الباحث القرآني

ولَمّا أمَرَ - سُبْحانَهُ - بِالتَّبْلِيغِ العامِّ؛ أمَرَهُ بِنَوْعٍ مِنهُ عَلى وجْهٍ يُؤَكِّدُ ما خُتِمَتْ بِهِ آيَةُ التَّبْلِيغِ مِن عَدَمِ الهِدايَةِ لِمَن حَتَّمَ بِكُفْرِهِ؛ ويُبْطِلُ - مَعَ تَأْكِيدِهِ - هَذِهِ الدَّعْوى؛ قَوْلَهُمْ: نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ؛ فَقالَ - مُرَهِّبًا لَهُمْ؛ بَعْدَ ما تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْغِيبِ في إقامَتِهِ -: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ﴾؛ (p-٢٣٩)؛ أيْ: مِنَ اليَهُودِ؛ والنَّصارى؛ ﴿لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ﴾؛ أيْ: سارٍّ؛ أوْ يُعْتَدُّ بِهِ؛ مِن دُنْيا ولا آخِرَةٍ؛ لِأنَّهُ لِعَدَمِ نَفْعِهِ لِبُطْلانِهِ لا يُسَمّى شَيْئًا أصْلًا؛ ﴿حَتّى تُقِيمُوا﴾؛ أيْ: بِالعَمَلِ بِالقَلْبِ؛ والقالَبِ؛ ﴿التَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾؛ وما فِيهِما مِنَ الإيمانِ بِعِيسى؛ ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِالإشارَةِ إلى كُلٍّ مِنهُما بِالخُصُوصِ؛ بِنَحْوِ ما تَقَدَّمَ في الإشْراقِ مِن ساعِيرَ؛ والظُّهُورِ مِن فارانَ؛ وبِالإشارَةِ بِالعُمُومِ إلى تَصْدِيقِ كُلِّ مَن أتى بِالمُعْجِزِ؛ وصَدَّقَ ما قَبْلَهُ مِن مِنهاجِ الرُّسُلِ؛ ﴿وما أُنْـزِلَ﴾؛ ولَمّا كانَ ما عِنْدَهم إنَّما أُوتِيَ إلَيْهِمْ بِواسِطَةِ الأنْبِياءِ؛ عَدّاهُ بِحَرْفِ الغايَةِ؛ فَقالَ: ﴿إلَيْكم مِن رَبِّكُمْ﴾؛ أيْ: المُحْسِنِ إلَيْكم بِإنْزالِهِ عَلى ألْسِنَةِ أنْبِيائِكم مِنَ البِشارَةِ بِهِما؛ وعَلى لِسانِ هَذا النَّبِيِّ العَرَبِيِّ الكَرِيمِ؛ مِمّا يُصَدِّقُ ما قَبْلَهُ؛ فَإنَّهم يَعْلَمُونَ ذَلِكَ؛ ولَكِنَّهم يَجْحَدُونَهُ. ولَمّا كانَ السِّياقُ: ”لِأنَّ أكْثَرَهم هالِكٌ“؛ صَرَّحَ بِهِ دالًّا بِالعَطْفِ عَلى غَيْرِ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ أنَّ التَّقْدِيرَ: ”فَلَيُؤْمِنَنَّ بِهِ مَن أرادَ اللَّهُ مِنهُمْ“؛ فَقالَ: ﴿ولَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنهُمْ﴾؛ أيْ: ما عِنْدَهم مِنَ الكُفْرِ بِما في كِتابِهِمْ؛ ﴿ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾؛ المُحْسِنِ إلَيْكَ بِإنْزالِهِ؛ ﴿طُغْيانًا﴾؛ تَجاوُزًا شَدِيدًا لِلْحَدِّ؛ ﴿وكُفْرًا﴾؛ أيْ: سَتْرًا لِما دَلَّ عَلَيْهِ العَقْلُ. ولَمّا كانَ ﷺ شَدِيدَ الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ؛ سَلّاهُ في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا﴾؛ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ إعْلامِ اللَّهِ لَكَ بِذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ؛ ثُمَّ عَنْ وُقُوعِهِ كَما أخْبَرَ؛ أنْ تَعْلَمَ أنَّهُ بِإرادَتِهِ؛ وقُدْرَتِهِ؛ فَقالَ لَكَ: (p-٢٤٠)لا ﴿تَأْسَ﴾؛ أيْ: تَحْزَنْ؛ ﴿عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾؛ أيْ: عَلى فَواتِ العَرِيقِينَ في الكُفْرِ؛ لِأنَّهم لَمْ يَضُرُّوا إلّا أنْفُسَهُمْ؛ لِأنَّ رَبَّكَ العَلِيمَ القَدِيرَ لَوْ عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا لَأقْبَلَ بِهِمْ إلَيْكَ؛ والحاصِلُ أنَّهُ خَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ بِمَعْلُولِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَها؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ: ”بَلِّغْ؛ فَإنَّ اللَّهَ هو الهادِي المُضِلُّ؛ فَلا تَحْزَنْ عَلى مَن أدْبَرَ“.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب