الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضَتْ قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى هَذا الهَوْلِ العَظِيمِ، كانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلسّامِعِ أنْ يَظُنَّ أنَّهُ لا يُقَصِّرُ أحَدٌ بَعْدَهم وإنْ لَمْ يُرْسِلْ بِرَسُولٍ فَكَيْفَ إذا أرْسَلَ، فَتَشَوَّفَ إلى عِلْمِ ما كانَ بَعْدَهُ هَلْ كانَ كَما ظَنَّ أمْ رَجَعَ النّاسُ إلى طِباعِهِمْ؟ وكانَتْ قِصَّةُ عادٍ أعْظَمَ قِصَّةٍ جَرَتْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيما يَعْرِفُهُ العَرَبُ فَيَصْلُحُ أنْ يَكُونَ واعِظًا لَهُمْ، وكانَ عَذابُهم بِالرِّيحِ الَّتِي أهْلَكَتْهم ونَسَفَتْ جِبالَهُمُ الَّتِي كانَتْ في مَحالِّهِمْ (p-١١٤)مِنَ الرِّمالِ المُتَراكِمَةِ، فَنَقْلُها إلى أمْكِنَةٍ أُخْرى أقْرَبُ دَلِيلٍ إلى أنَّهُ تَعالى يُسَيِّرُ الجِبالَ يَوْمَ الدِّينِ، هَذا إلى ما في صَفِّها الخارِجِ عَنِ العَوائِدِ مِن تَصْوِيرِ النَّفْخِ في الصُّورِ تارَةً لِلْقِيامَةِ وتارَةً لِلْإحْياءِ، فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ﴾ أيْ أوْقَعَتِ التَّكْذِيبَ العامَّ المُطْلَقَ الَّذِي أوْجَبَ تَكْذِيبَهم بِرَسُولِي هُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ في دَعْوَتِهِ لَهم إلَيَّ وإنْذارِهِ لَهم عَذابِي. ولَمّا كانَ عادَةُ المُلُوكِ أوْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ إذا أهْلَكَ قَوْمًا كَثِيرِينَ مِن جُنْدِهِ نَجا ناسٌ مِثْلُهم بِمِثْلِ ذُنُوبِهِمْ أنْ يَرْفَعَ بِهِمْ، ويَسْتَأْلِفَهم لِئَلّا يَهْلِكَ جُنْدُهُ، فَيَخْتَلَّ مُلْكُهُ، عَقَّبَ الإخْبارَ بِتَكْذِيبِهِمُ الإعْلامَ بِتَعَدِّيهِمْ لِأنَّهُ لا يُبالِي بِشَيْءٍ لِأنَّ كُلَّ شَيْءٍ في قَبْضَتِهِ، ولَمّا كانَ تَكْذِيبُهم إلّا بِإرادَتِهِ كَما أنَّ عَذابَهُ بِمَشِيئَتِهِ، قالَ مُسَبِّبًا عَنْ ذَلِكَ: ﴿فَكَيْفَ﴾ أيْ فَعَلى الأحْوالِ لِأجْلِ تَكْذِيبِهِمْ ﴿كانَ عَذابِي﴾ لَهم ﴿ونُذُرِ﴾ أيْ وإنْذارِي إيّاهم بِلِسانِ رَسُولِي، وكَرَّرَ في آخِرِ قِصَّتِهِمْ هَذا الِاسْتِخْبارَ، فَكانَ في قِصَّتِهِمْ مَرَّتَيْنِ كَما تَقَدَّمَ مِن سِرِّهِ - واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب