الباحث القرآني

ولَمّا كانَتِ النُّفُوسُ نَزّاعَةً إلى الهَوى؛ عَمِيَّةً عَنِ المَصالِحِ؛ جامِحَةً عَنِ الدَّواءِ؛ بِما وقَفَتْ عِنْدَهُ مِنَ النَّظَرِ إلى زِينَةِ الحَياةِ الدُّنْيا؛ وكانَ الدَّلِيلُ عَلى سَلْبِ العَقْلِ عَنْ أهْلِ الكِتابِ دَلِيلًا عَلى العَرَبِ بِطَرِيقِ الأوْلى؛ وكانَ أهْلُ الكِتابِ - لِكَوْنِهِمْ أهْلَ عِلْمٍ - لا يَنْهَضُ بِمُحاجَّتِهِمْ (p-١٩٨)إلّا الأفْرادُ مِن خُلَّصِ العِبادَ؛ قالَ (تَعالى) - دالًّا عَلى ما خَتَمَ بِهِ الآيَةَ؛ مِن عَدَمِ عَقْلِهِمْ؛ آمِرًا لِأعْظَمِ خَلْقِهِ بِتَبْكِيتِهِمْ؛ وتَوْبِيخِهِمْ؛ وتَقْرِيعِهِمْ -: ﴿قُلْ﴾؛ وأنْزَلَهم بِمَحَلِّ البُعْدِ؛ فَقالَ - مُبَكِّتًا لَهُمْ؛ بِكَوْنِ العِلْمِ لَمْ يَمْنَعْهم عَنِ الباطِلِ -: ﴿يا أهْلَ الكِتابِ﴾؛ أيْ: مِنَ اليَهُودِ؛ والنَّصارى؛ ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ﴾؛ أيْ: تُنْكِرُونَ؛ وتَكْرَهُونَ؛ وتَعِيبُونَ؛ ﴿مِنّا إلا أنْ آمَنّا﴾؛ أيْ: أوْجَدْنا الإيمانَ؛ ﴿بِاللَّهِ﴾؛ أيْ: لِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ؛ الَّتِي مَلَأتِ الأقْطارَ؛ وجاوَزَتْ حَدَّ الإكْثارِ؛ ﴿وما أُنْـزِلَ إلَيْنا﴾؛ أيْ: لِما لَهُ مِنَ الإعْجازِ في حالاتِ الإطْنابِ؛ والتَّوَسُّطِ؛ والإيجازِ؛ ﴿وما أُنْـزِلَ﴾؛ ولَمّا كانَ إنْزالُ الكُتُبِ والصُّحُفِ لَمْ يَسْتَغْرِقْ زَمانَ المُضِيِّ؛ أثْبَتَ الجارَّ؛ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلُ﴾؛ أيْ: لِما شَهِدَ لَهُ كِتابُنا؛ وهَذِهِ الأشْياءُ الَّتِي آمَنّا بِها لا يَحِيدُ فِيها عاقِلٌ؛ لِما لَها مِنَ الأدِلَّةِ الَّتِي وُضُوحُها يَفُوقُ الشَّمْسَ؛ فَحُسْنُها لا شَكَّ فِيهِ؛ ولا لَبْسَ؛ ﴿وأنَّ﴾؛ أيْ: آمَنّا كُلُّنا مَعَ أنَّ؛ أوْ والحالُ أنَّ ﴿أكْثَرَكُمْ﴾؛ قَيَّدَ بِهِ إخْراجًا لِمَن يُؤْمِنُ مِنهُمْ؛ بِما دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالوَصْفِ؛ ﴿فاسِقُونَ﴾؛ أيْ: عَرِيقُونَ في الفِسْقِ؛ وهو الخُرُوجُ عَنْ دارِ السَّعادَةِ؛ بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ مِنهم رُجُوعٌ إلى المَرْضِيِّ مِنَ العِبادَةِ؛ فَبَيَّنَ أنَّهم لا يَنْقِمُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ إلّا المُخالَفَةَ؛ والمُخالَفَةُ إنَّما هي بِإيمانِ المُسْلِمِينَ بِاللَّهِ؛ وما أمَرَ بِهِ؛ وكُفْرُ أهْلِ الكِتابِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِما تَقَدَّمَ لَهم أنَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ كانَ اللَّهُ مَعَهُ؛ (p-١٩٩)فَنَصَرَهُ عَلى كُلِّ مَن يُناوِيهِ؛ وجَعَلَ مَآلَهُ إلى الفَوْزِ الدّائِمِ؛ وأنَّ مَن كَفَرَ تَبَرَّأ مِنهُ؛ فَأهْلَكَهُ في الدُّنْيا؛ وجَعَلَ مَآلَهُ إلى عَذابٍ لا يَنْقَضِي سَعِيرُهُ؛ ولا يَنْصَرِمُ أنِينُهُ وزَفِيرُهُ؛ ومَن رَكِبَ ما يُؤَدِّيهِ إلى ذَلِكَ عَلى عِلْمٍ مِنهُ واخْتِيارٍ؛ لَمْ يَكُنْ أصْلًا أحَدٌ أضَلَّ مِنهُ؛ ولا أعْدَمَ عَقْلًا؛ وتَخْصِيصُ النَّقْمِ بِما صَدَرَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَمْنَعُ عَطْفَ ”وأنَّ“؛ عَلى ”أنْ آمَنّا“.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب