الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَهم أنَّهم قالُوا عَنْ غَيْرِ تَأمُّلٍ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مُوَبِّخًا لَهم دالًّا عَلى صِحَّةِ ما أنْكَرُوهُ وفَسادِ إنْكارِهِمْ بِقَوْلِهِ، مُسَبِّبًا عَنْ عَجَلَتِهِمْ إلى الباطِلِ: ﴿أفَلَمْ يَنْظُرُوا﴾ أيْ: بِعَيْنِ البَصَرِ والبَصِيرَةِ ﴿إلى السَّماءِ﴾ أيِ: المُحِيطِ بِهِمْ وبِالأرْضِ الَّتِي هم عَلَيْها. ولَمّا كانَ هَذا اللَّفْظُ يُطْلَقُ عَلى كُلِّ ما عَلا مِن سَقْفٍ وسَحابٍ وغَيْرِهِ وإنْ كانَ ظاهِرًا في السَّقْفِ المُكَوْكَبِ (p-٤٠٨)حَقَّقَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَوْقَهُمْ﴾ فَإنَّ غَيْرَهم إنَّما هو فَوْقَ ناسٍ مِنهم لا فَوْقَ الكُلِّ. ولَمّا كانَ أمْرُها عَجَبًا، فَهو أهْلٌ لِأنْ يَسْألَ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ دَلَّ عَلَيْهِ بِأداةِ الِاسْتِفْهامِ فَقالَ: ﴿كَيْفَ بَنَيْناها﴾ أيْ: أوْجَدْناها عَلى ما لَنا مِنَ المَجْدِ والعِزَّةِ مَبْنِيَّةً كالخَيْمَةِ إلّا أنَّها مِن غَيْرِ عَمَدٍ ﴿وزَيَّنّاها﴾ أيْ: بِما فِيها مِنَ الكَواكِبِ الصِّغارِ والكِبارِ السَّيّارَةِ والثّابِتَةِ ﴿وما﴾ أيْ: والحالُ أنَّهُ ما ﴿لَها﴾ وأكَّدَ النَّفْيَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن فُرُوجٍ﴾ أيْ: فُتُوقٍ وطاقاتٍ وشُقُوقٍ، بَلْ هي مَلْساءُ مُتَلاصِقَةُ الأجْزاءِ، فَإنْ كانَتْ هَذِهِ الزِّينَةُ مِن تَحْتِها فالَّذِي أوْقَعَ ذَلِكَ عَلى هَذا الإحْكامِ الَّذِي يُشاهِدُونَهُ بِما فِيهِ مِنَ المَنافِعِ والسَّتْرِ الَّذِي لا يَخْتَلُّ عَلى مَرِّ الجَدِيدَيْنِ، فَهو مِنَ القُدْرَةِ بِحَيْثُ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وإنْ كانَتِ الزِّينَةُ مِن فَوْقِها فَكَذَلِكَ، وإنْ كانَ بَعْضُها مِن فَوْقُ وبَعْضُها مِن تَحْتُ فالأمْرُ عَظِيمٌ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ السَّماءَ كُرَةٌ مُجَوَّفَةُ الوَسَطِ مُقَبَّبَةٌ كالبَيْضَةِ؛ فَإنَّ نَفْيَ الفُرُوجِ فِيها عَلى هَذا الوَجْهِ المُؤَكَّدِ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ دَلالَةً ظاهِرَةً، وأفْرَدَ السَّماءَ ولَمْ يَجْمَعْ؛ لِأنَّ بِناءَها عَلى ما ذُكِرَ وإنْ كانَتْ واحِدَةً يَدُلُّ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ؛ فَإنَّ البِناءَ المُجَوَّفَ لا يُمْكِنُ بانِيهِ إكْمالُ بِنائِهِ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهُ فُرُوجٌ، وإنِ اخْتَلَّ ذَلِكَ كانَ مَوْضِعُ الوَصْلِ ظاهِرًا لِلرّائِينَ ما فِيهِ مِن فُتُورٍ وشُقُوقٍ وقُصُورٍ وما يُشْبِهُ ذاكَ، ولَمْ يُمْكِنْهُ مَعَ ذَلِكَ الخُرُوجُ مِنهُ، (p-٤٠٩)إنْ كانَ داخِلَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلى حِفْظِ خارِجِهِ، وإنْ كانَ خارِجَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِن حِفْظِ داخِلِهِ، وهَذا الكَوْنَ مَحْفُوظٌ مِن ظاهِرِهِ وباطِنِهِ، فَعُلِمَ أنَّ صانِعَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الِاتِّصافِ بِما تُحِيطُ بِهِ العُقُولُ بِكَوْنِهِ داخِلَ العِلْمِ أوْ خارِجَهُ أوْ مُتَّصِلًا بِهِ أوْ مُنْفَصِلًا [عَنْهُ]، أوْ مُحْتاجًا في الصَّنْعَةِ إلى إلَهٍ أوْ في الحِفْظِ إلى ظَهِيرٍ أوْ مُعِينٍ، وجَمَعَ الفَرْجَ لِلدَّلالَةِ عَلى إرادَةِ الجِنْسِ بِالسَّماءِ بَعْدَ ما أفادَهُ إفْرادُ لَفْظِها، فَيَدُلُّ الجَمْعُ مَعَ إرادَةِ الجِنْسِ عَلى التَّوْزِيعِ، مَعَ الإفْهامِ إلى أنَّ البانِيَ لَوِ احْتاجَ في هَذا الخَلْقِ الواسِعِ الأطْرافِ المُتَباعِدِ الأكْنافِ إلى فَرْجٍ واحِدٍ لاحْتاجَ إلى فُرُوجٍ كَثِيرَةٍ.
فَإنَّ هَذا الجِرْمَ الكَبِيرَ لا يَكْفِي فِيهِ فَرْجٌ واحِدٌ لِمَن يَحْتاجُ إلى الحَرَكَةِ، فَنَزَّلَ كَلامَ العَلِيمِ الخَبِيرِ عَلى مِثْلِ هَذِهِ المَعانِي، ولا يُظَنُّ أنَّهُ غَيَّرَتْ فِيهِ صَنْعَةٌ مِنَ الصُّنَعِ لِأجْلِ الفاصِلَةِ فَقَطْ؛ فَإنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا مِن مُحْتاجٍ، واللَّهُ مُتَعالٍ عَنْ ذَلِكَ، ويَجُوزُ -وهُوَ أحْسَنُ- أنْ يُرادَ بِالفُرُوجِ قابِلِيَّةُ الإنْباتِ لِتَكُونَ -مِثْلِ الأرْضِ- يَتَخَلَّلُها المِياهُ فَيَمْتَدُّ فِيها عُرُوقُ الأشْجارِ والنَّباتِ وتَظْهَرُ مِنها، وأنْ يُرادَ بِها الخَلَلُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ فارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرى مِن فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣] أيْ: خَلَلٍ واخْتِلافٍ وفَسادٍ، وهو لا يَنْفِي الأبْوابَ والمَصاعِدَ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"أَفَلَمۡ یَنظُرُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَوۡقَهُمۡ كَیۡفَ بَنَیۡنَـٰهَا وَزَیَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











