الباحث القرآني

ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآياتُ كُلُّها - مَعَ ما فِيها مِنَ الأسْرارِ - ناقِضَةً أيْضًا لِما ادَّعَوْا مِنَ البُنُوَّةِ؛ بِما ارْتَكَبُوهُ مِنَ الذُّنُوبِ مِن تَحْرِيفِ كَلامِ اللَّهِ؛ وسَماعِ الكَذِبِ؛ وأكْلِ السُّحْتِ؛ والإعْراضِ عَنْ أحْكامِ التَّوْراةِ؛ والحُكْمِ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ؛ أتْبَعَها ما أتى بِهِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ الَّذِي ادَّعى فِيهِ النَّصارى النُّبُوَّةَ الحَقِيقِيَّةَ؛ والشَّرِكَةَ في الإلَهِيَّةِ؛ وقَدْ أتى بِتَصْدِيقِ التَّوْراةِ في الشَّهادَةِ عَلى مَن خالَفَها مِنَ اليَهُودِ؛ بِالتَّبَرِّي مِنَ اللَّهِ؛ مُؤَكِّدًا لِما فِيها مِنَ التَّوْحِيدِ؛ الَّذِي هو عِمادُ الدِّينِ؛ وأعْظَمُ آياتِها؛ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ بِها العُهُودَ؛ ووُضِعَتْ في تابُوتِ الشَّهادَةِ؛ الَّذِي كانُوا يُقَدِّمُونَهُ أمامَهم في الحُرُوبِ؛ فَإنْ كانُوا باقِينَ عَلى ما فِيهِ مِنَ المِيثاقِ نُصِرُوا؛ وإلّا خُذِلُوا؛ وناسِخًا لِشَرِيعَتِهِمْ؛ مُجازاةً لَهم (p-١٥٩)مِن جِنْسِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ مِنَ التَّحْرِيفِ؛ وشاهِدًا عَلى مَن أطْراهُ بِالضَّلالِ؛ فَقالَ: ﴿وقَفَّيْنا﴾؛ إلى آخِرِها؛ وكَذا كُلُّ ما بَعْدَها مِن آياتِهِمْ؛ إلى آخِرِ السُّورَةِ؛ لا تَخْلُو آيَةٌ مِنها مِنَ التَّعَرُّضِ إلى نَقْضِ دَعْواهم لَها بِذِكْرِ ذَنْبٍ؛ أوْ ذِكْرِ عُقُوبَةٍ عَلَيْهِ؛ أوْ ذِكْرِ تَكْذِيبٍ لَهم مِن كِتابِهِمْ؛ أوْ نَبِيِّهِمْ؛ والمَعْنى: أوْجَدْنا التَّقْفِيَةَ؛ وهي إتْباعُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ تَقَدَّمَهُ؛ فَيَكُونُ أتِيًا في قَفاهُ؛ لِكَوْنِهِ وراءَهُ؛ وإلْقاؤُهُ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿عَلى آثارِهِمْ﴾؛ أيْ: النَّبِيِّينَ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِالتَّوْراةِ؛ وذِكْرُ الأثَرِ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا قَدْ تَرَكُوا دِينَهُمْ؛ لَمْ يَبْقَ مِنهُ إلّا رَسْمٌ خَفِيٌّ؛ ﴿بِعِيسى﴾؛ ونَسَبَهُ إلى أُمِّهِ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ لا والِدَ لَهُ؛ تَكْذِيبًا لِلْيَهُودِ؛ وإلى أنَّهُ عَبْدٌ مَرْبُوبٌ؛ تَكْذِيبًا لِلنَّصارى؛ فَقالَ: ﴿ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا﴾؛ أيْ: عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ في الأُصُولِ؛ وكَثِيرٍ مِنَ الفُرُوعِ؛ ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أيْ: مِمّا أتى بِهِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَبْلَهُ؛ ﴿مِنَ التَّوْراةِ﴾؛ وأشارَ إلى أنَّهُ ناسِخٌ لِكَثِيرٍ مِن أحْكامِها؛ بِقَوْلِهِ: ﴿وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ﴾؛ أيْ: أنْزَلْناهُ بِعَظَمَتِنا عَلَيْهِ؛ كَما أنْزَلْنا التَّوْراةَ عَلى مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ. ولَمّا كانَ في الإنْجِيلِ المُحْكَمُ الَّذِي يَفْهَمُهُ كُلُّ أحَدٍ؛ والمُتَشابِهُ الَّذِي لا يَفْهَمُهُ إلّا الأفْرادُ مِن خُلَّصِ العِبادِ؛ ولا يَقِفُ بَعْدَ فَهْمِهِ عِنْدَ حُدُودِهِ إلّا المُتَّقُونَ؛ قالَ - مُبَيِّنًا لِحالِهِ -: ﴿فِيهِ﴾؛ أيْ: آتَيْناهُ إيّاهُ بِحِكْمَتِنا؛ وعَظَمَتِنا؛ كائِنًا (p-١٦٠)فِيهِ؛ ﴿هُدًى﴾؛ أيْ: وهو المُحْكَمُ؛ يَهْتَدِي بِهِ كُلُّ أحَدٍ سَمِعَهُ؛ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؛ ﴿ونُورٌ﴾؛ أيْ: حُسْنُ بَيانٍ؛ كاشِفٌ لِلْمُشْكِلاتِ؛ لا يَدَعُ بِذَلِكَ الصِّراطِ لَبْسًا. ولَمّا كانَ النّاسِخُ لِلشَّيْءِ بِتَغْيِيرِ حُكْمِهِ قَدْ يَكُونُ مُكَذِّبًا لَهُ؛ أعْلَمَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هو مَعَ النَّسْخِ لِلتَّوْراةِ مُصَدِّقٌ لَها؛ فَقالَ - أيْ: مُبَيِّنًا لِحالِ الإنْجِيلِ؛ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ ”فِيهِ هُدًى“: ﴿ومُصَدِّقًا﴾؛ أيْ: الإنْجِيلُ؛ بِكَمالِهِ؛ ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ ولَمّا كانَ الَّذِي نَزَلَ قَبْلَهُ كَثِيرًا؛ عَيَّنَ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ التَّوْراةِ﴾؛ فالأوَّلُ صِفَةٌ لِعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ والثّانِي صِفَةٌ لِكِتابِهِ؛ بِمَعْنى أنَّهُ هو والتَّوْراةَ والإنْجِيلَ مُتَصادِقُونَ؛ فَكُلٌّ مِنَ الكِتابَيْنِ يُصَدِّقُ الآخَرَ؛ وهو يُصَدِّقُهُما؛ لَمْ يَتَخالَفُوا في شَيْءٍ؛ بَلْ هو مُتَخَلِّقٌ بِجَمِيعِ ما أتى بِهِ. ولَمّا كانَ المُتَّقُونَ خُلاصَةَ الخَلْقِ؛ فَهُمُ الَّذِينَ يُنْزِلُونَ كُلَّ ما في كُتُبِ اللَّهِ؛ مِن مُحْكَمٍ؛ ومُتَشابِهٍ؛ عَلى ما يَتَحَقَّقُ بِهِ أنَّهُ هُدًى؛ ويَتَطابَقُ بِهِ المُتَشابِهُ والمُحْكَمُ؛ وكانَ قَدْ بَيَّنَ أنَّهُ فِيهِ مِنَ الهُدى ما يَسْهُلُ بِهِ رَدُّ المُتَشابِهِ إلَيْهِ؛ فَصارَ بَعْدَ البَيانِ كُلِّهِ هُدًى؛ قالَ - مُعَمِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ التَّخْصِيصِ -: ﴿وهُدًى ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ أيْ: كُلُّ ما فِيهِ يَهْتَدُونَ بِهِ؛ ويَتَّعِظُونَ؛ فَتَرِقُّ قُلُوبُهُمْ؛ ويَعْتَبِرُونَ بِهِ؛ ويَنْتَقِلُونَ مُتَرَقِّينَ مِن حالٍ عالِيَةٍ؛ إلى حالٍ أعْلى مِنها. (p-١٦١)ذِكْرُ بَعْضِ ما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ مِنَ الإنْجِيلِ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرانِي النَّصارى الآنَ؛ وقَدْ مَزَجْتُ فِيهِ كَلامَ بَعْضِ الأناجِيلِ بِبَعْضٍ؛ وأغْلَبُ السِّياقِ لِمَتّى؛ وعَيَّنْتُ بَعْضَ ما خالَفَهُ؛ قالَ لُوقا: وجاءَ إلَيْهِ قَوْمٌ وأخْبَرُوهُ خَبَرَ الجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاطُسُ دِماءَهم مَعَ دِماءِ ذَبائِحِهِمْ؛ فَأجابَ يَسُوعُ وقالَ لَهُمْ: لا تَظُنُّوا أنَّ أُولَئِكَ الجَلِيلِيِّينَ أشَدُّ خَطَأً مِن كُلٍّ الجَلِيلِيِّينَ إذا أصابَتْهم هَذِهِ الأوْجاعُ؛ لا أقُولُ لَكم إنْ لَمْ تَتُوبُوا كُلُّكم أنْتُمْ تَهْلِكُونَ مِثْلَهُمْ؛ وهَؤُلاءِ الثَّمانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ البُرْجُ في سِيلْوَخا؛ وقَتَلَهم أتَظُنُّونَ أنَّهم أكْبَرُ جُرْمًا مِن جَمِيعِ سُكّانِ يَرُوشَلِيمَ؛ كَلّا أقُولُ لَكُمْ؛ إنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكم يَهْلِكُ؛ وقالَ لَهُمْ: شَجَرَةُ تِينٍ كانَتْ لِواحِدٍ مَغْرُوسَةً في كَرْمِهِ؛ جاءَ يَطْلُبُ فِيها ثَمَرَةً فَلَمْ يَجِدْ؛ فَقالَ لِلْكَرّامِ: هَذِهِ ثَلاثُ سِنِينَ؛ آتِي وأطْلُبُ فِيها ثَمَرَةً فَلا أجِدُ؛ اقْطَعْها لِئَلّا تُبْطِلَ الأرْضَ؛ فَقالَ: يا رَبُّ؛ دَعْها في هَذِهِ السَّنَةِ لِأُنَكِّحَها؛ وأُصْلِحَها؛ لَعَلَّها تُثْمِرُ في السَّنَةِ الآتِيَةِ؛ فَإنْ هي أثْمَرَتْ؛ وإلّا أقْطَعْها؛ قالَ مَتّى: ولَمّا نَزَلَ مِنَ الجَبَلِ تَبِعَهُ جَمْعٌ كَبِيرٌ؛ وإذا أبْرَصُ قَدْ جاءَ فَسَجَدَ لَهُ؛ وقالَ: إنْ شِئْتَ فَأنْتَ قادِرٌ أنْ تُطَهِّرَنِي؛ فَمَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ؛ وقالَ لَهُ: قَدْ شِئْتُ؛ فاطَّهَرْ؛ ولِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ؛ وقالَ لَهُ يَسُوعُ: لا تَقُلْ لِأحَدٍ؛ ولَكِنِ امْضِ فَأرِ نَفْسَكَ (p-١٦٢)لِلْكاهِنِ؛ وقَدِّمْ قُرْبانًا؛ كَما أمَرَ مُوسى؛ لِلشَّهادَةِ عَلَيْهِمْ - وقالَ مُرْقُسُ: بِشَهادَتِهِمْ - قالَ لُوقا: فَذاعَ عَنْهُ الكَلامُ؛ وزادَ؛ واجْتَمَعَ جَمْعٌ كَثِيرٌ لِيَسْمَعُوا مِنهُ؛ ويَسْتَشْفُوا مِن أمْراضِهِمْ؛ وأمّا هو فَكانَ يَمْضِي إلى البَرِّيَّةِ ويُصَلِّي هُناكَ؛ وقالَ مَتّى: ولَمّا دَخَلَ كَفْرَناحُومَ جاءَ إلَيْهِ قائِدُ مِائَةٍ؛ فَطَلَبَ إلَيْهِ قائِلًا: يا رَبُّ؛ فَتايَ مُلْقًى في البَيْتِ؛ مُخَلَّعٌ وسَقِيمٌ جِدًّا؛ فَقالَ لَهُ: إنِّي آتِي وأُبْرِئُهُ؛ فَأجابَ قائِدُ المِائَةِ؛ وقالَ: يا رَبُّ؛ لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتِي؛ ولَكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأ فَتايَ؛ لِأنِّي تَحْتَ سُلْطانٍ؛ ولِي جُنْدٌ؛ إنْ قُلْتُ لِهَذا: اذْهَبْ؛ ذَهَبَ؛ ولِآخَرَ: ائْتِ؛ أتى؛ ولِعَبْدِي: اعْمَلْ هَذا؛ عَمِلَ؛ فَلَمّا سَمِعَيَسُوعُ تَعَجَّبَ؛ وقالَ لِلَّذِينِ يَتْبَعُونَهُ: الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ؛ إنَّنِي لَمْ أجِدْ مِثْلَ هَذِهِ الأمانَةِ في إسْرائِيلَ؛ أقُولُ لَكُمْ: إنَّ كَثِيرًا يَأْتُونَ مِنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ - وقالَ لُوقا: والشِّمالِ واليَمِينِ - يَتَّكِئُونَ مَعَ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ؛ قالَ لُوقا: وكُلُّ الأنْبِياءِ في مَلَكُوتِ اللَّهِ؛ وأنْتُمْ خارِجًا ويَكُونُ الأوَّلُونَ آخِرِينَ؛ والآخِرُونَ أوَّلِينَ؛ وقالَ مَتّى: في مَلَكُوتِ السَّماواتِ؛ وبَنُو المَلَكُوتِ يُلْقَوْنَ في الظُّلْمَةِ البَرّانِيَّةِ؛ المَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ البُكاءُ وصَرِيرُ الأسْنانِ؛ وقالَ يَسُوعُ لِقائِدِ المِائَةِ: اذْهَبْ كَأمانَتِكَ (p-١٦٣)يَكُنْ لَكَ؛ فَبَرَأ الفَتى في تِلْكَ السّاعَةِ؛ وقالَ لُوقا: ولَمّا أكْمَلَ جَمِيعَ كَلامِهِ ودَخَلَ كَفْرَناحُومَ؛ وكانَ عَبْدٌ لِقائِدِ المِائَةِ قَدْ قارَبَ المَوْتَ؛ وكانَ كَرِيمًا عِنْدَهُ؛ فَلَمّا سَمِعَ بِيَسُوعَ أرْسَلَ إلَيْهِ شُيُوخَ اليَهُودِ يَسْألُونَهُ المَجِيءَ لِيُخَلِّصَ عَبْدَهُ؛ فَلَمّا جاؤُوا إلى يَسُوعَ طَلَبُوا مِنهُ بِاجْتِهادٍ؛ وقالُوا: إنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أنْ يُفْعَلَ مَعَهُ هَذا؛ لِأنَّهُ مُحِبٌّ لِأُمَّتِنا؛ وهو بَنى لَنا كَنِيسَةً؛ فَمَضى يَسُوعُ مَعَهُمْ؛ وفِيما هو قَرِيبٌ مِنَ البَيْتِ أرْسَلَ إلَيْهِ قائِدُ المِائَةِ أصْدِقاءَهُ قائِلًا: يا رَبُّ؛ لا تَتْعَبْ؛ فَإنِّي لا أسْتَحِقُّ أنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتِي؛ مِن أجْلِ ذَلِكَ لَمْ أسْتَحِقَّ أنْ أجِيءَ أنا إلَيْكَ؛ لَكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأ؛ لِأنِّي رَجُلٌ ذُو سُلْطانٍ؛ وتَحْتَ يَدَيَّ جُنْدٌ؛ فَأقُولُ لِهَذا: امْضِ فَيَمْضِي؛ ولِآخَرَ: ائْتِ فَيَأْتِي؛ فَلَمّا سَمِعَ يَسُوعُ هَذا تَعْجَّبَ مِنهُ؛ والتَفَتَ إلى الجَمْعِ الَّذِي يَتْبَعُهُ وقالَ: الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ؛ إنِّي لَمْ أجِدْ في بَنِي إسْرائِيلَ مِثْلَ هَذِهِ الأمانَةِ؛ فَرَجَعَ المُرْسَلُونَ إلى البَيْتِ؛ فَوَجَدُوا المَرِيضَ قَدْ بَرَأ؛ وفي غَدٍ كانَ يَسُوعُ ماضِيًا إلى مَدِينَةٍ اسْمُها نايِينَ وتَبِعَهُ تَلامِيذُهُ أجْمَعُ؛ وجَمْعٌ كَبِيرٌ؛ فَلَمّا قَرُبَ مِن بابِ المَدِينَةِ إذا مَحْمُولٌ قَدْ ماتَ وحِيدًا لِأُمِّهِ؛ وكانَتْ أرْمَلَةً؛ وجَمْعٌ كَبِيرٌ مِن أهْلِ المَدِينَةِ مَعَها؛ فَلَمّا رَآها (p-١٦٤)الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْها؛ وقالَ لَها: لا تَبْكِي؛ وتَقَدَّمَ ولَمَسَ النَّعْشَ؛ فَوَقَفَ الحامِلُونَ لَهُ؛ وقالَ لَهُ: أيُّها الشّابُّ؛ لَكَ أقُولُ: قُمْ واجْلِسْ؛ فَجَلَسَ المَيْتُ وبَدَأ يَتَكَلَّمُ؛ ودَفَعَهُ لِأُمِّهِ؛ ولَحِقَهم خَوْفٌ ومَجَّدُوا اللَّهَ قائِلِينَ: لَقَدْ قامَ فِينا نَبِيٌّ عَظِيمٌ؛ وتَعاهَدَ اللَّهُ شَعْبَهُ بِصَلاحٍ؛ فَذاعَ هَذا الكَلامُ في كُلِّ اليَهُودِيَّةِ؛ وكُلِّ الكُورِ الَّتِي حَوْلَها. قالَ مَتّى: وجاءَ يَسُوعَ إلى بَيْتِ بُطْرُسَ فَنَظَرَ إلى حَماتِهِ مُلْقاةً تُحَمّى؛ وقالَ مُرْقُسُ: وجاءَ إلى بَيْتِ سَمْعانَ وأنْدَراوُسَ؛ مَعَ يَعْقُوبَ؛ ويُوحَنّا؛ فَرَأى حَماةَ سَمْعُونَ في حُمًّى شَدِيدَةٍ؛ فَقالُوا لَهُ مِن أجْلِها؛ فَقَدِمَ وأمْسَكَ بِيَدِها وأقامَها؛ وقالَ مَتّى: فَمَسَّ يَدَيْها فَتَرَكَتْها الحُمّى؛ وقامَتْ تَخْدِمُهُمْ؛ وقالَ لُوقا: ونَهَضَتْ لِلْوَقْتِ تَخْدِمُهُمْ؛ فَلَمّا كانَ المَساءُ - قالَ مُرْقُسُ: عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ - قَدَّمُوا إلَيْهِ مَجانِينَ كَثِيرًا؛ قالَ مُرْقُسُ: ووَقَفَ جَمِيعُ أهْلِ المَدِينَةِ عَلى البابِ؛ وأبْرَأ كَثِيرًا مِمَّنْ بِهِ عِلَّةٌ رَدِيئَةٌ؛ وأخْرَجَ شَياطِينَ كَثِيرَةً؛ وقالَ مَتّى: وكانَ يُخْرِجُ الأرْواحَ بِكَلِمَةٍ؛ وأبْرَأ كُلَّ سَقِيمٍ؛ لِكَيْ يَتِمَّ ما قِيلَ في أشْعِياءَ النَّبِيِّ القائِلِ: إنَّهُ أخَذَ أمْراضَنا وحَمَلَ أوْجاعَنا؛ وسَحَرًا جِدًّا قامَ وخَرَجَ إلى البَرِّيَّةِ لِيُصَلِّيَ (p-١٦٥)هُناكَ؛ وسَمْعُونُ ومَن مَعَهُ يَطْلُبُونَهُ؛ فَلَمّا وجَدُوهُ قالُوا لَهُ: إنَّ الجَمْعَ يَطْلُبُكَ؛ فَقالَ لَهُمْ: سِيرُوا بِنا إلى القُرى والمُدُنِ القَرِيبَةِ لِنَكْرِزَ؛ فَإنِّي لِهَذا وافَيْتُ؛ فَأقْبَلَ يُبَشِّرُ في مَجْمَعِهِمْ في كُلِّ الجَلِيلِ؛ ويُخْرِجُ الشَّياطِينُ؛ وقالَ لُوقا: وفي غَدِ اليَوْمِ خَرَجَ؛ وذَهَبَ إلى مَوْضِعٍ قَفْرٍ؛ والجَمْعُ يَطْلُبُونَهُ؛ وجاؤُوا إلَيْهِ وأمْسَكُوهُ لِئَلّا يَمْضِي مِن عِنْدِهِمْ؛ فَقالَ لَهُمْ: إنَّهُ يَنْبَغِي أنْ أُبَشِّرَ في المُدُنِ الأُخَرَ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ؛ لِأنِّي لِهَذا أُرْسِلْتُ؛ وكانَ يَكْرِزُ في مَجامِعِ الجَلِيلِ؛ وكانَ لَمّا اجْتَمَعَ إلَيْهِ جَمْعٌ لِيَسْمَعُوا كَلامَ اللَّهِ كانَ هو واقِفًا عَلى بُحَيْرَةِ جاناسَرَ؛ فَرَأى سَفِينَتَيْنِ مُوقَفَتَيْنِ عَلى شاطِئِ البُحَيْرَةِ؛ والصَّيّادُونَ قَدْ صَعِدُوا عَلَيْها لِيَغْسِلُوا شِباكَهُمْ؛ فَصَعِدَ إلى إحْداهُما الَّتِي لِسَمْعانَ؛ وأمَرَ أنْ يُبْعِدَها عَنِ الشَّطِّ قَلِيلًا؛ وجَلَسَ يُعَلِّمُ في الجَمْعِ مِنَ السَّفِينَةِ؛ ولَمّا أكْمَلَ كَلامَهُ قالَ لِسَمْعانَ: تَقَدَّمْ إلى اللُّجِّ؛ وألْقُوا شِباكَكُمْ؛ فَقالَ: يا مُعَلِّمُ؛ قَدْ تَعِبْنا اللَّيْلَ أجْمَعَ؛ ولَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا؛ وبِكَلِمَتِكَ نَحْنُ نُلْقِي شِباكَنا؛ ولَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ أخَذُوا سَمَكًا كَثِيرًا؛ وكادَتْ شِباكُهم تَتَخَرَّقُ؛ فَأشارُوا إلى شُرَكائِهِمْ في السَّفِينَةِ الأُخْرى لِيَأْتُوا يُعِينُوهُمْ؛ فَلَمّا جاؤُوا مَلَؤُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتّى كادَتا أنْ تَغْرَقا؛ فَلَمّا رَأى سَمْعانُ ذَلِكَ خَرَّ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وقالَ لَهُ: ابْعُدْ عَنِّي يا سَيِّدِي؛ لِأنِّي رَجُلٌ خاطِئٌ؛ لِأنَّ الخَوْفَ اعْتَراهُ؛ (p-١٦٦)وكُلَّ مَن مَعَهُ لِأجْلِ صَيْدِ الحِيتانِ الَّتِي اصْطادُوا؛ وكَذَلِكَ يَعْقُوبُ؛ ويُوحَنّا؛ ابْنا زَبَدِي؛ اللَّذانِ كانا صَدِيقَيْ سَمْعانَ؛ فَقالَ يَسُوعُ لِسَمْعانَ: لا تَخَفْ؛ مِنَ الآنَ تَكُونُ صَيّادًا تَصِيدُ لِلنّاسِ؛ وقَرَّبُوا السُّفُنَ إلى الشَّطِّ؛ وتَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ؛ وتَبِعُوهُ؛ وقالَ مَتّى: فَلَمّا نَظَرَ يَسُوعُ إلى الجَمْعِ الَّذِي حَوْلَهُ أمَرَ أنْ يَذْهَبُوا إلى العَبْرِ؛ فَجاءَ إلَيْهِ كاتِبٌ؛ وقالَ لَهُ: يا مُعَلِّمُ؛ أتْبَعُكَ إلى حَيْثُ تَمْضِي؛ فَقالَ لَهُ يَسُوعُ: إنَّ لِلثَّعالِبِ أجْحارًا؛ ولِطَيْرِ السَّماءِ أوْكارًا؛ فَأمّا ابْنُ الإنْسانِ فَلَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يُسْنِدُ رَأْسَهُ؛ وقالَ لُوقا: وقالَ لِآخَرَ: اتْبَعْنِي؛ فَقالَ: يا رَبُّ ائْذَنْ لِي أنْ أمْضِيَ أوَّلًا وأدْفِنَ أبِي؛ فَقالَ لَهُ يَسُوعُ: اتْبَعْنِي ودَعِ المَوْتى يَدْفِنُوا مَوْتاهُمْ؛ وقالَ الآخَرُ أيْضًا: بَلْ تَأْذَنُ لِي أوَّلًا أنْ أُرَتِّبَ أهْلَ بَيْتِي؛ فَقالَ: ما مِن أحَدٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلى سِكَّةِ الفَدّانِ ويَنْظُرُ إلى ورائِهِ يَسْتَحِقُّ مَلَكُوتَ اللَّهِ؛ وقالَ مَتّى: فَلَمّا صَعِدَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلامِيذُهُ - وقالَ لُوقا: صَعِدَ السَّفِينَةَ هو وتَلامِيذُهُ؛ وقالَ لَهُمْ: امْضُوا بِنا إلى عَبْرِ البُحَيْرَةِ؛ فَسارُوا؛ وفِيما هم سائِرُونَ نامَ - وإذا اضْطِرابٌ عَظِيمٌ كانَ في البَحْرِ؛ حَتّى كادَتِ الأمْواجُ تُغَطِّي السَّفِينَةَ - لِأنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُضادَّةً لَهم - وهو نائِمٌ؛ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ تَلامِيذُهُ؛ وقالُوا: يا رَبُّ - وقالَ (p-١٦٧)مُرْقُسُ: وكانَتْ رِياحٌ عَواصِفُ عَظِيمَةٌ؛ وكانَتِ الأمْواجُ تَضْرِبُ السَّفِينَةَ وتُدْخِلُها المِياهَ؛ حَتّى كادَتْ تَمْتَلِئُ؛ وهو نائِمٌ في مُؤَخَّرِها عَلى وِسادَةٍ - فَأيْقَظُوهُ وقالُوا لَهُ: يا مُعَلِّمُ؛ نَجِّنا فَقَدْ هَلَكْنا؛ فَقالَ لَهُمْ: ما أخافَكم يا قَلِيلِي الأمانَةِ؟ حِينَئِذٍ قامَ وانْتَهَرَ الرِّياحَ والبَحْرَ؛ فَصارَ هُدُوءًا عَظِيمًا؛ ثُمَّ قالَ مَتّى: فَلَمّا صَعِدَ السَّفِينَةَ وجاءَ إلى العَبْرِ؛ ودَخَلَ مَدِينَتَهُ؛ قَدِمَ إلَيْهِ مُخَلَّعٌ مُلْقًى عَلى سَرِيرٍ - وفي إنْجِيلِ مُرْقُسَ ولُوقا: إنَّهم أرادُوا الدُّخُولَ بِهِ إلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا لِكَثْرَةِ الجَمْعِ؛ فَصَعِدُوا إلى السَّطْحِ ودَلُّوهُ بِسَرِيرِهِ إلَيْهِ - حِينَئِذٍ قالَ لِلْمُخَلَّعِ: قُمِ؛ احْمِلْ سَرِيرَكَ؛ واذْهَبْ إلى بَيْتِكَ؛ فَقامَ ومَضى إلى بَيْتِهِ؛ فَنَظَرَ الجَمْعُ وتَعَجَّبُوا؛ ومَجَّدُوا اللَّهَ الَّذِي أعْطى هَذا السُّلْطانَ كَذا لِلنّاسِ؛ وقالَ يُوحَنّا في إنْجِيلِهِ: وبَعْدَ هَذا كانَ عِيدُ اليَهُودِ؛ فَصَعِدَ يَسُوعُ إلى يَرُوشَلِيمَ؛ وكانَ هُناكَ بِيَرُوشَلِيمَ مَكانٌ يُسَمّى بِالعِبْرانِيَّةِ بَيْتَ الرَّحْمَةِ؛ وكانَ فِيهِ خَمْسَةُ أرْوِقَةٍ؛ وكانَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ المَرْضى مَطْرُوحِينَ فِيها؛ وعُمْيٌ؛ ومُقْعَدُونَ؛ وجافُونَ؛ فَكانُوا يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الماءِ؛ لِأنَّ مَلاكًا كانَ يَنْزِلُ إلى الصِّبْغَةِ في حِينٍ بَعْدَ حِينٍ؛ وكانَ يُحَرِّكُ الماءَ؛ والَّذِي كانَ يَنْزِلُ فِيهِ أوَّلًا مِن بَعْدِ حَرَكَةِ الماءِ يَبْرَأُ مِن كُلِّ الوَجَعِ الَّذِي بِهِ؛ وكانَ هُنا رَجُلٌ سَقِيمٌ مُنْذُ ثَمانٍ وثَلاثِينَ (p-١٦٨)سَنَةً؛ فَنَظَرَ إلَيْهِ يَسُوعُ مُلْقًى؛ فَقالَ لَهُ: أتُحِبُّ أنْ تَبْرَأ؟ فَقالَ: نَعَمْ يا سَيِّدِي؛ ولَكِنْ لَيْسَ لِي إنْسانٌ إذا تَحَرَّكَ الماءُ يُلْقِينِي في البِرْكَةِ أوَّلًا؛ فَإلى أنْ أجِيءَ أنا يَنْزِلُ قُدّامِي آخَرُ؛ فَقالَ لَهُ: قُمِ؛ احْمِلْ سَرِيرَكَ وامْضِ؛ فَمِن ساعَتِهِ بَرَأ؛ ونَهَضَ حامِلًا سَرِيرَهُ؛ وكانَ ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمَ سَبْتٍ؛ فَقالَ لَهُ اليَهُودُ: إنَّهُ يَوْمُ سَبْتٍ؛ ولا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ؛ فَأجابَهُمْ: الَّذِي أبْرَأنِي هو قالَ لِي: احْمِلْ سَرِيرَكَ وامْشِ؛ فَسَألُوهُ: مَن هُوَ؟ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَن هُوَ؛ لِأنَّ يَسُوعَ كانَ قَدِ اسْتَتَرَ في الجَمْعِ الكَبِيرِ الَّذِي كانَ في ذَلِكَ المَوْضِعِ؛ ثُمَّ قالَ: وقالَ لَهم يَسُوعُ: لَقَدْ عَمِلْتُ عَمَلًا واحِدًا فَعَجِبْتُمْ بِأجْمَعِكُمْ؛ أعْطاكم مُوسى الخِتانَ؛ ولَيْسَ هو مِن مُوسى؛ ولَكِنَّهُ مِنَ الآباءِ؛ وقَدْ تَخْتِنُونَ الإنْسانَ يَوْمَ السَّبْتِ لِئَلّا تَنْقُضُوا سُنَّةَ مُوسى؛ فَلِمَ تَتَذَمَّرُونَ عَلَيَّ لِإبْرائِي الإنْسانَ يَوْمَ السَّبْتِ؛ لا تَحْكُمُوا بِالمُحاباةِ؛ ولَكِنِ احْكُمُوا حُكْمًا عَدْلًا؛ ثُمَّ قالَ: فَبَيْنَما هو مارٌّ رَأى رَجُلًا وُلِدَ أعْمى؛ فَقالَ تَلامِيذُهُ: يا مُعَلِّمُ؛ مَن أخْطَأ؛ هَذا أمْ أبَواهُ؛ حَتّى إنَّهُ وُلِدَ أعْمى؟ فَقالَ: لا هُوَ؛ ولا أبَواهُ؛ ولَكِنْ لِتَظْهَرَ أعْمالُ اللَّهِ فِيهِ؛ يَنْبَغِي أنْ أعْمَلَ أعْمالَ مَن أرْسَلَنِي ما دامَ النَّهارُ؛ سَيَأْتِي اللَّيْلُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَعْمَلَ فِيهِ عَمَلًا؛ ما دُمْتُ في العالَمِ أنا نُورُ العالَمِ - قالَ هَذا؛ وتَفَلَ عَلى التُّرابِ؛ (p-١٦٩)وصَنَعَ مِن تَفْلِهِ طِينًا؛ وطَلى بِهِ عَيْنَيْ ذَلِكَ الأعْمى؛ وقالَ لَهُ: امْضِ واغْتَسِلْ في عَيْنِ سِيلْوَخا - الَّتِي تَأْوِيلُها ”المَبْعُوثَةُ“ -؛ فَمَضى وغَسَلَهُما؛ فَعادَ يَنْظُرُ؛ فَأمّا جِيرانُهُ؛ والَّذِينَ كانُوا يَرَوْنَهُ يَتَسَوَّلُ؛ فَقالُوا: لَيْسَ هو هَذا الَّذِي كانَ يَجْلِسُ ويَتَسَوَّلُ؛ وآخَرُونَ قالُوا: إنَّهُ هُوَ؛ وآخَرُونَ قالُوا: إنَّهُ يُشْبِهُهُ؛ فَأمّا هو فَكانَ يَقُولُ: إنِّي أنا هُوَ؛ فَقالُوا لَهُ: كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْناكَ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِمُ القِصَّةَ؛ فَقالُوا: أيْنَ هو ذاكَ؟ فَقالَ: ما أدْرِي؛ فَأتَوْا بِهِ إلى الفَرِّيسِيِّينَ؛ لِأنَّ يَسُوعَ صَنَعَ الطِّينَ يَوْمَ السَّبْتِ؛ فَسَألَهُ الفَرِّيسِيُّونَ؛ فَأخْبَرَهُمْ؛ فَقالَ قَوْمٌ مِنهُمْ: لَيْسَ هَذا الرَّجُلُ مِنَ اللَّهِ؛ إذْ لا يَحْفَظُ السَّبْتَ؛ وآخَرُونَ قالُوا: كَيْفَ يَقْدِرُ رَجُلٌ خاطِئٌ أنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآياتِ؟! فَوَقَعَ بَيْنَهم لِذَلِكَ شِقاقٌ؛ فَقالُوا لِلْأعْمى: ما تَقُولُ أنْتَ مِن أجْلِهِ؟ قالَ لَهُمْ: إنَّهُ نَبِيٌّ؛ ولَمْ يُصَدِّقِ اليَهُودُ أنَّهُ كانَ أعْمى حَتّى دَعَوْا أبَوَيْهِ؛ وسَألُوهُما؛ فَقالا: نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ هَذا ولَدُنا؛ وأنَّهُ وُلِدَ أعْمى؛ ووَقَعَتْ بَيْنَ الأعْمى وبَيْنَهم مُحاوَرَةٌ؛ كانَ آخِرُ ما قالُوا لَهُ: أنْتَ وُلِدْتَ بِالخَطايا؛ وأنْتَ تُعْلِمُنا؛ وأخْرَجُوهُ. وقالَ مَتّى: واجْتازَ يَسُوعُ هُناكَ؛ فَرَأى إنْسانًا جالِسًا عَلى التَّعْشِيرِ؛ اسْمُهُ مَتّى؛ فَقالَ لَهُ: اتْبَعْنِي؛ فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وقامَ وتَبِعَهُ؛ وقالَ لُوقا: وبَعْدَ هَذا خَرَجَ فَنَظَرَ إلى عَشّارٍ اسْمُهُ لاوِي؛ جالِسًا عَلى المَكْسِ؛ (p-١٧٠)فَقالَ لَهُ: اتْبَعْنِي؛ فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وقامَ وتَبِعَهُ؛ وصَنَعَ لَهُ لاوِي في بَيْتِهِ ولِيمَةً عَظِيمَةً؛ وكانَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ العَشّارِينَ وآخَرِينَ مُتَّكِئِينَ مَعَهُ؛ وقالَ مُرْقُسُ: ثُمَّ خَرَجَ إلى شاطِئِ البَحْرِ؛ واجْتَمَعَ إلَيْهِ جَمْعٌ كَبِيرٌ؛ وعَلَّمَهُمْ؛ وعِنْدَ مُضِيِّهِ رَأى لاوِيَ بْنَ حَلْفى جالِسًا عَلى العَشّارِينَ؛ فَقالَ لَهُ: اتْبَعْنِي؛ فَقامَ وتَبِعَهُ؛ وبَيْنَما هو مُتَّكِئٌ في بَيْتِهِ - وقالَ مَتّى: وبَيْنَما هو مُتَّكِئٌ في بَيْتِ سَمْعانَ - جاءَ عَشّارُونَ وخَطَأةٌ كَثِيرُونَ؛ فاتَّكَؤُوا مَعَ يَسُوعَ وتَلامِيذِهِ؛ فَلَمّا نَظَرَ الفَرِّيسِيُّونَ قالُوا لِتَلامِيذِهِ: لِماذا مُعَلِّمُكم يَأْكُلُ مَعَ العَشّارِينَ والخَطَأةِ؟ فَلَمّا سَمِعَ يَسُوعُ قالَ لَهُمْ: الأصِحّاءُ لا يَحْتاجُونَ إلى طَبِيبٍ؛ لَكِنْ ذَوُو الأسْقامِ؛ اذْهَبُوا فاعْلَمُوا ما هُوَ؛ إنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً؛ لا ذَبِيحَةً؛ لَمْ آتِ لِأدْعُوَ الصِّدِّيقِينَ؛ لَكِنِ الخَطَأةَ لِلتَّوْبَةِ؛ وقالَ لُوقا: وطَلَبَ إلَيْهِ واحِدٌ مِنَ الفَرِّيسِيِّينَ أنْ يَأْكُلَ مَعَهُ؛ فَدَخَلَ بَيْتَ ذَلِكَ الفَرِّيسِيِّ وجَلَسَ؛ وكانَ في تِلْكَ المَدِينَةِ امْرَأةٌ خاطِئَةٌ؛ فَلَمّا عَلِمَتْ أنَّهُ مُتَّكِئٌ في بَيْتِ ذَلِكَ الفَرِّيسِيِّ أخَذَتْ قارُورَةَ طِيبٍ؛ ووَقَفَتْ مِن ورائِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ باكِيَةً؛ وبَدَأتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِدُمُوعِها؛ وتَمْسَحُها بِشَعْرِ رَأْسِها؛ (p-١٧١)وكانَتْ تُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ؛ وتَدْهُنُهُما بِالطِّيبِ؛ فَلَمّا رَأى ذَلِكَ الفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعاهُ فَكَّرَ في نَفْسِهِ قائِلًا: لَوْ كانَ هَذا نَبِيًّا عَلِمَ ما هَذِهِ؛ وأنَّها خاطِئَةٌ؛ فَأجابَ يَسُوعُ وقالَ لَهُ: يا سَمْعانُ؛ غَرِيمانِ عَلَيْهِما لِإنْسانٍ دَيْنٌ؛ عَلى أحَدِهِما خَمْسُمِائَةِ دِينارٍ؛ وعَلى الآخَرِ خَمْسُونَ؛ ولَيْسَ لَهُما ما يُوَفِّيانِ؛ فَوُهِبَ لَهُما؛ فَأيُّهُما أكْثَرُ حُبًّا لَهُ؟ فَقالَ: أظُنُّ الَّذِي وُهِبَ لَهُ الأكْثَرُ؛ فَقالَ لَهُ: بِالحَقِّ حَكَمْتَ؛ ثُمَّ التَفَتَ إلى المَرْأةِ وقالَ: يا سَمْعانُ؛ دَخَلْتُ بَيْتَكَ فَلَمْ تَسْكُبْ عَلى رِجْلَيَّ ماءً؛ وهَذِهِ بَلَّتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ؛ ومَسَحَتْهُما بِشَعْرِ رَأْسِها؛ أنْتَ لَمْ تُقَبِّلْنِي؛ وهَذِهِ مُنْذُ دَخَلَتْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ قَدَمَيَّ؛ أنْتَ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي بِزَيْتٍ؛ وهَذِهِ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ قَدَمَيَّ؛ لِأجْلِ ذَلِكَ أقُولُ لَكَ: إنَّ خَطاياها مَغْفُورَةٌ لَها؛ لِأنَّها أحَبَّتْ كَثِيرًا؛ ثُمَّ قالَ لَها: اذْهَبِي بِسَلامٍ؛ إيمانُكِ خَلَّصَكِ؛ وكانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرُ إلى كُلِّ مَدِينَةٍ؛ ويَكْرِزُ؛ ويُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ؛ ومَعَهُ الِاثْنا عَشَرَ؛ ونِسْوَةٌ كُنَّ أبْرَأهُنَّ مِنَ الأمْراضِ؛ والأرْواحِ الخَبِيثَةِ؛ مَرْيَمُ؛ الَّتِي تُدْعى المَجْدِلانِيَّةُ؛ الَّتِي أخْرَجَ مِنها سَبْعَةَ شَياطِينَ؛ ويُوَنّا امْرَأةُ خُوزِي خازِنِ هِيرُودُسَ؛ وأُخَرُ كَثِيراتٌ. وقالَ مَتّى: حِينَئِذٍ جاءَ إلَيْهِ تَلامِيذُ يُوحَنّا قائِلِينَ: لِماذا نَحْنُ والفَرِّيسِيُّونَ نَصُومُ كَثِيرًا؛ وتَلامِيذُكَ (p-١٧٢)لا يَصُومُونَ؟ فَقالَ لَهم يَسُوعُ: لا يَسْتَطِيعُ بَنُو العُرْسِ أنْ يَنُوحُوا ما دامَ العَرِيسُ مَعَهُمْ؛ وسَتَأْتِي أيّامٌ إذا ارْتَفَعَ العَرِيسُ عَنْهم حِينَئِذٍ يَصُومُونَ؛ لَيْسَ أحَدٌ يَأْخُذُ خِرْقَةً جَدِيدَةً يَجْعَلُها في ثَوْبٍ بالٍ؛ لِأنَّها تَأْخُذُ مَلْأها مِنَ الثَّوْبِ؛ فَيَصِيرُ الخَرْقُ أكْبَرَ؛ وقالَ مُرْقُسُ: إنَّهُ لا يُرَقِّعُ إنْسانٌ ثَوْبًا بالِيًا بِخِرْقَةٍ جَدِيدَةٍ إلّا مَدَّ الجَدِيدَ البالِي فَيَخْرُقُهُ؛ وقالَ مَتّى: ولا تُجْعَلُ خَمْرٌ جَدِيدَةٌ في زُقاقِ عِتْقٍ فَتَنْشَقُّ الزُّقاقُ وتَهْلِكُ؛ وتُهْراقُ الخَمْرُ؛ لَكِنْ تُجْعَلُ خَمْرٌ جَدِيدَةٌ في زُقاقٍ جُدُدٍ؛ فَيُتَحَفَّظانِ جَمِيعًا؛ وقالَ لُوقا: وما مِن أحَدٍ يَشْرَبُ قَدِيمًا فَيُحِبُّ الجَدِيدَ لِلْوَقْتِ؛ لِأنَّهُ يَقُولُ: إنَّ القَدِيمَ أطْيَبُ؛ وقالَ مَتّى: وفِيما هو يُكَلِّمُهم إذا رَئِيسٌ قَدْ جاءَ إلَيْهِ ساجِدًا قائِلًا: إنَّ ابْنَتِي ماتَتِ الآنَ؛ تَأْتِي فَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْها فَتَحْيا؛ فَقامَ يَسُوعُ وتَبِعَهُ تَلامِيذُهُ؛ فَإذا امْرَأةٌ بِها نَزِيفُ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً؛ قالَ مُرْقُسُ: أعْيَتْ مِنَ الأطِبّاءِ؛ أنْفَقَتْ كُلَّ مالِها؛ لَمْ تَجِدْ راحَةً؛ بَلْ تَزْدادُ وجَعًا؛ فَلَمّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ - قالَ مَتّى: جاءَتْ مِن خَلْفِهِ ومَسَّتْ طَرْفَ ثَوْبِهِ - فالتَفَتَ يَسُوعُ فَرَآها؛ فَقالَ لَها: ثِقِي يا ابْنَةُ؛ إيمانُكِ خَلَّصَكِ؛ فَبَرَأتِ المَرْأةُ مِن تِلْكَ السّاعَةِ؛ وجاءَ يَسُوعَ إلى بَيْتِ الرَّئِيسِ؛ وقالَ مُرْقُسُ: ولَمْ يَدَعْ أحَدًا يَتْبَعُهُ إلّا بُطْرُسَ؛ (p-١٧٣)ويَعْقُوبَ؛ ويُوحَنّا أخا يَعْقُوبَ؛ انْتَهى؛ فَنَظَرَ إلى الجَمْعِ مُضْطَرِبِينَ؛ فَقالَ لَهُمْ: اخْرُجُوا؛ لَمْ تَمُتِ الجارِيَةُ؛ لَكِنَّها نائِمَةٌ؛ فَضَحِكُوا مِنهُ؛ فَلَمّا خَرَجَ الجَمْعُ دَخَلَ وأمْسَكَ يَدَها فَقامَتِ الجارِيَةُ؛ وقالَ مُرْقُسُ: وأخْرَجَ جَمِيعَهم وأخَذَ مَعَهُ أبا الصَّبِيَّةِ؛ وأمَّها؛ والَّذِينَ مَعَهُ؛ ثُمَّ دَخَلَ إلى المَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الصَّبِيَّةُ مَوْضُوعَةٌ؛ وأخَذَ بِيَدِها؛ وقالَ لَها: طَلِيثا؛ قُومِي - الَّذِي تَأْوِيلُهُ: يا صَبِيَّةُ - لَكِ أقُولُ: قُومِي؛ فَلِلْوَقْتِ قامَتِ الصَّبِيَّةُ ومَشَتْ؛ وكانَ لَها اثْنَتا عَشْرَةَ سَنَةً؛ فَبُهِتُوا؛ وعَجِبُوا عَجَبًا عَظِيمًا؛ فَأمَرَهم كَثِيرًا ألّا يُعْلِمُوا أحَدًا بِهَذا؛ وقالَ: أطْعِمُوها تَأْكُلْ؛ وقالَ مَتّى: وخَرَجَ خَبَرُها في جَمِيعِ تِلْكَ الأرْضِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب