الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ (تَعالى) بِفَسادِ أعْمالِهِمْ؛ دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - مُسْتَفْتِحًا؛ مُبَيِّنًا مِن حالِ النَّصارى ما بَيَّنَ مِن حالِ اليَهُودِ؛ ومُؤَكِّدًا لَخَتْمِ آيَةِ التَّبْلِيغِ بِما يَنْقُضُ دَعْواهم في البُنُوَّةِ؛ والمَحَبَّةِ -: ﴿لَقَدْ كَفَرَ﴾؛ أيْ: سَتَرَ ما دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ؛ وهَدى إلَيْهِ العَقْلُ؛ ﴿الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: عَلى ما لَهُ مِن نُعُوتِ الجَلالِ والجَمالِ؛ ﴿هُوَ المَسِيحُ﴾؛ فَبَيَّنَ بِصِيغَةِ ”فَعِيلٌ“ - الَّتِي لا مانِعَ مِن أنْ تَكُونَ لِلْمَفْعُولِ - بُعْدَهُ عَمّا ادَّعَوْهُ فِيهِ؛ ثُمَّ أوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾؛ إيضاحًا؛ لا خَفاءَ مَعَهُ؛ ولَمّا كانَتْ دَعْوى الِاتِّحادِ؛ الَّذِي هو قَوْلُ اليَعْقُوبِيَّةِ؛ أشَدَّ في الكُفْرِ؛ وأنْفى لِلْإلَهِ مِن دَعْوى التَّثْلِيثِ؛ الَّذِي هو قَوْلُ النَّسْطُورِيَّةِ؛ والمَلَكِيَّةِ؛ القائِلِينَ بِالأقانِيمِ؛ قَدَّمَها؛ وبَيَّنَ (تَعالى) أنَّهم خالَفُوا فِيها أمْرَ المَسِيحِ؛ الَّذِي ادَّعَوْا أنَّهُ الإلَهُ؛ فَقالَ: ﴿وقالَ﴾؛ أيْ: قالُوا هَذا الَّذِي كَفَرُوا بِهِ؛ والحالُ أنَّهُ قالَ لَهُمْ؛ ﴿المَسِيحُ﴾؛ ضَغْطَةً عَلَيْهِمْ؛ ودُعاءً إلى ما هو الحَقُّ؛ ﴿يا بَنِي إسْرائِيلَ﴾؛ أيْ: الَّذِي كانَ يَتَشَرَّفُ بِعِبادَةِ اللَّهِ؛ وتَسْمِيَتِهِ بِأنَّهُ عَبْدُهُ؛ ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أيْ: المَلِكَ الأعْظَمَ؛ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ؛ فَأمَرَهم بِأداءِ الحَقِّ لِأهْلِهِ؛ مُذَكِّرًا لَهم بِعَظْمَتِهِ؛ ثُمَّ ذَكَّرَهم بِإحْسانِهِ؛ وأنَّهُ وإيّاهم في ذَلِكَ شَرْعٌ (p-٢٤٨)واحِدٌ؛ فَقالَ - مُقَدِّمًا لِما يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأنَّهُ أهَمُّ لِإنْكارِهِمْ لَهُ -: ﴿رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾؛ فَلَمْ يُطِيعُوا الإلَهَ الحَقَّ؛ ولا الَّذِي ادَّعَوْهُ إلَهًا؛ فَلا أضَلَّ مِنهُمْ؛ ولا أسْفَهَ؛ قالَ أبُو حَيّانَ؛ في ”النَّهْرُ“: وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ هو مَذْكُورٌ في إنْجِيلِهِمْ؛ يَقْرَؤُونَهُ ولا يَعْمَلُونَ بِهِ؛ وهو قَوْلُ المَسِيحِ: ”يا مَعْشَرَ بَنِي المَعْمُودِيَّةِ - وفي رِوايَةٍ: يا مَعْشَرَ الشُّعُوبِ -؛ قُومُوا بِنا إلى أبِي؛ وأبِيكُمْ؛ وإلى إلَهِي؛ وإلَهِكُمْ؛ ومُخَلِّصِي؛ ومُخَلِّصِكُمْ“؛ انْتَهى.
وقَدْ أسْلَفْتُ أنا في ”آلِ عِمْرانَ“؛ وغَيْرِها؛ عَنِ الإنْجِيلِ كَثِيرًا مِن شَواهِدِ ذَلِكَ؛ ويَأْتِي في هَذِهِ السُّورَةِ؛ وغَيْرِها؛ كَثِيرٌ مِنهُ.
ولَمّا أمَرَهم بِما يُفْهَمُ مِنهُ الإخْلاصُ لِلَّهِ (تَعالى) في العِبادَةِ؛ لِما ذَكَرَ مِن جَلالِهِ؛ وأنَّ ما سِواهُ مَرْبُوبٌ؛ ولِأنَّهُ أغْنى الأغْنِياءِ؛ فَمَن أشْرَكَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِعِبادَةٍ؛ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ مَن يُشْرِكْ﴾؛ أيْ: الآنَ؛ أوْ بَعْدَ الآنَ؛ في زَمَنٍ مِنَ الأزْمانِ؛ ﴿بِاللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي تَفَرَّدَ بِالجَلالِ؛ في عِبادَةٍ؛ أوْ فِيما هو مُخْتَصٌّ بِهِ مِن صِفَةٍ؛ أوْ فِعْلٍ؛ ﴿فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ فَلا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ؛ ﴿عَلَيْهِ الجَنَّةَ﴾؛ أيْ: مَنَعَهُ مِن دُخُولِها؛ مَنعًا عَظِيمًا مُتَحَتَّمًا. (p-٢٤٩)ولَمّا كانَ المَنعُ مِن دارِ السُّعَداءِ مُفْهِمًا لِكَوْنِهِ في دارِ الأشْقِياءِ؛ صَرَّحَ بِهِ؛ فَقالَ: ﴿ومَأْواهُ﴾؛ أيْ: مَحَلُّ سُكْناهُ؛ ﴿النّارُ﴾؛ ولَمّا جَرَتْ عادَةُ الدُّنْيا بِأنَّ مَن نَزَلَ بِهِ ضَيْمٌ يَسْعى في الخَلاصِ مِنهُ بِأنْصارِهِ؛ وأعْوانِهِ؛ نَفى ذَلِكَ - سُبْحانَهُ -؛ مُظْهِرًا لِلْوَصْفِ المُقْتَضِي لِشَقائِهِمْ؛ تَعْلِيلًا؛ وتَعْمِيمًا؛ فَقالَ: ﴿وما لِلظّالِمِينَ﴾؛ أيْ: لَهُمْ؛ لِظُلْمِهِمْ؛ ﴿مِن أنْصارٍ﴾؛ لا بِفِداءٍ؛ ولا بِشَفاعَةٍ؛ ولا مُقاهَرَةٍ بِمُجاهَرَةٍ؛ ولا مُساتَرَةٍ؛ لِأنَّ مَن وضَعَ عَمَلَهُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ فَكانَ ماشِيًا في الظَّلامِ؛ لا تُمْكِنُهُ أصْلًا مُقاوَمَةُ مَن هو في أتَمِّ ضِياءٍ؛ وهَذا عَلى التَّهْدِيدِ عَلى الكُفْرِ؛ فَلا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ عَلى مُطْلَقِ المَعْصِيَةِ؛ ولَوْ كانَتْ كَبِيرَةً؛ فَبَطَلَ قَوْلُ المُعْتَزِلَةِ.
{"ayah":"لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِیحُ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق