الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المُنافِقُونَ مِنَ الأُمِّيِّينَ وأهْلِ الكِتابِ قَدْ صارُوا شَيْئًا واحِدًا في الِانْحِيازِ إلى المُصارِحِينَ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ فَأنْزَلَ فِيهِمْ - سُبْحانَهُ - هَذِهِ الآياتِ؛ عَلى وجْهٍ يَعُمُّ غَيْرَهُمْ؛ حَتّى تَبَيَّنَتْ أحْوالُهُمْ؛ وانْكَشَفَ زَيْغُهُمْ؛ ومِحالُهم - أنْكَرَ - عَلى مَن يُودِعُونَهم أسْرارَهُمْ؛ ويَمْنَحُونَهم مَوَدَّتَهم وأخْبارَهُمْ؛ مِن عُلَمائِهِمْ؛ وزُهّادِهِمْ - عَدَمَ أمْرِهِمْ بِالمَعْرُوفِ؛ ونَهْيِهِمْ عَنِ المُنْكَرِ؛ لِكَوْنِهِمْ (p-٢١٧)جَدِيرِينَ بِذَلِكَ؛ لِما يَزْعُمُونَهُ مِنَ اتِّباعِ كِتابِهِمْ؛ فَقالَ: ﴿لَوْلا﴾؛ أيْ: هَلّا؛ ولِمَ لا؛ ﴿يَنْهاهُمُ﴾؛ أيْ: يُجَدِّدُ لَهُمُ النَّهْيَ؛ ﴿الرَّبّانِيُّونَ﴾؛ أيْ: المُدَّعُونَ لِلتَّخَلِّي مِنَ الدُّنْيا إلى سَبِيلِ الرَّبِّ؛ ﴿والأحْبارُ﴾؛ أيْ: العُلَماءُ؛ ﴿عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ﴾؛ أيْ: الكَذِبِ الَّذِي يُوجِبُهُ؛ وهو مُجْمِعٌ لَهُ؛ ﴿وأكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾؛ وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهم لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿آمَنّا﴾ [البقرة: ١٤]؛ وقَوْلَهم لَهُمْ: ﴿إنّا مَعَكم إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤]؛ لا يَخْلُو عَنْ كَذِبٍ؛ وهو مُحَرَّمٌ في تَوْراتِهِمْ؛ وكَذا أكْلُهُمُ الحَرامَ؛ فَما سُكُوتُهم عَنْهم في ذَلِكَ إلّا لِتَمَرُّنِهِمْ عَلى المَعاصِي؛ وتَمَرُّدِهِمْ في الكُفْرِ؛ واسْتِهانَتِهِمْ بِالجُرْأةِ عَلى مَن لا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ؛ ولا يَبْقى لِمَن عاداهُ باقِيَةٌ. ولَمّا كانَ مِن طَبْعِ الإنْسانِ الإنْكارُ عَلى مَن خالَفَهُ؛ كانَتِ الفِطْرَةُ الأُولى مُطابِقَةً لِما أتَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِن قَباحَةِ الكَذِبِ؛ وما يَتْبَعُهُ مِنَ الفُسُوقِ؛ وكانَ الإنْسانُ لا يَنْزِلُ عَنْ تِلْكَ الرُّتْبَةِ العالِيَةِ إلى السُّكُوتِ عَنِ الفاسِقِينَ؛ فَضْلًا عَنْ تَحْسِينِ أحْوالِهِمْ إلّا بِتَدَرُّبٍ طَوِيلٍ وتَمَرُّنٍ عَظِيمٍ؛ حَتّى يَصِيرَ لَهُ ذَلِكَ كالصِّفَةِ الَّتِي صارَتْ بِالتَّدْرِيبِ صَنْعَةً يَأْلَفُها؛ ومَلَكَةً لا يَتَكَلَّفُها؛ فَجَعَلَ ذَنْبَ المُرْتَكِبِ لِلْمَعْصِيَةِ غَيْرَ راسِخٍ؛ لِأنَّ الشَّهْوَةَ تَدْعُوهُ إلَيْها؛ وذَنْبَ التّارِكِ لِلنَّهْيِ راسِخًا لِأنَّهُ لا شَهْوَةَ لَهُ تَدْعُوهُ إلى التَّرْكِ؛ بَلْ مَعَهُ (p-٢١٨)حامِلٌ مِنَ الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ؛ تَحُثُّهُ عَلى النَّهْيِ؛ فَكانَ أشَدَّ حالًا؛ قالَ: ﴿لَبِئْسَ ما﴾؛ ولَمّا كانَ ذَلِكَ في جِبِلّاتِهِمْ؛ عَبَّرَ بِالكَوْنِ؛ فَقالَ: ﴿كانُوا يَصْنَعُونَ﴾؛ أيْ: في سُكُوتِهِمْ عَنْهُمْ؛ وسَماعِهِمْ مِنهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب