مِضْمارِ هَذا الشَّأْنِ ولَمْ يَأْتَمِرُوا فِيهِ قَبْلَ إتْيانِهِ بِهِ شَيْءٌ مِنهُ بَلْ أتاهم بِهِ بَغْتَةً في غايَةِ الإسْراعِ. ولَمّا كانَ الإلْقاءُ يَكُونُ لِلْأجْسامِ غالِبًا، فَكانَ لِدَفْعِ هَذا الوَهْمِ تَقْدِيمُ النّائِبِ عَنِ الفاعِلِ أوْلى بِخِلافِ ما تَقَدَّمَ في ص فَقالُوا: ﴿الذِّكْرُ﴾ (p-١١٩)أيِ: الوَحْيُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الشَّرَفُ الأعْظَمُ، وعَبَّرُوا بِعَلى إشارَةً إلى أنَّ مِثْلَ هَذا الَّذِي تَقَوَّلَهُ لا يُقالُ إلّا عَنْ قَضاءٍ غالِبٍ وأمْرٍ قاهِرٍ فَقالَ: ﴿عَلَيْهِ﴾ ودَلُّوا عَلى وجْهِ التَّعَجُّبِ والإنْكارِ بِالِاخْتِصاصِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿مِن بَيْنِنا﴾ أيْ: وبَيْنَنا مَن هو أوْلى بِذَلِكَ سِنًّا وشَرَفًا ونُبْلًا. ولَمّا كانَ هَذا الِاسْتِفْهامُ لِكَوْنِهِ إنْكارِيًّا بِمَعْنى النَّفْيِ، أضْرَبُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ عَلى وجْهِ النَّتِيجَةِ عَطْفًا عَلى ما أفْهَمَهُ الِاسْتِفْهامُ مِن نَحْوِ: لَيْسَ الأمْرُ كَما زَعَمَ: ﴿بَلْ هُوَ﴾ لِما أبْدَيْناهُ مِنَ الشُّبَهِ ﴿كَذّابٌ﴾ أيْ بَلِيغٌ في الكَذِبِ ﴿أشِرٌ﴾ أيْ: مَرِحٌ غَلَبَتْ عَلَيْهِ البِطالَةُ حَتّى أعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ بِمَرَحٍ وتَجَبُّرٍ وبَطَرٍ، ونَشِطَ في ذَلِكَ حَتّى صارَ كالمِنشارِ الَّذِي هو مُتَفَرِّغٌ لِلْقَطْعِ مُهَيَّأٌ لَهُ خَشِنُ الأمْرِ سَيِّئُ الخُلُقِ والأثَرِ فَهو يُرِيدُ التَّرَفُّعَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب