الباحث القرآني

ولَمّا كانَ قَوْلُهم هَذا مِمّا لا يُقالُ أصْلًا وإنْ قِيلَ عَلى بُعْدِهِ كانَ قَوْلُهُ كَأنَّهُ عَلى جِهَةِ سَبْقِ اللِّسانِ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَيْهِ بِمُعادَلَةِ ما تَقْدِيرُهُ: أقالُوا ذَلِكَ ذُهُولًا: ﴿أمْ تَأْمُرُهُمْ﴾ أيْ تُزَيِّنُ لَهم تَزْيِينًا يَصِيرُ مَآلُهم إلَيْهِ مِنَ الِانْبِعاثِ كالأمْرِ ﴿أحْلامُهُمْ﴾ أيْ عُقُولُهُمُ الَّتِي يَزْعُمُونَ أنَّهُمُ اخْتُصُّوا بِجَوْدَتِها دُونَ النّاسِ بِحَيْثُ إنَّهُ كانَ يُقالُ فِيهِمْ: أُولُو الأحْلامِ والنُّهى (p-٢٤)﴿بِهَذا﴾ أيْ وهم يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ وأنَّهُ العَدْلُ السَّواءُ لِأنَّهم مُتَقَيِّدُونَ بِالأحْلامِ والنُّهى عَلى ما فِيهِ مِنَ الفَسادِ بِالتَّناقُضِ بَعْدَ اخْتِلالِ كُلِّ قَوْلٍ مِنهُ عَلى حِدَتِهِ كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ، وهو تَوْبِيخٌ عَظِيمٌ بِالإشارَةِ إلى أنَّهُ لَيْسَتْ لَهم عُقُولٌ أصْلًا لِقَوْلِهِمْ هَذا، فَإنَّ الكاهِنَ شَرْطُهُ أنْ يَكُونَ في غايَةِ المَعْرِفَةِ عِنْدَهم حَتّى أنَّهم يَجْعَلُونَهُ حَكَمًا ورُبَّما عَبَدُوهُ، والمَجْنُونَ لا يَصْلُحُ لِصالِحَةٍ لِأنَّهُ لا يَعْقِلُ، والشّاعِرَ بَعِيدُ الأمْرِ بِوَزْنِ الكَلامِ وكَثْرَتِهِ مِن سَجْعِ الكاهِنِ وغَيْرِهِ وكَلامِ المَجْنُونِ: ﴿أمْ هُمْ﴾ بِظَواهِرِهِمْ وبَواطِنِهِمْ ﴿قَوْمٌ﴾ أيْ ذَوُو قُوَّةٍ عَلى ما يُحاوِلُونَهُ فَهم لِذَلِكَ ﴿طاغُونَ﴾ أيْ مُجاوِزُونَ لِلْحُدُودِ، وذَلِكَ عادَةٌ لَهم بِما أفْهَمَهُ الوَصْفُ، فَهم لِذَلِكَ لا يُبالُونَ بِالعِنادِ الظّاهِرِ في مُخالَفَتِهِ لِما تَأْمُرُ بِهِ الأحْلامُ والنُّهى، ولا يَقُولُهُ إلّا الطُّغاةُ السُّفَهاءُ مَعَ ظُهُورِ الحَقِّ لَهُمْ، فَهم يَقُولُونَ الكَلامَ المُتَناقِضَ غَيْرَ مُبالِينَ بِأحَدٍ ولا مُسْتَحْيِينَ مِن أنْ يُنْسَبُوا إلى العُدْوانِ والمُبالَغَةِ في العِصْيانِ، والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ الأحْلامَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى ضِدِّها ثانِيًا، والطُّغْيانَ ثانِيًا عَلى ضِدِّهِ ”العَدْلِ السَّواءِ“ أوَّلًا، وسِرُّهُ أنَّ ما ذَكَرَ أشَدُّ تَنْفِيرًا مِنَ السُّوءِ وأعْظَمُ تَقْبِيحًا لَهُ وتَحْذِيرًا مِنهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب