الباحث القرآني

ولَمّا أقامَ سُبْحانَهُ الأدِلَّةَ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ وشُمُولِ عِلْمِهِ وخَتَمَ بِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ واخْتِصاصِهِ بِهِ، وصَلَ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ بِتَهْدِيدِهِمْ عَلى تَكْذِيبِهِمْ بِالعِلْمِ الَّذِي هو أعْظَمُ التَّهْدِيدِ فَقالَ: ﴿نَحْنُ﴾ أيْ: لا غَيْرُنا ولا هم أنْفُسُهم ﴿أعْلَمُ﴾ أيْ: مِن كُلِّ مَن يُتَوَهَّمُ فِيهِ العِلْمُ ﴿بِما يَقُولُونَ﴾ أيْ: في الحالِ والِاسْتِقْبالِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالبَعْثِ وغَيْرِهِ مَعَ إقْرارِهِمْ بِقُدْرَتِنا. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَنَحْنُ قادِرُونَ عَلى رَدِّهِمْ عَنْهُ بِما لَنا مِنَ العِلْمِ المُحِيطِ وأنْتَ لَهم مُنْذِرٌ تُنْذِرُهم وبالَ ذَلِكَ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وما أنْتَ عَلَيْهِمْ﴾ (p-٤٤٣)ولَمّا أفادَ حَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ القَهْرَ والغَلَبَةَ صَرَّحَ بِهِ مُؤَكَّدًا في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿بِجَبّارٍ﴾ أيْ: مُتَكَبِّرٍ قَهّارٍ عاتٍ تَرُدُّهم قَهْرًا عَمّا تَكْرَهُ مِنهم مِنَ الأقْوالِ والأفْعالِ، إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ، ولَمّا نَفى عَنْهُ الجَبَرُوتَ، أثْبَتَ لَهم ما أفْهَمَهُ واوُ العَطْفِ مِنَ النِّذارَةِ كَما قَدَّرْتُهُ قَبْلَهُ، فَقالَ مُسَبِّبًا عَنْهُ مُعَبِّرًا بِالتَّذْكِيرِ الَّذِي يَكُونُ عَنْ نِسْيانٍ؛ لِأنَّ كُلَّ ما في القُرْآنِ مِن وعْظٍ إذا تَأمَّلَهُ الإنْسانُ وجَدَهُ شاهِدًا في نَفْسِهِ أوْ فِيما يَعْرِفُهُ مِنَ الآفاقِ ﴿فَذَكِّرْ﴾ أيْ: بِطَرِيقِ البِشارَةِ والنِّذارَةِ ﴿بِالقُرْآنِ﴾ أيِ: الجامِعِ بِمَجْدِهِ لِكُلِّ خَيْرٍ، المُحِيطِ كُلَّ صَلاحٍ ﴿مَن يَخافُ وعِيدِ﴾ أيْ: يُمْكِنُ خَوْفُهُ، وهو كُلُّ عاقِلٍ، ولَكِنَّهُ ساقَهُ هَكَذا إعْلامًا بِأنَّ الَّذِي يَخافُ بِالفِعْلِ فَيَكْشِفُ الحالُ عَنْ إسْلامِهِ هو المَقْصُودُ بِالذّاتِ، وغَيْرُهُ إنَّما يُقْصَدُ لِإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ لا لَدَدُهُ ولا يُؤْسَفُ عَلَيْهِ ولا يُتَأثَّرُ بِتَكْذِيبِهِ بَلْ يُعْتَقَدُ أنَّهُ عَدَمٌ لا تَضُرُّ عَداوَتُهُ ولا تَنْفَعُ وِلايَتُهُ، وما آذى إلّا نَفْسَهُ وكُلَّ مَن والاهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهَذا هو المَجْدُ لِلْقُرْآنِ ولِمَن أنْزَلَهُ ولِمَن أتى بِهِ عَنْهُ بِتَمامِ قُدْرَةٍ، مَن هو صِفَتُهُ وشُمُولُ عِلْمِهِ، فَقَدِ انْعَطَفَ هَذا الآخَرُ عَلى [ذَلِكَ] الأوَّلِ أشَدَّ انْعِطافٍ، والتَفَّتْ فُرُوعُهُ بِأصْلِهِ أتَمَّ التِفافٍ، فاعْتَرَفَتْ بِهِ [أُولُو] بَراعَةٍ وأهْلُ الإنْصافِ [والِاتِّصافِ] بِالتَّقَدُّمِ في كُلِّ صِناعَةٍ بِالسَّبْقِ الَّذِي لا يُمْكِنُ لَحاقُهُ أيَّ اعْتِرافٍ. واللَّهُ الهادِي لِلصَّوابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب