الباحث القرآني
(p-٣٩٦)سُورَةُ ”ق“ وتُسَمّى الباسِقاتِ
مَقْصُودُها تَصْدِيقُ النَّبِيِّ ﷺ في الرِّسالَةِ الَّتِي مُعْظَمُها الإنْذارُ وأعْظَمُهُ الإعْلامُ بِيَوْمِ الخُرُوجِ بِالدَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ بَعْدَ الآياتِ المَسْمُوعَةِ الغَنِيَّةِ بِإعْجازِها عَنْ تَأْيِيدٍ بِالآياتِ المَرْئِيَّةِ الدّالَّةِ قَطْعًا عَلى الإحاطَةِ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ، وأحْسَنُ مِن هَذا أنْ يُقالَ: مَقْصُودُها الدَّلالَةُ عَلى إحاطَةِ القُدْرَةِ الَّتِي هي نَتِيجَةُ ما خُتِمَتْ بِهِ الحُجُراتُ مِن إحاطَةِ العِلْمِ لِبَيانِ أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ البَعْثِ لِيَوْمِ الوَعِيدِ، فَتَكْتَنِفُ هَذِهِ الإحاطَةُ بِما يَحْصُلُ مِنَ الفَضْلِ بَيْنَ العِبادِ بِالعَدْلِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو سِرُّ الوُجُودِ وذَلِكَ هو نَتِيجَةُ مَقْصُودِ البَقَرَةِ، والَّذِي تَكَفَّلَ بِالدَّلالَةِ عَلى هَذا كُلِّهِ ما شُوهِدَ مِن إحاطَةِ [مَجْدِ] القُرْآنِ بِإعْجازِهِ في بُلُوغِهِ في كُلٍّ مِن جَمِيعِ المَعانِي وعُلُوِّ التَّراكُبِ وجَلالَةِ المُفْرَداتِ وتَلازُمِ الحُرُوفِ وتَناسُبِ النَّظْمِ ورَشاقَةِ الجَمْعِ وحَلاوَةِ التَّفْضِيلِ إلى حَدٍّ لا تُطِيقُهُ القُوى، ومِن إحاطَةِ أوْصافِ الرَّسُولِ الَّذِي اخْتارَهُ سُبْحانَهُ لِإبْلاغِ هَذا الكِتابِ في الخَلْقِ، وما شُوهِدَ مِن إحاطَةِ القُدْرَةِ بِما هَدى إلَيْهِ القُرْآنُ مِن آياتِ الإيجادِ والإعْدامِ، وعَلى كُلٍّ مِنَ الِاحْتِمالَيْنِ دَلَّ اسْمُها ”ق“ لِما في آياتِهِ مِن إثْباتِ المَجْدِ بِهَذا الكِتابِ، والمَجْدُ هو الشَّرَفُ والكَرَمُ (p-٣٩٧)والرِّفْعَةُ والعُلُوُّ، وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا والآتِي بِهِ كَذَلِكَ، وهو مُلازِمٌ لِصِدْقِهِ في جَمِيعِ ما أتى بِهِ، ولِلْقافِ وحْدَها أتَمُّ دَلالَةٍ عَلى ذَلِكَ، أوَّلًا بِمَخْرَجِها فَإنَّهُ مِن أصْلِ اللِّسانِ مِمّا يَلِي الحَلْقَ ويُحاذِيهِ مِنَ الحَنَكِ الأعْلى؛ فَإنَّ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّ مَقْصُودَ السُّورَةِ الأصْلُ والعُلُوُّ، وكُلٌّ مِنها دالٌّ عَلى الصِّدْقِ دَلالَةً قَوِيَّةً؛ فَإنَّ الأصْلَ في وضْعِ الخَبَرِ الصِّدْقُ، ودَلالَتُهُ عَلى الكَذِبِ وضْعِيَّةٌ لا عَقْلِيَّةٌ، وهي أيْضًا مُحِيطَةٌ بِاسْمِها أوْ مُسَمّاها بِالمَخارِجِ الثَّلاثِ، والإحاطَةُ بِالحَقِّ لا تَكُونُ إلّا مَعَ العُلُوِّ، وهو لا يَكُونُ إلّا مَعَ الصِّدْقِ، ولِإحاطَتِها سُمِّيَ بِها الجَبَلُ المُحِيطُ بِالأرْضِ، هَذا بِمَخْرَجِها، وأمّا صِفَتُها فَإنَّها عَظِيمَةٌ في ذَلِكَ؛ فَإنَّ لَها الجَهْرَ والشِّدَّةَ والِانْفِتاحَ والِاسْتِعْلاءَ والقَلِقَةَ، وكُلٌّ مِنها ظاهِرُ الدَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ جِدًّا، وأدَلُّ ما فِيها مِنَ المَخْلُوقاتِ عَلى هَذا المَقْصِدِ النَّخْلُ؛ لِما انْفَرَدَتْ بِهِ عَمّا شارَكَها مِنَ النَّباتِ بِالإحاطَةِ بِالطُّولِ وكَثْرَةِ المَنافِعِ؛ فَإنَّها جامِعَةٌ لِلتَّفَكُّهِ بِالقَلْبِ ثُمَّ الطَّلْعِ ثُمَّ البُسْرِ ثُمَّ الرُّطَبِ وبِالِاقْتِياتِ بِالتَّمْرِ وبِالخَشَبِ والحَطَبِ والقَطا والخُوصِ النّافِعِ لِلِافْتِراشِ واللِّيفِ النّافِعِ لِلْحِبالِ، ودُونَ ذَلِكَ وأعْلاهُ مِنَ الخِلالِ، هَذا مَعَ كَثْرَةِ مُلابَسَةِ العَرَبِ الَّذِينَ هم أوَّلُ مَدْعُوٍّ بِهَذا الكِتابِ الذِّكْرِ لَها ومَعْرِفَتُهم بِخَواصِّها، وأدُلُّ ما فِيها الطُّولُ مَعَ أنَّهُ لَيْسَ لِعُرُوقِها مِنَ الِامْتِدادِ في الأرْضِ والتَّمَكُّنِ ما لِغَيْرِها، ومِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ كافٍ في العادَةِ في الإمْساكِ عَنِ السُّقُوطِ وكَثْرَةِ الحَمْلِ وعِظَمِ الإفْناءِ وتَناضُدِ الثَّمَرِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَتْ سُورَةَ الباسِقاتِ لا النَّخْلِ.
(p-٣٩٨)”بِسْمَ اللَّهِ“ الَّذِي مِن إحاطَةِ حَمْدِهِ بَيانُهُ ما لِنَبِيِّهِ ﷺ مِن إحاطَةِ الحَمْدِ، ولِقُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ مِنَ الإحاطَةِ الَّتِي لَيْسَ لَها حَدٌّ. ”الرَّحْمَنِ“ الَّذِي عَمَّ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ حِينَ أرْسَلَ إلَيْهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ بِشَرائِعِهِ، فَهو أصْدَقُ العِبادِ، وأظْهَرَ بِعَظِيمِ مُعْجِزاتِهِ أنَّ قُدْرَتَهُ ما لَها مِن نَفادٍ. ”الرَّحِيمِ“ الَّذِي خَصَّ بِالفَوْزِ في دارِ القَرارِ أهْلَ الرِّغادِ.
* * *
لَمّا خَتَمَ سُبْحانَهُ الحُجُراتِ بِإحاطَةِ العِلْمِ قالَ أوَّلَ هَذِهِ: ﴿ق﴾ إشارَةً إلى أنَّهُ هو سُبْحانَهُ وحْدَهُ المُحِيطُ عِلْمًا وقُدْرَةً بِما لَهُ مِنَ العُلُوِّ والشِّدَّةِ والقُوَّةِ القَيُّومِيَّةِ والقَهْرِ ونافِذِ القَضاءِ والفَتْحِ لِما أرادَ مِنَ المُغْلَقاتِ، بِما أشارَتْ إلَيْهِ القافُ بِصِفاتِها وأظْهَرَتْهُ بِمَخْرَجِها المُحِيطِ بِما جَمَعَهُ مُسَمّاها مِنَ المَخارِجِ الثَّلاثِ: الحَلْقِ واللِّسانِ والشِّفاهِ.
وقَدْ قالَ الأُسْتاذُ أبُو الحَسَنِ الحَرالِّيُّ في سِرِّ افْتِتاحِ المُفَصَّلِ بِهَذا الحَرْفِ فَقالَ في آخِرِ كِتابِهِ في هَذا الحَرْفِ: اعْلَمْ أنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مَثانِيَ، ضِمْنَ ما عَدا المُفَصَّلَ مِنهُ الَّذِي هو مِن قافٍ إلى آخِرِ الكِتابِ العَزِيزِ وفاتِحَةِ ما يَخْتَصُّ بِأُولِي العِلْمِ والفِقْهِ مِن مَبْسُوطاتِ الحِكَمِ ومُحْكَماتِ الأحْكامِ ومُطَوَّلاتِ الأقاصِيصِ، ومُتَشابِهِ الآياتِ، والسُّورَةِ المُفْتَتَحَةِ بِالحُرُوفِ الكُلِّيَّةِ لِلْإحاطَةِ لِغَيْبِيَّةِ المُتَهَجّى المُسْنَدَةِ إلى آحادِ الأعْدادِ، فَلِعُلُوِّ رُتْبَةِ إيرادِهِ وطُولِهِ ثَنّى الحَقُّ سُبْحانَهُ الخِطابَ وانْتَظَمَهُ في سُوَرٍ كَثِيرَةِ العَدَدِ يَسِيرَةِ عَدَدِ الآيِ قَصِيرَةٍ مِقْدارُها، ذَكَرَ فِيها مِن أطْرافِ القِصَصِ والمَواعِظِ والأحْكامِ والثَّناءِ وأمْرِ الجَزاءِ ما يَلِيقُ بِسَماعِ العامَّةِ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ (p-٣٩٩)سَماعُهُ ولِيَأْخُذُوا بِحَظٍّ مِمّا أخَذَهُ الخاصَّةُ ولِيُكَرِّرَ عَلى أسْماعِهِمْ في قِراءَةِ الأئِمَّةِ لَهُ في الصَّلَواتِ المَفْرُوضَةِ الَّتِي لا مَندُوحَةَ لَهم عَنْها ما يَكُونُ لَهم خَلَفًا مِمّا يَعُولُهم مِن مَضْمُونِ سائِرِ السُّوَرِ المُطَوَّلاتِ، فَكانَ أحَقُّ ما افْتَتَحَ بِهِ مُفَصَّلَهم حَرْفَ ”ق“ الَّذِي هو وتْرُ الآحادِ، والظّاهِرُ مِنها مَضْمُونُ ما يَحْتَوِي عَلَيْهِ مِمّا افْتُتِحَ بِألِفْ لامْ مِيمْ، وكَذَلِكَ كانَ ﷺ يُكْثِرُ أنْ يَقْرَأ في خُطْبَةِ يَوْمِ الجُمْعَةِ إلَيْهِمْ لِأنَّها صَلاةٌ جامِعَةُ الظّاهِرِ بِفاتِحَةِ المُفَصَّلِ الخاصِّ بِهِمْ، وفي مَضْمُونِها مِن مَعْنى القُدْرَةِ والقَهْرِ المُحْتاجِ إلَيْهِ في إقامَةِ أمْرِ العامَّةِ ما فِيهِ كِفايَةٌ، وشُفِعَتْ بِسُورَةِ المُطَهِّرَةِ فَخُصُّوا بِما فِيهِ القَهْرُ والإنابَةُ، واخْتُصِرَتْ سُورَةُ نُونٍ مِن مُقْتَضى العِلْمِ بِما هو مُحِيطٌ بِأمْرِ العامَّةِ المُنْتَهِي إلى غايَةِ الذِّكْرِ الشّامِلِ لِلْعالَمِينَ.
ولَمّا كانَ جَمِيعُ السُّوَرِ المُفْتَتَحَةِ بِالحُرُوفِ المُتَضَمِّنَةِ لِلْمَراتِبِ التِّسْعِ، والعاشِرِ الجامِعِ قِوامًا وإحاطَةً في جَمِيعِ القُرْآنِ، ولِذَلِكَ كانَتْ سُورَةُ قافٍ وسُورَةُ ”ن“ قِوامًا خاصًّا وإحاطَةً خاصَّةً بِما يَخُصُّ العامَّةَ مِنَ القُرْآنِ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمُ الأرْضُ بِما أحاطَ بِظاهِرِها مِن صُورَةِ جَبَلِ قافٍ، وما أحاطَ بِباطِنِها مِن صُورَةِ حَيَوانِ ”نُونٍ“ الَّذِي تَمامُ أمْرِهِمْ بِما بَيْنَ مَدَدَيْ إقامَتِها ولِهَذِهِ السُّورَةِ المُفْتَتَحَةِ بِالحَرْفِ ظَهَرَ اخْتِصاصُ القُرْآنِ وتَمَيُّزُهُ عَنْ سائِرِ الكُتُبِ لِتَضَمُّنِها الإحاطَةَ الَّتِي لا تَكُونُ إلّا بِما لِلْخاتَمِ الجامِعِ، واقْتَرَنَ بِها مِنَ التَّفْضِيلِ في سُوَرِها ما يَلِيقُ بِإحاطَتِها، ولِإحاطَةِ مَعانِيها (p-٤٠٠)وإتْمامِها كانَ كُلُّ ما فُسِّرَتْ بِهِ مِن مَعْنًى يَرْجِعُ إلى مُقْتَضاها، فَهو صَحِيحٌ في إحاطَتِها ومَنزِلِها مِن أسْماءِ اللَّهِ وتَرَتُّبِها في جَمِيعِ العَوالِمِ، فَلا يُخْطِئُ فِيها مُفَسِّرٌ لِذَلِكَ؛ لِأنَّهُ كُلَّما قَصَدَ وجْهًا مِنَ التَّفْسِيرِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ إحاطَةِ ما تَقْتَضِيهِ، ومَهْما فُسِّرَتْ بِهِ مِن [أنَّها مِن] أسْماءِ اللَّهِ تَعالى أوْ مِن أسْماءِ المَلائِكَةِ أوْ مِن أسْماءِ الأنْبِياءِ أوْ مِن مِثْلِ الأشْياءِ، وصُوَرِ المَوْجُوداتِ أوْ مِن أنَّها أقْسامٌ أقْسَمَ بِها، أوْ فَواتِحُ عُرِفَتْ بِها السُّوَرُ، أوْ أعْدادٌ تَدُلُّ عَلى حَوادِثَ وحُظُوظٍ مِن ظاهِرِ الأمْرِ أوْ باطِنِهِ عَلى اخْتِلافِ رُتَبٍ وأحْوالٍ مِمّا أُعْطِيَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ مِن مِقْدارِ أمَدِ الخِلافَةِ والمُلْكِ والسَّلْطَنَةِ وما يَنْتَهِي إلَيْهِ أمْرُهُ مِن ظُهُورِ الهِدايَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يُحِيطُ بِأمَدِ يَوْمِهِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وكُلٌّ داخِلٌ في إحاطَتِها، ولِذَلِكَ أيْضًا لا تَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ تَلْزَمُهُ عَلامَةُ إعْرابٍ مَخْصُوصَةٌ فَمَهْما قُدِّرَ في مَواقِعِها مِن هَذِهِ السُّورَةِ جَرًّا أوْ نَصْبًا أوْ رَفْعًا، فَتَداخَلَ في إحاطَةِ رُتْبَتِها ولَمْ يَلْزَمْها مَعْنًى خاصٌّ ولا إعْرابٌ خاصٌّ لِما لَمْ يَكُنْ لَها انْتِظامٌ؛ لِأنَّها مُسْتَقِلّاتٌ مُحِيطاتٌ، وإنَّما يَنْتَظِمُ ما يَتِمُّ مَعْنى كُلِّ واحِدٍ مِنَ المُنْتَظِمِينَ بِحُصُولِ الِانْتِظامِ، وذَلِكَ يَخْتَصُّ مِنَ الكَلِمِ بِما يَقْصُرُ عَنْ إحاطَةِ مَضْمُونِ الحُرُوفِ حَتّى أنَّهُ مَتى وقَعَ اسْتِقْلالٌ وإحاطَةٌ في (p-٤٠١)كَلِمَةٍ لَمْ يَقَعْ فِيها انْتِظامٌ.
ولَمّا أشارَ سُبْحانَهُ إلى هَذِهِ الإحاطَةِ بِالقافِ، أقْسَمَ عَلى ذَلِكَ قَسَمًا هو في نَفْسِهِ دالٌّ عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿والقُرْآنِ﴾ أيِ: الكِتابِ الجامِعِ الفارِقِ ﴿المَجِيدِ﴾ الَّذِي لَهُ العُلُوُّ والشَّرَفُ والكَرَمُ والعَظَمَةُ عَلى كُلِّ كَلامٍ، والجَوابُ أنَّهم لَيَعْلَمُونَ ما أشارَتْ إلَيْهِ القافُ مِن قُوَّتِي وعَظَمَتِي وإحاطَةِ عِلْمِي وقُدْرَتِي، وما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ مِنَ المَجْدِ بِإعْجازِهِ واشْتِمالِهِ عَلى جَمِيعِ العَظَمَةِ، ولَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا مِن ذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ، ومَجِيدِ القُرْآنِ كَما تَقَدَّمَ في أثْناءِ الفاتِحَةِ ما جَرَّبْتَ أحْكامَهُ مِن بَيْنِ عاجِلِ ما شَهِدَ وآجِلِ ما عُلِمَ بِعِلْمِ ما شُهِدَ، وكانَ مَعْلُومًا بِالتَّجْرِبَةِ المُتَيَقَّنَةِ بِما تَواتَرَ مِنَ القَصَصِ الماضِي، وما شَهِدَ مِنَ الأثَرِ الحاضِرِ وما يَتَجَدَّدُ مَعَ الأوْقاتِ مِن أمْثالِهِ وأشْباهِهِ، وإذا تَأمَّلْتَ السُّورَةَ وجَدْتَ آيَها المُنَزَّلَةَ عَلى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ ذَكَّرَهم [فِيها] ما يَعْلَمُونَ مِن خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ [وما فِيهِما] ومِن مَصارِعِ الأوَّلِينَ وكَذا السُّورَةُ الماضِيَةُ ولا سِيَّما آخِرُها المُشِيرُ إلى أنَّهُ أدْخَلَ عَلى النّاسِ الإيمانَ بِرَجُلٍ واحِدٍ غَلَبَهم بِمَجْدِهِ وإعْجازِهِ لِمَجْدِ مُنْزِلِهِ بِقُدْرَتِهِ وإحاطَةِ عِلْمِهِ، واللَّهُ الهادِي، ومَن أحاطَ عِلْمًا بِمَعانِيهِ وعَمِلَ ما فِيهِ مُجِّدَ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ النّاسِ.
(p-٤٠٢)وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا كانَتْ سُورَةُ الفَتْحِ قَدِ انْطَوَتْ عَلى جُمْلَةٍ مِنَ الألْطافِ الَّتِي خَصَّ اللَّهُ بِها عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ كَذِكْرِهِ تَعالى أُخُوَّتَهم وأمَرَهم بِالتَّثَبُّتِ عِنْدَ غائِلَةِ مُعْتَدٍ فاسِقٍ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ [الحجرات: ٦] الآيَةَ. وأمَرَهم بِغَضِّ الأصْواتِ عِنْدَ نَبِيِّهِمْ وأنْ لا يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْهِ ولا يُعامِلُوهُ في الجَهْرِ بِالقَوْلِ كَمُعامَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وأمَرَهم بِاجْتِنابِ كَثِيرٍ مِنَ الظَّنِّ ونَهْيِهِمْ عَنِ التَّجَسُّسِ والغِيبَةِ، وأمَرَهم بِالتَّواضُعِ في قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾ [الحجرات: ١٣] وأخْبَرَهم تَعالى [أنَّ] اسْتِجابَتَهم وامْتِثالَهم هَذِهِ الأوامِرَ لَيْسَتْ بِحَوْلِهِمْ، ولَكِنْ بِفَضْلِهِ وإنْعامِهِ، فَقالَ: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ وزَيَّنَهُ في قُلُوبِكم وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ﴾ [الحجرات: ٧] الآيَتَيْنِ. ثُمَّ أعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧] الآيَةَ. لِيَبِينَ أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِيَدِهِ ومِن عِنْدِهِ، أراهم سُبْحانَهُ حالَ مَن قَضى عَلَيْهِ الكُفْرَ ولَمْ يُحَبِّبْ إلَيْهِ الإيمانَ ولا زَيَّنَهُ في قَلْبِهِ، بَلْ جَعَلَهُ في طَرَفٍ مِن حالِ مَن أمَرَ ونَهى في سُورَةِ الحُجُراتِ مَعَ المُساواةِ في الخَلْقِ وتَماثُلِ الأدَواتِ فَقالَ تَعالى: ﴿والقُرْآنِ المَجِيدِ﴾ ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ [ق: ٢] الآياتِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى وُضُوحَ الأدِلَّةِ ﴿أفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّماءِ فَوْقَهُمْ﴾ [ق: ٦] الآياتِ. ثُمَّ ذَكَرَ حالَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كانَ عَلى رَأْيِهِمْ ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ﴾ [ق: ١٢] لِيَتَذَكَّرَ بِمَجْمُوعِ هَذا مَن قُدِّمَ ذِكْرُهُ بِحالِهِ [و] (p-٤٠٣)أمْرِهِ ونَهْيِهِ في سُورَةِ الحُجُراتِ، ويَتَأدَّبَ المُؤْمِنُ بِآدابِ اللَّهِ ويَعْلَمَ أنَّ ما أصابَهُ مِنَ الخَيْرِ فَإنَّما هو مِن فَضْلِ رَبِّهِ وإحْسانِهِ، ثُمَّ التَحَمَتِ الآيُ إلى قَوْلِهِ خاتِمَةَ السُّورَةِ: ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وما أنْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [ق: ٤٥] الآياتِ. انْتَهى.
{"ayah":"قۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











