الباحث القرآني

ولَمّا كانَ في هَذِهِ المَأْمُوراتِ؛ والمَنهِيّاتِ؛ خُرُوجٌ عَنِ المَأْلُوفاتِ؛ وكانَتِ الصَّلاةُ أوْثَقَ عُرى الدِّينِ؛ وكانَ قَدْ عَبَّرَ عَنْها بِالإيمانِ؛ الَّذِي هو أصْلُ الدِّينِ؛ وأساسُ الأعْمالِ؛ عَطَفَ عَلَيْها قَوْلَهُ - تَذْكِيرًا بِما يُوجِبُ القَبُولَ والِانْقِيادَ -: ﴿واذْكُرُوا﴾؛ أيْ ذِكْرَ اتِّعاظٍ؛ وتَأمُّلٍ؛ واعْتِبارٍ. ولَمّا كانَ المَقْصُودُ مِنَ الإنْعامِ غايَتَهُ؛ قالَ: ﴿نِعْمَةَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْلى؛ ﴿عَلَيْكُمْ﴾؛ أيْ في هِدايَتِهِ لَكم إلى الإسْلامِ؛ بَعْدَ أنْ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ؛ فَأنْقَذَكم مِنها؛ وفي غَيْرِ ذَلِكَ مِن جَمِيعِ النِّعَمِ؛ وإنَّما (p-٣٩)لَمْ تُجْمَعْ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّ المَقْصُودَ تَعْدادُ النِّعَمِ؛ لا النَّدْبُ إلى الشُّكْرِ؛ بِتَأمُّلِ أنَّ هَذا الجِنْسَ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ - سُبْحانَهُ -؛ وعَظَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَما يَسْتَحِقُّهُ؛ بِجَعْلِ فِعْلِهِ - سُبْحانَهُ - فِعْلَهُ ﷺ فَقالَ: ﴿ومِيثاقَهُ﴾؛ أيْ عَقْدَهُ الوَثِيقَ؛ ﴿الَّذِي واثَقَكم بِهِ﴾؛ أيْ بِواسِطَةِ رَسُولِهِ ﷺ؛ حِينَ بايَعَكم لَيْلَةَ العَقَبَةِ عَلى السَّمْعِ؛ والطّاعَةِ؛ في العُسْرِ؛ واليُسْرِ؛ والمَنشَطِ والمَكْرَهِ؛ ﴿إذْ﴾؛ أيْ: حِينَ؛ ﴿قُلْتُمْ سَمِعْنا وأطَعْنا﴾؛ وفي ذَلِكَ تَحْذِيرٌ مِن مِثْلِ ما أرادَ بِهِمْ شَأْسُ بْنُ قَيْسٍ؛ وتَذْكِيرٌ بِما أوْجَبَ لَهُ ﷺ عَلَيْهِمْ؛ مِنَ الشُّكْرِ بِهِدايَتِهِ لَهم إلى الإسْلامِ؛ المُثْمِرِ لِالتِزامِ تِلْكَ العُهُودِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ؛ المُوجِبَهِ لِلْوَفاءِ المَوْعُودِ عَلَيْهِ الجَنَّةُ؛ والتِفاتٌ إلى قَوْلِهِ - أوَّلَ السُّورَةِ -: ﴿أوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]؛ وحَدِيثُ إسْباغِ الوُضُوءِ عَلى المَكارِهِ مُبَيِّنٌ لِحُسْنِ هَذا التَّناسُبِ. ولَمّا كانَ أمْرُ الوَفاءِ بِالعَهْدِ صَعْبًا؛ لا يَقُومُ بِهِ إلّا مَن صَدَقَتْ عَرِيقَتُهُ؛ وصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ؛ وإنَّما يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَخافَةُ اللَّهِ؛ قالَ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ أيْ: اجْعَلُوا بَيْنَكم وبَيْنَ ما يُغْضِبُ المَلِكَ الأعْظَمَ؛ الَّذِي يَفْعَلُ ما يَشاءُ؛ مِن نَقْضِ العَهْدِ وِقايَةً مِن حُسْنِ القِيامِ؛ لِتَكُونُوا في أعْلى دَرَجاتِ وعْيِهِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ؛ مُرَغِّبًا؛ مُرَهِّبًا؛ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ؛ ﴿عَلِيمٌ﴾؛ أيْ: بالِغُ العِلْمِ؛ ﴿بِذاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أيْ: أحْوالِها؛ مِن سَرائِرِها؛ (p-٤٠)- وإنْ كانَ صاحِبُها لَمْ يَعْلَمْها؛ لِكَوْنِها لَمْ تَبْرُزْ إلى الوُجُودِ -؛ وعَلانِيَتَها - وإنْ كانَ صاحِبُها قَدْ نَسِيَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب