الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الأشْياءُ المُتَضادَّةُ مِنَ الشَّيْءِ الواحِدِ أدَلَّ عَلى القُدْرَةِ مِن هَذا الوَجْهِ، قالَ: ﴿ومِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ: مِنَ الحَيَوانِ وغَيْرِهِ ﴿خَلَقْنا﴾ بِعَظَمَتِنا. ولَمّا كانَ الفَلاسِفَةُ يَقُولُونَ: لا يَنْشَأُ عَنِ الواحِدِ إلّا واحِدٌ، قالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ: ﴿زَوْجَيْنِ﴾ أيْ: مِثْلَهُ شَيْئَيْنِ كُلٌّ مِنهُما يُراوِحُ الآخَرَ مِن وجْهٍ وإنْ خالَفَهُ مِن آخَرَ، ولا يَتِمُّ نَفْعُ أحَدِهِما إلّا بِآخَرَ مِنَ الحَيَوانِ والنَّباتِ وغَيْرِها ويَدْخُلُ فِيهِ الأضْدادُ مِنَ الغِنى والفَقْرِ، والحُسْنِ والقُبْحِ، والحَياةِ والمَوْتِ، والضِّياءِ والظَّلامِ، واللَّيْلِ والنَّهارِ، والصِّحَّةِ والسَّقَمِ، والبَرِّ والبَحْرِ، والسَّهْلِ والجَبَلِ، والشَّمْسِ والقَمَرِ، والحَرِّ والبَرْدِ، والسَّماواتِ والأرْضِ، وأنَّ الحَرَّ والبَرْدَ مِن نَفْسِ جَهَنَّمَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَيْها، وبِناءَهُما عَلى الِاعْتِدالِ في بَعْضِ الأحْوالِ آيَةٌ عَلى الجَنَّةِ مُذَكِّرَةٌ بِها مُشَوِّقَةٌ إلَيْها. ولَمّا كانَ ذَلِكَ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى أنَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَحْتاجُ إلى الآخَرِ وأنَّهُ لا بُدَّ أنْ يَنْتَهِيَ الأمْرُ إلى واحِدٍ لا مِثْلَ لَهُ، وأنَّهُ لا يُحْتاجُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّنْبِيهِ إلى تَأمُّلٍ كَبِيرٍ قالَ: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ فَأدْغَمَ تاءَ التَّفَعُّلِ الدّالَّةَ عَلى العِلاجِ والِاجْتِهادِ والعَمَلِ فَصارَ: فَتَكُونُوا عِنْدَ (p-٤٧٦)مِن يَنْظُرُ ذَلِكَ حَقَّ النَّظَرِ عَلى الرَّجاءِ مِن أنْ يَتَذَكَّرُوا قَلِيلًا مِنَ التَّذَكُّرِ فَيَهْدِيَكم إلى سَواءِ السَّبِيلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب