الباحث القرآني

﴿قالَ فَإنَّها﴾؛ أيْ: الأرْضَ المُقَدَّسَةَ؛ ﴿مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ أيْ: بِسَبَبِ أقْوالِهِمْ هَذِهِ؛ وأفْعالِهِمْ؛ لا يَدْخُلُها مِمَّنْ قالَ هَذِهِ المَقالَةَ؛ أوْ رَضِيَها أحَدٌ؛ بَلْ يَمْكُثُونَ ﴿أرْبَعِينَ سَنَةً﴾؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ - جَوابًا لِمَن تَشَعَّبَ فِكْرُهُ في تَعَرُّفِ حالِهِمْ في هَذِهِ الأرْبَعِينَ؛ ومَحَلِّهِمْ مِنَ الأرْضِ - قَوْلَهُ: ﴿يَتِيهُونَ﴾؛ أيْ: يَسِيرُونَ مُتَحَيِّرِينَ؛ ﴿فِي الأرْضِ﴾؛ حَتّى يَهْلَكُوا كُلُّهُمْ؛ والتِّيهُ: المَفازَةُ الَّتِي يُحَيَّرُ سالِكُها؛ فَيَضِلُّ عَنْ وجْهِ مَقْصِدِهِ؛ رُوِيَ أنَّهم أقامُوا هَذِهِ المُدَّةَ في سِتَّةِ فَراسِخَ؛ يَسِيرُونَ كُلَّ يَوْمٍ جادِّينَ؛ ثُمَّ يَمْشُونَ في المَوْضِعِ الَّذِي سارُوا مِنهُ؛ ثُمَّ سَبَّبَ عَنْ إخْبارِهِ بِعُقُوبَتِهِمْ قَوْلَهُ: ﴿فَلا تَأْسَ﴾؛ أيْ: تَحْزَنْ حُزْنًا مُؤْيِسًا؛ ﴿عَلى القَوْمِ﴾؛ أيْ: الأقْوِياءِ الأبْدانِ؛ الضُّعَفاءِ القُلُوبِ؛ ﴿الفاسِقِينَ﴾؛ أيْ: الخارِجِينَ مِن قَيْدِ الطّاعاتِ؛ ثُمَّ بَعْدَ هَلاكِهِمْ أُدْخِلُها بَنِيهِمُ الَّذِينَ نَشَأُوا في التِّيهِ؛ لِسَلامَتِهِمْ مِنَ اعْوِجاجِ طِباعِهِمُ الَّتِي ألْبَسَتْهم إيّاها بِلادُ الفَراعِنَةِ؛ فَإنِّي كَتَبْتُها لِبَنِي إسْرائِيلَ؛ ولَمْ أُخْبِرْ بِتَعْيِينِهِمْ - وإنْ كانُوا مُعَيَّنِينَ في عِلْمِي - كَما اقْتَضَتْ ذَلِكَ حِكْمَتِي؛ وفي هَذِهِ القِصَّةِ أوْضَحُ دَلِيلٍ عَلى نَقْضِهِمْ لِلْعُهُودِ الَّتِي بُنِيَتِ السُّورَةُ عَلى طَلَبِ الوَفاءِ بِها؛ وافْتُتِحَتْ بِها؛ وصَرَّحَ بِأخْذِها عَلَيْهِمْ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [المائدة: ١٢] (p-٨٠)إلى أنْ قالَ: ﴿وآمَنتُمْ بِرُسُلِي وعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ [المائدة: ١٢]؛ وفي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِيما يَفْعَلُونَهُ مَعَهُ؛ وتَذْكِيرٌ لَهُ بِالنِّعْمَةِ عَلى قَوْمِهِ بِالتَّوْفِيقِ؛ وتَرْغِيبٌ لِمَن أطاعَ مِنهُمْ؛ وتَرْهِيبٌ لِمَن عَصى؛ وماتَ في تِلْكَ الأرْبَعِينَ كُلُّ مَن قالَ ذَلِكَ القَوْلَ؛ أوْ رَضِيَهُ؛ حَتّى النُّقَباءُ العَشْرَةُ؛ وكانَ الغَمامُ يُظِلُّهم مِن حَرِّ الشَّمْسِ؛ ويَكُونُ لَهم عَمُودٌ مِن نُورٍ بِاللَّيْلِ؛ يُضِيءُ هَهُنا عَلَيْهِمْ؛ وغَيْرُ هَذا مِنَ النِّعَمِ؛ لِأنَّ المَنعَ بِالتِّيهِ كانَ تَأْدِيبًا لَهُمْ؛ لا غَضَبًا؛ فَإنَّهم تابُوا. شَرْحُ هَذِهِ القِصَّةَ مِمّا بَيْنَ أيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْراةِ؛ وذِكْرُ بَعْضِ ما عَذَّبَهم فِيهِ بِذُنُوبِهِمْ؛ قالَ في السِّفْرِ الرّابِعِ مِنها: (وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسى؛ وقالَ لَهُ: أرْسِلْ قَوْمًا يَجُسُّونَ الأرْضَ الَّتِي أُعْطِي بَنِي إسْرائِيلَ؛ فَأرْسَلَهم مُوسى مِن بَرِّيَّةِ فارانَ؛ رِجالًا مِن رُؤَساءَ بَنِي إسْرائِيلَ - اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا - فِيهِمْ كالابُ بْنُ يَوْفُنّا؛ وهُوساعُ بْنُ نُونٍ؛ ودَعا مُوسى هُوساعَ بْنَ نُونٍ يَشُوعَ؛ وأرْسَلَهم لِيَسْتَخْبِرُوا أرْضَ كَنْعانَ؛ وقالَ لَهُمْ: اعْرَفُوا خَبَرَ الشَّعْبِ الَّذِي بِها؛ أقَوِيٌّ هو أمْ ضَعِيفٌ؟ أكَثِيرٌ هو أمْ قَلِيلٌ؟ وما خَبَرُ الأرْضِ الَّتِي هم فِيها؛ أمُخْصِبَةٌ أمْ لا؟ أفِيها شَجَرٌ أمْ لا؟ وفي نُسْخَةٍ: وما المُدُنُ الَّتِي يَسْكُنُونَها؟ وإنْ كانَتْ مُحَوَّطًا عَلَيْها أمْ لا؟ وتَقَوَّوْا وخُذُوا مِن ثِمارِ الأرْضِ؛ فَصَعِدُوا فاسْتَخْبَرُوا الأرْضَ؛ وأخَذُوا مِن بَرِّيَّةِ صِينَ؛ حَتّى (p-٨١)انْتَهَوْا إلى راحُوبَ الَّتِي في مَدْخَلِ حَماتَ؛ وصَعِدُوا إلى التَّيْمُنِ؛ فَأتَوْا حَبْرانَ - وفي نُسْخَةٍ: حَبْرُونَ - وكانَ بِها بَنُو الجَبابِرَةِ؛ ثُمَّ أتَوْا وادِي العُنْقُودِ؛ وقَطَعُوا قَضِيبًا مِنَ الكَرْمِ؛ فِيهِ عُنْقُودُ عِنَبٍ؛ فَحَمَلَهُ رَجُلانِ بِأسْطارٍ؛ ودَعَوُا اسْمَ ذَلِكَ المَوْضِعِ وادِي العُنْقُودِ؛ مِن أجْلِ ذَلِكَ؛ وأخَذُوا مِنَ الرُّمّانِ والتِّينِ أيْضًا؛ ورَجَعُوا إلى مُوسى بَعْدَ أرْبَعِينَ لَيْلَةً إلى بَرِّيَّةِ فارانَ إلى رَقِيمَ؛ وأخْبَرُوا مُوسى والجَماعَةَ كُلَّها خَبَرَ الأرْضِ؛ وقالُوا: انْطَلَقْنا؛ فَإذا الأرْضُ تَغُلُّ اللَّبَنَ؛ والعَسَلَ؛ وهَذِهِ ثِمارُها؛ ولَكِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي في الأرْضِ عَزِيزٌ قَوِيٌّ؛ وقُراهم كِبارٌ مُشَيَّدَةٌ؛ ورَأيْنا ثَمَّ بَنِي الجَبابِرَةِ؛ ثُمَّ ذُكِرَ أنَّ الكَنْعانِيِّينَ عَلى ساحِلِ البَحْرِ إلى نَهْرِ الأُرْدُنِّ؛ قالُوا: وكُنّا عِنْدَهم مِثْلَ الجَرادِ؛ كَذَلِكَ رَأيْنا أنْفُسَنا؛ فَضَجَّتِ الجَماعَةُ كُلُّها؛ ورَفَعُوا أصْواتَهم بِالبُكاءِ؛ وبَكَوْا في تِلْكَ اللَّيْلَةِ بُكاءً شَدِيدًا؛ وتَذَمَّرَ جَمِيعُ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى مُوسى وهارُونَ في ذَلِكَ اليَوْمِ؛ وضَجُّوا عَلَيْهِما؛ وقالَ لَهُما مَحافِلُ بَنِي إسْرائِيلَ كُلُّها: يا لَيْتَنا مِتْنا بِأرْضِ مِصْرَ عَلى يَدَيِ الرَّبِّ؛ ولَيْتَنا مِتْنا في هَذِهِ البَرِّيَّةِ؛ ولا يُدْخِلُنا الرَّبُّ إلى الأرْضِ الَّتِي نُصْرَعُ فِيها قَتْلًا؛ وتُنْتَهَبُ مَواشِينا؛ وأهْلُونا؛ كانَ المَنُونُ بِأرْضِ مِصْرَ خَيْرًا لَنا؛ وقالَ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم لِأخِيهِ: اجْتَمِعُوا حَتّى نُصَيِّرَ عَلَيْنا رَئِيسًا؛ ونَرْجِعَ إلى أرْضِ مِصْرَ؛ (p-٨٢)فَخَرَّ مُوسى وهارُونُ عَلى وُجُوهِهِما ساجِدَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ جَماعَةِ بَنِي إسْرائِيلَ كُلِّها؛ فَأمّا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ؛ وكالابُ بْنُ يَوْفُنّا؛ اللَّذانِ كانا مِنَ الجَواسِيسِ؛ فَقالا: الأرْضُ مُخْصِبَةٌ جِدًّا؛ فَإنْ شاءَ الرَّبُّ دَفَعَها إلَيْنا؛ فَهي أرْضٌ تَغُلُّ السَّمْنَ والعَسَلَ؛ فَلا تَعْصُوا الرَّبَّ؛ ولا تَفْتَتِنُوا؛ ولا تَخافُوا شَعْبَ هَذِهِ الأرْضِ؛ لِأنَّ أهْلَها مَبْذُولُونَ لَنا مِثْلَ الطَّعامِ لِلْأكْلِ؛ واعْلَمُوا أنَّ قَوِيَّهم سَيَضْعُفُ؛ وتَزُولُ عَنْهم شِدَّتُهُمْ؛ ونَحْنُ الغالِبُونَ؛ لِأنَّ الرَّبَّ مَعَنا؛ فَلا تَفْرَقُوا مِنهُمْ؛ وظَهَرَ مَجْدُ الرَّبِّ بِالسَّحابَةِ في قُبَّةِ الزَّمانِ تِجاهَ بَنِي إسْرائِيلَ؛ وقالَ الرَّبُّ لِمُوسى: إلى مَتى يُسْخِطُنِي هَذا الشَّعْبُ؟ وكَمْ إلى كَمْ لا يُصَدِّقُونَنِي؟ ألَمْ يَرَوْا جَمِيعَ الآياتِ الَّتِي أتَيْتُهم بِها؟ سَأضْرِبُهم بِالمَوْتِ؛ وأُهْلِكُهُمْ؛ وأُصَيِّرُكَ الشَّعْبَ أعْظَمَ مِن هَذا؛ وأعَزَّ مِنهُمْ؛ فَقالَ مُوسى أمامَ الرَّبِّ: يَسْمَعُ أهْلُ مِصْرَ الَّذِينَ أخْرَجَتْ هَذا الشَّعْبَ مِن بَيْنِهِمْ بِقُوَّتِكَ؛ ويَقُولُ لِسُكّانِ هَذِهِ الأرْضِ أيْضًا الَّذِينَ سَمِعُوا أنَّكَ رَبُّ هَذا الشَّعْبِ؛ فَإنْ أنْتَ قَتَلْتَ هَذا الشَّعْبَ جَمِيعًا كَرَجُلٍ واحِدٍ؛ تَقُولُ الشُّعُوبُ الَّتِي بَلَغَها خَبَرُكَ: إنَّ الرَّبَّ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يُدْخِلَ هَذا الشَّعْبَ الأرْضَ الَّتِي كانَ وعَدَ إيّاهُمْ؛ فَلِذَلِكَ قَتَلَهم في البَرِّيَّةِ؛ فَلْتَعْظُمْ قُوَّتُكَ الآنَ يا رَبُّ؛ كَما وعَدْتَ؛ وقُلْتَ؛ يا رَبُّ (p-٨٣)أنْتَ ذُو المَوَدَّةِ والنِّعْمَةِ؛ تَغْفِرُ الإثْمَ والخَطايا؛ وتُزَكِّي مَن لَيْسَ بِمُزَكًّى؛ اغْفِرْ يا رَبُّ كَما غَفَرْتَ لَهم مُذْ خَرَجُوا مِن أرْضِ مِصْرَ إلى الآنَ؛ فَقالَ الرَّبُّ لِمُوسى: قَدْ غَفَرْتُ لَهم لِقَوْلِكَ؛ ولَكِنِّي حَيٌّ قَيُّومٌ؛ أُقْسِمُ بِذَلِكَ؛ وبِمَجْدِي الَّذِي امْتَلَأتِ الأرْضُ كُلُّها مِنهُ أنَّ جَمِيعَ الرِّجالِ الَّذِينَ عايَنُوا مَجْدِي والآياتِ الَّتِي أظْهَرْتُ لَهم بِمِصْرَ والفَضاءِ؛ وجَرَّبُونِي عَشْرَ مَرّاتٍ؛ ولَمْ يُطِيعُونِي ولَمْ يَقْبَلُوا قَوْلِي؛ لا يُعايِنُونَ الأرْضَ الَّتِي أقْسَمْتُ لِآبائِهِمْ أنِّي أُعْطِيهِمْ؛ ولا يَدْخُلُها أحَدٌ مِنَ الَّذِينَ أغْضَبُونِي؛ فَأقْبِلُوا غَدًا؛ وارْتَحِلُوا إلى طَرِيقِ بَحْرٍ سُوفَ؛ وقالَ الرَّبُّ: إلى مَتى تُغَفَّرُ هَذِهِ الجَماعَةُ الرَّدِيئَةُ بَيْنَ يَدَيَّ؟ فَبِي أُقْسِمُ إنَّكم تَصِيرُونَ إلى ما قُلْتُمْ؛ وكَما فَكَّرْتُمْ؛ ذَلِكَ يُصِيبُكم في هَذِهِ البَرِّيَّةِ؛ فَتَسْقُطُ جُثَّثُكم فِيها؛ وتَبْلى أجْسادُكُمْ؛ ويَهْلِكُ كُلُّ عَدَدِكُمْ؛ وحِسابِكُمْ؛ مِنَ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً إلى فَوْقَ؛ لِأنَّكم تَشَوَّشْتُمْ؛ وتَذَمَّرْتُمْ عَلَيَّ؛ لا تَدْخُلُوا الأرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لِأُنْزِلَكم فِيها؛ ولا يَدْخُلُها إلّا كالابُ بْنُ يَوْفُنّا ويَشُوعُ بْنُ نُونٍ؛ وأمّا مَواشِيكُمُ الَّتِي قُلْتُمْ: إنَّها تُنْتَهَبُ؛ وبَنُوكُمُ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ؛ فَهم يَدْخُلُونَ الأرْضَ؛ وأُصَيِّرُهم إلَيْها؛ وأُورِثُهُمُ الأرْضَ؛ فَأمّا جِيَفُكم فَتَسْقُطُ وتَبْلى في هَذِهِ البَرِّيَّةِ. وتَمْكُثُ بَنُوكم يَتَرَدَّدُونَ في هَذِهِ المَفازَةِ أرْبَعِينَ سَنَةً؛ يُعاقَبُونَ حَتّى تَهْلِكَ جُثَّثُكم في هَذِهِ البَرِّيَّةِ عَلى عَدَدِ الأيّامِ الَّتِي اجْتَسَّ الجَواسِيسُ الأرْضَ فِيها؛ لِكُلِّ يَوْمٍ سَنَةٌ؛ (p-٨٤)وتُعاقَبُونَ بِإثْمِكُمْ؛ لِكُلِّ يَوْمِ سَنَةٌ؛ أرْبَعِينَ سَنَةً لِأرْبَعِينَ يَوْمًا؛ فَتَعْلَمُونَ أنِّي إنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ لِتَذَمُّرِكم بَيْنَ يَدَيَّ؛ أنا الرَّبُّ؛ قُلْتُ: كَذَلِكَ أصْنَعُ بِهَذِهِ الجَماعَةِ الرَّدِيئَةِ؛ الَّتِي اجْتَمَعَتْ بَيْنَ يَدَيَّ؛ تَهْلِكُ في هَذِهِ البَرِّيَّةِ؛ يَمُوتُونَ كُلُّهُمْ؛ والقَوْمُ الَّذِينَ أرْسَلَهم مُوسى أنْ يَجْتَسُّوا الأرْضَ لَهُ؛ فانْقَلَبُوا وشَغَبُوا عَلَيْهِ؛ وأفْسَدُوا الجَماعَةَ كُلَّها؛ وذَلِكَ أنَّهم أخْبَرُوا الشَّعْبَ في أمْرِ الأرْضِ خَبَرًا رَدِيئًا؛ وماتَ القَوْمُ الَّذِينَ أخْبَرُوا الخَبَرَ السَّوْءَ مَوْتَ الفُجاءَةِ أمامَ الرَّبِّ؛ فَأمّا يَشُوعُ وكالابُ فَنَجَوا مِنَ المَوْتِ؛ ولَمْ يَهْلِكا مَعَ الَّذِينَ اسْتَخْبَرُوا الأرْضَ؛ فَأخْبَرَ مُوسى بَنِي إسْرائِيلَ هَذِهِ الأقْوالَ؛ وجَلَسُوا في حُزْنٍ شَدِيدٍ؛ وقالُوا: نَحْنُ صاعِدُونَ إلى المَوْضِعِ الَّذِي أمَرَ الرَّبُّ ونُقِرُّ بِخَطايانا؛ قالَ لَهم مُوسى: اعْلَمُوا أنَّكم لا تَنْجَحُونَ؛ ولا يَتِمُّ أمْرُكُمْ؛ لا تَصْعَدُوا؛ لِأنَّ الرَّبَّ لَيْسَ مَعَكُمْ؛ لِئَلّا يَهْزِمَكم أعْداؤُكُمْ؛ فَإنْ صَعِدْتُمْ هُزِمْتُمْ؛ وقُتِلْتُمْ؛ لِأنَّكم أغْضَبْتُمُ الرَّبَّ؛ ورَجَعْتُمْ عَنْ قَوْلِهِ؛ فَلِذَلِكَ لا يَكُونُ الرَّبُّ مَعَكُمْ؛ فَصَعِدَ القَوْمُ إلى رَأْسِ الجَبَلِ؛ فَأمّا تابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ ومُوسى النَّبِيِّ فَلَمْ يَبْرَحا مِنَ العَسْكَرِ؛ ونَزَلَ العِمْلَقانِيُّونَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ ذَلِكَ الجَبَلَ وحارَبُوهُمْ؛ وهَزَمُوهُمْ؛ وقَتَلُوا مِنهم مَقْتَلَةً عَظِيمَةً؛ وطَرَدُوهم إلى حُرْما)؛ وكانَ ذُكِرَ قَبْلَ ذَلِكَ في السِّفْرِ الثّانِي؛ وقَبْلَ مَعْصِيَتِهِمْ في أمْرِ الجَواسِيسِ؛ قِتالُهم في رَفِيدِينَ؛ ورَقِيمَ لِعَمالِيقَ؛ فَقالَ ما نَصُّهُ: وإنَّ عَمالِيقَ جاءَ لِيُقاتِلَ بَنِي إسْرائِيلَ بِرَفِيدِينَ؛ فَقالَ مُوسى لِيَشُوعَ: (p-٨٥)اخْتَرْ رَجُلًا مِن أهْلِ الجَلَدِ والشِّدَّةِ؛ واخَرُجْ بِنا نُقاتِلْ عَمالِيقَ غَدًا؛ وأنا واقِفٌ عَلى رَأْسِ الأكَمَةِ؛ وقَضِيبُ اللَّهِ في يَدِي؛ فَصَنَعَ يَشُوعُ كَما قالَ لَهُ مُوسى؛ فَخَرَجَ إلى حَرْبِ عَمالِيقَ؛ وصَعِدَ مُوسى وهارُونُ وحُورُ إلى رَأْسِ الجَبَلِ؛ وكانَ مُوسى إذا رَفَعَ يَدَهُ قَوِيَ بَنُو إسْرائِيلَ؛ وإذا خَفَضَ يَدَهُ قَوِيَ عَمالِيقُ؛ فَأعْيَتْ يَدُ مُوسى؛ فَأخَذَ حِجارَةً فَوَضَعَها تَحْتَهُ؛ ثُمَّ اسْتَوى عَلَيْها جالِسًا؛ وكانَ هارُونُ وحُورُ يُدَعِّمانِ يَدَيْهِ؛ أحَدُهُما يَمِينًا والآخَرُ شِمالًا؛ حَتّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَهَزَمَ يَشُوعُ عَمالِيقَ ومَن مَعَهُ؛ وقَتَلُوهم بِحَدِّ السَّيْفِ؛ فَقالَ الرَّبُّ لِمُوسى: اكْتُبْ هَذا الأمْرَ في سِفْرِ الكِتابِ؛ وضَعْهُ أمامَ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ؛ لِأنِّي أمَحَقُ وأُبِيدُ ذِكْرَ عَمالِيقَ مِن تَحْتِ السَّماءِ؛ فَبَنى لِلرَّبِّ مَذْبَحًا؛ ودَعا اسْمَهُ ”اللَّهُ عِلْمِي“؛ ثُمَّ قالَ: وأرْسَلَ رُسُلًا مِن رَقِيمَ إلى مَلِكِ أدُومَ بِأنَّهم نازِلُونَ في رَقِيمَ - القَرْيَةِ الَّتِي في حَدِّ بِلادِهِ - واسْتَأْذَنَهُ في الجَوازِ في بِلادِهِ؛ فَهَدَّدَهم بِالمُقاتَلَةِ؛ فَقالُوا: لا نَشْرَبُ لَكَ ماءً إلّا بِثَمَنٍ؛ فَقالَ: لا تَجُوزُوا في حَدِّي؛ وخَرَجَ إلَيْهِمْ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ؛ وسِلاحٍ شاكٍ؛ فَصَغا بَنُو إسْرائِيلَ عَنْهُ وظَعَنُوا (p-٨٦)مِن رَقِيمَ؛ وأتى جَمِيعُ بَنِي إسْرائِيلَ إلى هُورٍ الجَبَلِ؛ حَيْثُ تُوُفِّيَ هارُونُ؛ ثُمَّ قالَ: ونَزَلَ مُوسى وإلِيعازَرُ مِنَ الجَبَلِ؛ فَرَأتْ مَحافِلُ بَنِي إسْرائِيلَ كُلُّها أنَّ هارُونَ قَدْ تُوُفِّيَ؛ وبَكى عَلى هارُونَ جَمِيعُ بَنِي إسْرائِيلَ ثَلاثِينَ يَوْمًا؛ وسَمِعَ الكَنْعانِيُّ؛ مَلِكُ عَرادَ؛ الَّذِي كانَ يَسْكُنُ التَّيْمُنَ؛ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ قَدْ نَزَلُوا في طَرِيقِ الجَواسِيسِ؛ فَحارَبَهُمْ؛ وسَبى مِنهم قَوْمًا؛ فَنَذَرَ بَنُو إسْرائِيلَ نَذْرًا لِلرَّبِّ؛ وقالُوا: إنْ أنْتَ دَفَعْتَ إلَيْنا هَذا الشَّعْبَ يا رَبُّ وقَوَّيْتَنا عَلَيْهِ؛ جَعَلْنا قُراهم حَرِيمَةً لِلرَّبِّ؛ فَسَمِعَ الرَّبُّ أصْواتَ بَنِي إسْرائِيلَ؛ ودَفَعَ إلَيْهِمُ الكَنْعانِيِّينَ؛ وقَوّاهم عَلَيْهِمْ؛ وهَزَمُوهُمْ؛ وقَتَلُوهُمْ؛ وجَعَلُوا قُراهم حَرِيمَةً لِلرَّبِّ؛ ودَعَوُا اسْمَ تِلْكَ البِلادِ حَرِيمَةَ؛ فَظَعَنَ الشَّعْبُ مِن هُورٍ الجَبَلِ في طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ لِيَدُورُوا حَوْلَ أرْضِ أدُومَ؛ فَفَزِعَتْ أنْفُسُ الشَّعْبِ مِن شِدَّةِ الطَّرِيقِ؛ وكَلَّتْ؛ وتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلى اللَّهِ؛ وعَلى مُوسى؛ وقالُوا: لِمَ أصَعَدْتَنا مِن مِصْرَ ؟ لِتُمِيتَنا في مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ خُبْزٌ ولا ماءٌ؛ قَدْ ضاقَتْ أنْفُسُنا مِن قِلَّةِ الطَّعامِ؛ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَيّاتٍ؛ فَنَهَشَتْ قَوْمًا مِنَ الشَّعْبِ؛ وماتَ مِنهم كَثِيرٌ؛ فاجْتَمَعُوا إلى مُوسى؛ وقالُوا: قَدْ أخْطَأْنا إذْ تَذَمَّرْنا عَلى اللَّهِ؛ وعَلَيْكَ؛ صَلِّ أمامَ الرَّبِّ لِتَنْصَرِفَ عَنّا الحَيّاتُ؛ فَصَلّى مُوسى؛ فَقالَ الرَّبُّ لَهُ: اتَّخِذْ حَيَّةً مِن نُحاسٍ مِثالَ الحَيَّةِ؛ وارْفَعْها عَلى خَشَبَةٍ؛ عَلامَةً؛ ومَن نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ يَنْظُرُ إلى الحَيَّةِ المُعَلَّقَةِ (p-٨٧)فَيَبْرَأ؛ فَفَعَلَ ذَلِكَ؛ فَظَعَنَ بَنُو إسْرائِيلَ؛ فَنَزَلُوا أبُوتَ؛ ثُمَّ ارْتَحَلُوا مَن أبُوتَ ونَزَلُوا عَلى عَيْنِ العِبْرانِيِّينَ الَّتِي في البَرِّيَّةِ أمامَ أرْضِ مُوآبَ؛ في الجانِبِ الشَّرْقِيِّ؛ وحَيْثُ مَشارِقُ الشَّمْسِ؛ ثُمَّ ظَعَنُوا مِن هُناكَ؛ ونَزَلُوا وادِي زُرُودَ؛ وارْتَحَلُوا مِن هُناكَ؛ ونَزَلُوا عَبْرَ أرِنُونَ في البَرِّيَّةِ؛ أمامَ أرْضِ مُوآبَ في الجانِبَيْنِ؛ الَّتِي تَخْرُجُ مِن حَدِّ الأمُورانِيِّينَ؛ وهي في حَدِّ المُوآبِيِّينَ؛ ولِذَلِكَ يُقالُ في كِتابِ ”حُرُوبُ الرَّبِّ“: واهِبٌ في سُوفَةَ ووادِي أرْنُونَ؛ ومَصَبِّ الأوْدِيَةِ المائِلَةِ إلى سُكّانِ عارَ الَّتِي تَنْتَهِي إلى حَدِّ المُوآبِيِّينَ؛ ثُمَّ أرْسَلَ بَنُو إسْرائِيلَ رُسُلًا إلى سِيحُونَ؛ مَلِكِ الأمُورانِيِّينَ؛ وقالُوا لَهُ: نَجُوزُ في أرْضِكَ مِن غَيْرِ أنْ نَطَأ لَكَ حَقْلًا؛ ولا كَرْمًا؛ ولا نَشْرَبُ مِن ماءِ جَنّاتِكَ؛ ولَكِنْ نَلْزَمُ الطَّرِيقَ الأعْظَمَ حَتّى نَجُوزَ أرْضَكَ؛ فَأبى سِيحُونَ؛ وجَمَعَ جَمِيعِ أجْنادِهِ؛ وخَرَجَ إلى البَرِّيَّةِ؛ وحارَبَ بَنِي إسْرائِيلَ؛ فَقَتَلَ بَنُو إسْرائِيلَ سِيحُونَ وأصْحابَهُ؛ ووَرِثُوا أرْضَهُ؛ وصَعِدُوا إلى أرْضِ مَتْنِينَ؛ وخَرَجَ عُوجٌ؛ مَلِكُ مَتْنِينَ (p-٨٨)إلَيْهِمْ هو وأجْنادُهُ؛ لِيُحارِبَهم في أدْرَعِيَ؛ وقالَ الرَّبُّ لِمُوسى: لا تَخَفْهُ لِأنِّي دافِعُهُ في يَدِكَ وأُصَيِّرُ جَمِيعَ شَعْبِهِ وأرْضِهِ في يَدِكَ؛ فاصْنَعْ بِهِ كَما صَنَعْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأمُورانِيِّينَ؛ فَلَمّا حارَبُوهُ قُتِلَ هو وبَنَوْهُ؛ وجَمِيعُ شَعْبِهِ؛ ولَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ؛ فَظَعَنَ بَنُو إسْرائِيلَ؛ ونَزَلُوا عَرَباتِ مُوآبَ الَّتِي عِنْدَ أُرْدُنِّ إرِيحا؛ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ بَلْعامَ بْنِ باعُورَ وغَيْرَها؛ وقالَ: ثُمَّ قالَ الرَّبُّ لِمُوسى: اصْعَدْ إلى هَذا الجَبَلِ؛ جَبَلِ العِبْرانِيِّينَ؛ وانْظُرْ إلى أرْضِ كَنْعانَ الَّتِي أُعْطِي بَنِي إسْرائِيلَ؛ فَإذا نَظَرْتَ إلَيْها اجْتَمَعَ مَعَكَ شَعْبُكَ؛ وصِرْ إلى ما صارَ إلَيْهِ آباؤُكَ كَما صارَ [ إلَيْهِ ] هارُونُ أخُوكَ؛ فَتَكَلَّمَ مُوسى أمامَ الرَّبِّ؛ وقالَ: يَأْمُرُ اللَّهُ رَجُلًا يُرِيدُ الجَماعَةَ ويَدْخُلُ ويَخْرُجُ أمامَهُمْ؛ ويُدْخِلُهم ويُخْرِجُهُمْ؛ لِكَيْلا تَكُونَ جَماعَةُ الرَّبِّ كالغَنَمِ الَّتِي لَيْسَ لَها راعٍ؛ فَقالَ الرَّبُّ لِمُوسى: اعْمَدْ إلى يَشُوعَ بْنِ نُونٍ - رَجُلٍ عَلَيْهِ مِنَ الرُّوحِ نِعْمَةٌ - فَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ؛ وأقِمْهُ بَيْنَ يَدَيْ إلِيعازَرَ الحَبْرِ؛ أمامَ الجَماعَةِ كُلِّها؛ ومِن تُجاهِهِمْ قُبُلًا؛ وأعْطِهِ مِنَ المَجْدِ الَّذِي عَلَيْكَ؛ فَتُطِيعُهُ جَماعَةُ بَنِي إسْرائِيلَ كُلُّها؛ ويَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ إلِيعازَرَ الحَبْرِ لِيَكُونَ يَسْألُ الرَّبَّ عَنْ حَوائِجِهِ وسُنَنِهِ؛ ويَحْفَظُ بَنُو إسْرائِيلَ قَوْلَهُ؛ (p-٨٩)وعَنْ قَوْلِهِ يَخْرُجُونَ؛ وعَنْ قَوْلِهِ يَدْخُلُونَ؛ وفَعَلَ مُوسى كالَّذِي أمْرَهُ اللَّهُ في يَشُوعَ وغَيْرِهِ - ثُمَّ ذَكَرَ أشْياءَ مِنَ القَرابِينِ؛ والأعْيادِ؛ وفَتْحِ مَدْيَنَ؛ وبَقِيَّةِ قِصَّةِ بَلْعامَ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ ثُمَّ قالَ: وكَثُرَتْ مَواشِي بَنِي رُوبِيلَ وبَنِي جادَ جِدًّا؛ ونَظَرُوا إلى يَعْزِيرَ وأرْضِ جِلْعادَ أنَّهُ مَوْضِعٌ يَصْلُحُ لِلْمَواشِي؛ فَقالُوا لِمُوسى: إنْ نَحْنُ ظَفِرْنا مِنكَ بِرَحْمَةٍ ورَأْفَةٍ تُعْطِي هَذِهِ الأرْضَ لِعَبِيدِكِ مِيراثًا؛ ولا تُجِزْنا نَهْرَ الأُرْدُنِّ؛ فَقالَ مُوسى: إخْوَتُكم يَخْرُجُونَ إلى الحَرْبِ وأنْتُمْ تَسْتَقِرُّونَ هَهُنا؟ لِمَ تَكْسِرُونَ قُلُوبَ إخْوَتِكم ألّا يَجُوزُوا إلى الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيهِمُ الرَّبُّ مِيراثًا؟! هَكَذا صَنَعَ أيْضًا آباؤُكُمْ؛ فاشْتَدَّ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ؛ وأقْسَمَ أنَّهُ لا يُعايِنُ أحَدٌ مِنهُمُ الأرْضَ الَّتِي وعَدْتُ بِها آباءَهُمْ؛ لِأنَّهم لَمْ يُتِمُّوا قَوْلِي؛ ولَمْ يَتَّبِعُوا وصِيَّتِي؛ ما خَلا كالابَ بْنَ يَوْفُنّا القَنْزابِيَّ ويَشُوعَ بْنَ نُونٍ؛ إنَّهُما أتَمّا قَوْلَ الرَّبِّ؛ فاشْتَدَّ غَضَبُ الرَّبِّ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ؛ وتَوْهُهم في البَرِّيَّةِ أرْبَعِينَ سَنَةً؛ حَتّى هَلَكَ حُقْبُ الرِّجالِ الَّذِينَ أسْخَطُوا الرَّبَّ؛ وأنْتُمُ اليَوْمُ أيْضًا تُرِيدُونَ أنْ يَنْزِلَ غَضَبُ الرَّبِّ بِبَنِي إسْرائِيلَ؛ وإنْ أنْتُمُ انْقَلَبْتُمْ عَنْ أمْرِ الرَّبِّ أيْضًا يَعُودُ أنْ يُتَوِّهَكم في التِّيهِ؛ فَتُفْسِدُوا عَلى جَمِيعِ هَذا الشَّعْبِ؛ (p-٩٠)فَدَنا مِنهُ القَوْمُ وقالُوا: نَبْنِي هَهُنا قُرًى لِعِيالاتِنا؛ وحَظائِرَ لِأنْعامِنا؛ ونَحْنُ نَتَسَلَّحُ أمامَ بَنِي إسْرائِيلَ حَتّى نُدْخِلَهم إلى مَواضِعِهِمْ؛ ولا نَرْجِعُ إلى بُيُوتِنا حَتّى يَرِثَ بَنُو إسْرائِيلَ كُلُّ إنْسانٍ مِيراثَهُ؛ ولا نَرْثِ مَعَهم مَن عَبَرالأُرْدُنَّ؛ وما خَلْفَ ذَلِكَ؛ لِأنّا قَدْ قَبَضْنا مِيراثَنا في مَجازِ الأُرْدُنِّ في مَشارِقِ الشَّمْسِ؛ فَقالَ لَهم مُوسى: إذا أنْتُمْ فَعَلْتُمْ هَذا الفِعْلَ وتَسَلَّحْتُمْ أمامَ رَبِّكُمْ؛ حِينَئِذٍ تَرْجِعُونَ وتَسْتَجْلِبُونَ أرْضَكُمْ؛ ويَرْضى بَنُو إسْرائِيلَ عَنْكُمْ؛ وتَصِيرُ هَذِهِ الأرْضُ لَكم مِيراثًا؛ وإنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذا تَصِيرُوا أمامَ الرَّبِّ خَطَأةً؛ واعْلَمُوا أنَّ خَطاياكم تُدْرِكُكُمْ؛ ثُمَّ قالَ: وهَذِهِ خَطَأٌ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ؛ حَيْثُ خَرَجُوا مِن أرْضِ مِصْرَ؛ فَذَكَرَ ما تَقَدَّمَ في ”البَقَرَةِ“؛ ثُمَّ قالَ: وارْتَحَلُوا مِن مَقْبَرَةِ الشَّهْوَةِ ونَزَلُوا حَضَرُوتَ؛ وظَعَنُوا مِن حَضَرُوتَ ونَزَلُوا رِثْما؛ وارْتَحَلُوا مَن رِثْما ونَزَلُوا رِمُّونَ فَرَصَ؛ وظَعَنُوا مِن رِمُّونَ فَرَصَ ونَزَّلُوا لِبْنا - وفي نُسْخَةٍ: لِبُونا - (p-٩١)وارْتَحَلُوا مِن لِبْنا ونَزَلُوا أراسِيا - وفي نُسْخَةٍ: رَسا - وظَعَنُوا مِن أراسِيا - أوْ رَسا - ونَزَلُوا قَهاثَ - وفي نُسْخَةٍ: بِقَهالاثَ - وارْتَحَلُوا مِن قَهاثَ ونَزَلُوا جَبَلَ شافارَ - وفي نُسْخَةٍ: شافَرَ - وارْتَحَلُوا مِن جَبَلِ شافارَ؛ ونَزَلُوا حَرادَةَ - وفي نُسْخَةٍ: حَرَذا - وارْتَحَلُوا مِن حَرادَةَ - وفي نُسْخَةٍ: حارَذا - ونَزَلُوا مَقْهَلُوثَ - وفي نُسْخَةٍ: مَهْقَلُوثَ - وظَعَنُوا مِن مَقْهَلُوثَ ونَزَلُوا تَحاثَ - وارْتَحَلُوا مِن تَحاثَ ونَزَلُوا تَرَحَ؛ وارْتَحَلُوا مَن تَرَحَ ونَزَلُوا مِثْقا؛ وارْتَحَلُوا مِن مِثْقا ونَزَلُوا حَشْمُونا؛ وظَعَنُوا مِن حَشْمُونا ونَزَلُوا مُسِرُوتَ؛ وارْتَحَلُوا مِن مُسِرُوتَ ونَزَلُوا بِحَيِّ بَنِي يَعْقانَ؛ وظَعَنُوا مِن حَيِّ بَنِي يَعْقانَ ونَزَلُوا جَبَلَ جِدْجادَ؛ وارْتَحَلُوا مِن جِدْجادَ ونَزَلُوا يُطْبَثَ - وفي نُسْخَةٍ: يُطْباثا - وظَعَنُوا مِن يُطْبَثَ ونَزَلُوا عَجْرُونا - وفي نُسْخَةٍ: عَبْرُونا - وارْتَحَلُوا مِن عَجْرُونا ونَزَلُوا عِصْيُونَ جابَرَ؛ وهي قُلْزُمَ؛ ورَحَلُوا مِن عِصْيُونَ جابَرَ ونَزَلُوا بَرَّصِينٍ - وفي نُسْخَةٍ: بَرِّيَّةَ صِينٍ؛ المَعْرُوفَةِ بِقَداشَ - وهي رَقِيمُ؛ وظَعَنُوا مِن قَداشَ ونَزَلُوا هُورًا الجَبَلَ الَّذِي في أقاصِي (p-٩٢)أرْضِ أدُومَ - وفي نُسْخَةٍ: وظَعَنُوا مِن بَرِّيَّةِ صِينٍ فَنَزَلُوا في قَفْرِ فارانَ؛ وهي القُدْسُ؛ وارْتَحَلُوا مِنَ القُدْسِ فَنَزَلُوا في جَبَلِ هُورٍ بِحِذاءِ أرْضِ أدُومَ وهي الرُّومُ - وصَعِدَ هارُونُ الحَبْرُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ إلى هُورٍ الجَبَلِ؛ وتُوُفِّيَ هُناكَ في سَنَةِ أرْبَعِينَ؛ بِخُرُوجِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن أرْضِ مِصْرَ؛ في الشَّهْرِ الأوَّلِ أوَّلَ يَوْمٍ مِنهُ؛ وقَدْ كانَ أتى عَلى هارُونَ يَوْمَ تُوُفِّيَ مِائَةٌ وثَلاثٌ وعِشْرُونَ سَنَةً؛ وبَلَغَ الكَنْعانِيَّ مَلِكُ حَدِّيا السّاكِنَ بِالتَّيْمُنِ في أرْضِ كَنْعانَ - وفي نُسْخَةٍ: عَرادَ السّاكِنَ في الدّارُومِ في بَلَدِ ماءَبَ - أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ أتَوْا حَدَّهُ؛ فُيْنُونُ مِن هُورٍ الجَبَلِ ونَزَلُوا صَلْمُونا؛ وارْتَحَلُوا مِن صَلْمُونا ونَزَلُوا فُيْنُونُ؛ وظَعَنُوا مِن فُيْنُونُ؛ ونَزَلُوا أُبُوثَ - وفي نُسْخَةٍ: أباثَ - وارْتَحَلُوا مِن أُبُوثَ ونَزَلُوا العَيْنَ المَعْرُوفَةَ بِالعِبْرانِيِّينَ عَلى حَدِّ مُوآبَ - وفي نُسْخَةٍ: ونَزَلُوا عايا في العَيْنِ عَلى تُخُومِ مُوآبَ - وارْتَحَلُوا مَن عايا فَنَزَلُوا جادَ - وفي نُسْخَةٍ: ورَحَلُوا مِن عَيْنِ العِبْرانِيِّينَ؛ ونَزَلُوا دِيبُونَ قَرْيَةَ جادَ - وارْتَحَلُوا مِن قَرْيَةِ جادَ ونَزَلُوا عَلْمُونَ؛ الَّتِي دِبْلَثَيَمَ - وفي نُسْخَةٍ: دِبْلاثَيَمَ - وظَعَنُوا مِن (p-٩٣)عَلْمُونَ الَّتِي دِبْلَثَيَمَ - وفي نُسْخَةٍ: دِبْلاثَيَمَ - فَنَزَلُوا جَبَلَ العِبْرانِيِّينَ الَّذِي أمامَ نابُو؛ وارْتَحَلُوا مِن جَبَلِ العِبْرانِيِّينَ؛ ونَزَلُوا عَرَبَةَ مُوآبَ الَّتِي بِأُرْدُنِّ يَرِيحا - وفي نُسْخَةٍ: ونَزَلُوا مَغارِبَ مُوآبَ عَلى الأُرْدُنِّ قُبالَةَ يَرِيحا - ونَزَلُوا عَلى شاطِئِ الأُرْدُنِّ مِن عِنْدِ أشِيمُوتَ إلى آبِلَ شاطِيمَ الَّتِي عِنْدَ عَرَبَةِ مُوآبَ - وفي نُسْخَةٍ: قُبالَةَ مَغارِبِ مُوآبَ. وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسى عَلى مَغارِبِ مُوآبَ عِنْدَ الأُرْدُنِّ؛ قُبالَةَ يَرِيحا؛ فَقالَ: كَلِّمْ بَنِي إسْرائِيلَ؛ وقُلْ لَهُمْ: أنْتُمْ جائِزُونَ الأُرْدُنَّ إلى أرْضِ كَنْعانَ لِتُهْلِكُوا جَمِيعَ سُكّانِ الأرْضِ؛ وتَحْرِقُوا بُيُوتَ أصْنامِهِمُ المَسْبُوكَةَ؛ وتَقْلَعُوا مَذابِحَهم كُلَّها؛ وتَصِيرُ الأرْضُ إلَيْكُمْ؛ وتَرِثُونَها؛ فاقْسِمُوها لِعَشائِرِكم سِهامًا؛ وصَيِّرُوا الكَثِيرَ عَلى قَدْرِ كَثْرَتِهِمْ؛ والقَلِيلَ عَلى قَدْرِ قِلَّتِهِمْ؛ وكُلُّ قَبِيلَةٍ عَلى ما يَرْتَفِعُ السَّهْمُ بِها وتُصِيبُها القُرْعَةُ؛ وإنْ لَمْ تُهْلِكُوا سُكّانَ الأرْضِ مِن بَيْنِ أيْدِيكم فالَّذِينَ يَبْقَوْنَ مِنهم يَكُونُونَ أسِنَّةً في أعْيُنِكُمْ؛ وسِهامًا في أصْداغِكُمْ؛ ويُضَيِّقُونَ عَلَيْكم في الأرْضِ الَّتِي تَسْكُنُونَها؛ وكَما رَأيْتَ أنْ أصْنَعَ بِهِمْ كَذَلِكَ أصْنَعُ بِكُمْ؛ فَهَكَذا اقْسِمُوا الأرْضَ في مَوارِيثِكُمْ: أرْضَ كَنْعانَ بِحُدُودِها؛ (p-٩٤)فَأمّا حَدُّ التَّيْمُنِ فَيَكُونُ لَكم مِن ساحِلِ البَحْرِ المِلْحِ مِن ناحِيَةِ المَشْرِقِ؛ ويَدُورُ حَدُّكم مِنَ التَّيْمُنِ إلى عَقَبَةِ عَقْرِبِّيمَ؛ ويَجُوزُ إلى صِينٍ؛ وتَكُونُ مَخارِجُهُ مِنَ التَّيْمُنِ إلى رَقِيمَ الجائِي؛ ويَخْرُجُ مِن هُناكَ إلى حَصْرِ إدّارَ - وفي نُسْخَةٍ: إلى رَفَحَ - ويَجُوزُ إلى عَصْمُونَ إلى وادِي مِصْرَ؛ وتَكُونُ مَخارِجُهُ إلى ناحِيَةِ البَحْرِ؛ ويَكُونُ حَدُّ البَحْرِ حَدَّكُمْ؛ والبَحْرُ الأعْظَمُ بِحُدُودِهِ؛ هَذا حَدُّكم مِن ناحِيَةِ البَحْرِ؛ وأمّا حَدُّكم مِمّا يَلِي الجِرْبَيا - وفي نُسْخَةٍ: الشَّمالَ - فَيَكُونُ مِنَ البَحْرِ الأعْظَمِ إلى هُورٍ الجَبَلِ؛ وحُدُودُ ذَلِكَ مِنَ الجَبَلِ إلى مَدْخَلِ حَماةَ؛ وتَكُونُ مَخارِجُ الجَبَلِ إلى صَدَدَ؛ ويَخْرُجُ الحَدُّ إلى زُفَرُونَ؛ وتَكُونُ مَخارِجُهُ إلى حَصْرِ عَيْنَنَ؛ هَذِهِ حُدُودُكم مِن ناحِيَةِ الجِرْبَيا؛ وأمّا حُدُودُكم مِن ناحِيَةِ المَشْرِقِ فَحُدُودُهُ مِن حَصْرِ عَيْنَنَ إلى شافَمَ؛ ويَنْزِلُ الحَدُّ مِن شافَمَ إلى رَبْلَةَ إلى مَشارِقِ غابَ؛ حَتّى يَنْتَهِيَ إلى بَحْرِ كِنَّرَتَ - وفي نُسْخَةٍ: البُحَيْرَةِ المَيْتَةِ - مِن مَشارِقِهِ؛ ويَدُورُ حَتّى يَنْزِلَ إلى حَدِّ الأُرْدُنِّ؛ وتَكُونُ مَخارِجُهُ إلى بَحْرِ المِلْحِ؛ هَذِهِ حُدُودُ الأرْضِ الَّتِي تَرِثُونَها؛ كَما تَدُورُ؛ ثُمَّ ذَكَرَ القِسْمَةَ؛ وشَيْئًا مِنَ الأحْكامِ؛ ثُمَّ قالَ في أوَّلِ السِّفْرِ الخامِسِ: هَذِهِ الآياتُ والأقْوالُ الَّتِي قالَ مُوسى لِبَنِي إسْرائِيلَ عِنْدَ مَجازِ الأُرْدُنِّ في البَرِّيَّةِ في عَرابا - وفي نُسْخَةٍ: البَيْداءِ؛ وهو الجانِبُ الغَرْبِيُّ - (p-٩٥)حِيالَ سُوفَ؛ بَيْنَ فارانَ؛ وبَيْنَ تُفالَ ولَبانَ وحَضَرُوتَ وذِي ذَهَبٍ - وفي نُسْخَةٍ: ودارِ الذَّهَبِ؛ وهو إشارَةٌ إلى المَوْضِعِ الَّذِي عَبَدُوا فِيهِ العِجْلَ - مَسِيرَ أحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِن حُورِيبَ إلى ساعِيرَ؛ وإلى رِقامَ الجائِي. لَمّا كانَ في سَنَةِ أرْبَعِينَ مِن خُرُوجِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن مِصْرَ؛ في الشَّهْرِ الحادِي عَشَرَ؛ في أوَّلِ يَوْمٍ مِنهُ؛ كَلَّمَ مُوسى بَنِي إسْرائِيلَ؛ وأمَرَهم بَعْدَ قَتْلِهِمْ سِيحُونَ مَلِكَ الأمُورانِيِّينَ؛ وعُوجًا مَلِكَ مَتْنِينَ في مَجازِ الأُرْدُنِّ في أرْضِ مُوآبَ؛ قالَ: إنَّ اللَّهَ قالَ لَنا في حُورِيبَ: قَدْ طالَ مُكْثُكم في هَذا الجَبَلِ؛ انْهَضُوا فارْتَحِلُوا مِن هَهُنا؛ وادْخُلُوا جَبَلَ الأمُورانِيِّينَ وكُلَّ ما حَوْلَهُ؛ إلى القُرى؛ والجَبَلِ؛ وإلى ساحِلِ البَحْرِ؛ أسْفَلَ الجِبالِ؛ والتَّيْمُنِ أرْضِ الكَنْعانِيِّينَ؛ ولُبْنانَ إلى النَّهْرِ الكَبِيرِ؛ الَّذِي هو الفُراتُ؛ ادْخُلُوا ورِثُوا الأرْضَ الَّتِي وعَدَ اللَّهُ آباءَكُمْ؛ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ أنْ يُعْطِيَهُمْ؛ ويُورِثَها نَسْلَهم مِن بَعْدِهِمْ؛ ثُمَّ قالَ: وأمَرْتُكم في ذَلِكَ الزَّمانِ بِما يَنْبَغِي أنْ تَصْنَعُوا؛ وارْتَحَلْنا مِن حُورِيبَ وسِرْنا في البَرِّيَّةِ العَظِيمَةِ المَرْهُوبَةِ؛ كَما أمَرَنا اللَّهُ رَبُّنا؛ وانْتَهَيْنا إلى رَقِيمَ الجائِي؛ وقُلْتُ لَكُمْ: (p-٩٦)قَدِ انْتَهَيْتُمْ إلى جَبَلِ الأمُورانِيِّينَ الَّذِي أعْطانا اللَّهُ رَبُّنا؛ اصْعَدُوا ورِثُوا الأرْضَ كَما قالَ لَكُمُ اللَّهُ رَبُّ آبائِكُمْ؛ لا تَخافُوا؛ ولا تَفْزَعُوا؛ وتَقَدَّمْتُمْ إلَيَّ بِأجْمَعِكُمْ؛ وقُلْتُمْ: نُرْسِلُ بَيْنَ أيْدِينا رِجالًا يَتَجَسَّسُونَ لَنا الأرْضَ؛ ويُخْبِرُونَنا بِخَبَرِها؛ ويَدُلُّونَنا عَلى الطَّرِيقِ الَّذِي نَسِيرُ فِيهِ؛ والقُرى الَّتِي نَدْخُلُها؛ فَكانَ قَوْلُكم عِنْدِي حَسَنًا؛ وعَمَدْتُ إلى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنكُمْ؛ مِن كُلِّ سِبْطٍ مِنكم رَجُلٌ؛ وأرْسَلْتُهُمْ؛ وصَعِدُوا إلى الجَبَلِ حَتّى انْتَهَوْا إلى وادِي العُنْقُودِ؛ واسْتَخْبَرُوا الأرْضَ وأخَذُوا مِن ثِمارِ الأرْضِ؛ وأتَوْا بِهِ وأخْبَرُونا؛ وقالُوا لَنا: ما أخْصَبَ الأرْضَ الَّتِي يُعْطِينا اللَّهُ رَبُّنا؛ ولَمْ يُعْجِبْكم أنْ تَصْعَدُوا؛ ولَكِنِ اجْتَنَبْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ رَبِّكُمْ؛ وأغْضَبْتُمُوهُ؛ وتَوَشْوَشْتُمْ في خَيْمَتِكُمْ؛ وقُلْتُمْ: لِبُغْضِ الرَّبِّ أخْرَجَنا مِن أرْضِ مِصْرَ؛ لِيَدْفَعَنا في أيْدِي الأمْوَرانِيِّينَ لِيُهْلِكُونا؛ إلى أيْنَ نَصْعَدُ؟! إخْوَتُنا كَسَرُوا قُلُوبَنا؛ وقالُوا: الشَّعْبُ أعْظَمُ وأعَزُّ مِنّا؛ وأقْوى؛ وقُراهم عَظِيمَةٌ مُشَيَّدَةٌ إلى السَّماءِ؛ ورَأيْنا هُناكَ أبْناءً جَبابِرَةً؛ وقُلْتُ لَكُمْ: لا تَخافُوا؛ ولا تَفْزَعُوا مِنهُمْ؛ مِن أجْلِ أنَّ اللَّهَ رَبَّكم هو يَسِيرُ أمامَكُمْ؛ وهو يُجاهِدُ عَنْكُمْ؛ كَما صَنَعَ بِكم في أرْضِ مِصْرَ؛ وفي البَرِّيَّةِ. كَما رَأيْتُمْ أنَّهُ فَداكم كَما يَفْدِي الوالِدُ ولَدَهُ في كُلِّ الأرْضِ الَّتِي سَلَكْتُمُوها؛ حَتّى انْتَهَيْتُمْ إلى هَذِهِ البِلادِ؛ (p-٩٧)وبِهَذا القَوْلِ لَمْ تُصَدِّقُوا أنَّ اللَّهَ رَبَّكم يُكْمِلُ لَدَيْكم أنَّهُ يَسِيرُ أمامَكم في الطَّرِيقِ لِيُهَيِّئَ لَكم مَوْضِعًا تَسْكُنُونَ فِيهِ؛ ألَيْسَ هو الَّذِي أراكم طَرِيقًا تَسْلُكُونَ فِيهِ بِاللَّيْلِ بِالنّارِ؛ وسَتْرَكم بِالنَّهارِ مِن حَرِّ الشَّمْسِ بِالغَمامِ؛ وسَمِعَ الرَّبِّ كَلامَكم وأصْواتَكم وغَضِبَ؛ وأقْسَمَ وقالَ: لا يُعايِنُ أحَدٌ مِن هَؤُلاءِ القَوْمِ - أهْلِ هَذا الحُقْبِ الرَّدِئِ - الأرْضَ المُخَصَّبَةَ الَّتِي أقْسَمْتُ أنْ أُعْطِيَ آباءَهم غَيْرَ كالابَ بْنِ يَوْفُنّا؛ إنِّي أدْفَعُ إلَيْهِ الأرْضَ الَّتِي مَشى فِيها؛ وأُورِثُها ولَدُهُ؛ لِأنَّهُ أتَمَّ قَوْلَ الرَّبِّ؛ وأكْمَلَ سُنَّتَهُ؛ وقالَ لِي: وأنْتَ أيْضًا لا تَدْخُلُها؛ ولَكِنْ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ الَّذِي يَخْدِمُكَ هو يَدْخُلُ هُناكَ؛ إيّاهُ قَوِّ وأيِّدْ؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي يُورِثُ بَنِي إسْرائِيلَ الأرْضَ المُخَصَّبَةَ الَّتِي وعَدْتُ بِها آباءَهم أنْ أُعْطِيَهُمْ؛ وأمّا مَواشِيكُمُ الَّتِي قُلْتُمْ: إنَّها تُنْتَهَبُ؛ وبَنُوكُمُ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ؛ فَهم يَدْخُلُونَ هُناكَ؛ وإلَيْهِمْ أدْفَعُها؛ وهم يَرِثُونَها؛ فَأمّا أنْتُمْ فاقْبَلُوا وارْتَحِلُوا إلى البَرِّيَّةِ في طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ؛ فَرَدَدْتُمْ عَلَيَّ وقُلْتُمْ: أسَأْنا؛ وأجْرَمْنا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ رَبِّنا؛ نَحْنُ صاعِدُونَ؛ ومُجاهِدُونَ؛ كَما قالَ لَنا؛ وتَسَلَّحَ كُلُّ امْرِئٍ مِنكم بِسِلاحِهِ؛ وتَهَيَّأْتُمْ لِلصُّعُودِ إلى الجَبَلِ؛ وقالَ الرَّبُّ لِي: أنْذِرْهُمْ؛ وقُلْ لَهُمْ: لا تَصْعَدُوا؛ ولا تُجاهِدُوا؛ لِأنِّي لَسْتُ بَيْنَكُمْ؛ لِئَلّا يَهْزِمَكم أعْداؤُكُمْ؛ وقُلْتُ ولَمْ تَقْبَلُوا؛ اجْتَنَبْتُمْ قَوْلَ الرَّبِّ؛ وأغْضَبْتُمُوهُ؛ وجَسَرْتُمْ؛ وطَلَعْتُمْ إلى الجَبَلِ؛ فَخَرَجَ الأمُورِيُّونَ السّاكِنُونَ (p-٩٨)فِي ذَلِكَ الجَبَلِ لِلِقائِكُمْ؛ وطَرَدُوكم كَما تُطْرَدُ الزَّنابِيرُ بِالدُّخانِ؛ ودَفَعُوكم مِن ساعِيرَ إلى حَرْما؛ وجَلَسْتُمْ وبَكَيْتُمْ؛ ولَمْ يَسْمَعِ الرَّبُّ أصْواتَكُمْ؛ فَبَكَيْتُمْ أمامَ الرَّبِّ في رَقامَ أيّامًا كَثِيرَةً؛ ما مَكَثْتُمْ فِيها؛ فَأقْبَلْنا؛ فارْتَحَلْنا في البَرِّيَّةِ في طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ؛ كَما قالَ الرَّبُّ؛ وتَرَدَّدْنا حَوْلَ جَبَلِ ساعِيرَ أيّامًا كَثِيرَةً؛ وقالَ لِي الرَّبُّ: قَدْ طالَ تَرَدُّدُكم حَوْلَ هَذا الجَبَلِ؛ أقْبِلُوا إلى الجانِبِ الجِرْبِيِّ؛ فَتَقَدَّمَ إلى الشَّعْبِ؛ وقُلْ لَهُمْ: أنْتُمْ تَجُوزُونَ في حَدِّ إخْوَتِكم بَنِي عاسُو - وفي نُسْخَةٍ: عَيْصُو - الَّذِينَ يَسْكُنُونَ ساعِيرَ؛ فاحْفَظُوا ألّا تُولَعُوا بِهِمْ. لِأنِّي لَسْتُ أُعْطِيكم مِن أرْضِهِمْ مِيراثًا ولا مَوْضِعَ قَدَمٍ؛ ابْتاعُوا مِنهم طَعامًا لِمَأْكَلِكُمْ؛ وامْتارُوا مِنهم ماءً بِفِضَّةٍ لِمَشْرَبِكُمْ؛ ولْيُبارِكِ اللَّهُ رَبُّكم عَلَيْكُمْ؛ ويُبارِكْ لَكم في كُلِّ ما عَمِلَتْ أيْدِيكُمْ؛ كَما عُلِمَ أنْ يَسُوسَكم في هَذِهِ البَرِّيَّةِ أرْبَعِينَ سَنَةً؛ اللَّهُ رَبُّكم ما دامَ مَعَكم لا يَعُوزُ بِكم شَيْءٌ؛ وجُزْنا طَرِيقَ العَرَبَةِ - وفي نُسْخَةٍ: البَيْداءَ - وأيْلَةَ؛ وأقْبَلْنا وجُزْنا في البَرِّيَّةِ إلى طَرِيقِ مُوآبَ؛ وقالَ لِي الرَّبُّ: لا تُضَيِّقْ عَلى المُوآبِيِّينَ؛ ولا تُحارِبْهُمْ؛ لِأنِّي لَسْتُ أُعْطِيكَ مِن أرْضِهِمْ مِيراثًا؛ بَلْ قَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ (p-٩٩)الأرْضَ مِيراثًا لَبَنِي لُوطٍ؛ هَذِهِ الَّتِي سَكَنَها إمْتى أوَّلًا؛ شَعْبًا كانَ عَظِيمًا؛ كانَ المُوآبِيُّونَ يُسَمُّونَهم إمْتى؛ فَأمّا ساعِيرُ فَكانَ سُكّانُها الحُورانِيِّينَ أوَّلًا؛ ووَرِثَها بَنُو عاسُو؛ فَقُومُوا الآنَ فَجُوزُوا وادِي زَرَدَ؛ فَجُزْنا وادِي زَرَدَ حِينَئِذٍ؛ وكانَ عَدَدُ الأيّامِ الَّتِي سِرْنا مِن رَقِيمَ إلى أنْ جُزْنا وادِيَ زَرَدَ ثَمانِيًا وثَلاثِينَ سَنَةً؛ حَتّى هَلَكَ جَمِيعُ الرِّجالِ الأبْطالِ؛ أهْلُ ذَلِكَ الحُقْبِ مِن عَسْكَرِ بَنِي إسْرائِيلَ؛ كَما أقْسَمَ عَلَيْهِمُ الرَّبُّ؛ لِأنَّ يَدَ الرَّبِّ كانَتْ عَلَيْهِمْ حَتّى هَلَكُوا؛ فَلَمّا ماتُوا مِنَ الشَّعْبِ كَلَّمَنِي الرَّبُّ؛ وقالَ لِي: أنْتَ جائِزٌ اليَوْمَ إلى حَدٍّ مُوآبَ؛ وتَدْنُو مِن حَدِّ بَنِي عَمُّونَ؛ فَلا تَتَعَرَّضُ لَهُمْ؛ لَسْتُ أُعْطِيكَ مِيراثًا مِن أرْضِ بَنِي عَمُّونَ؛ لِأنِّي قَدْ جَعَلْتُها مِيراثًا لِبَنِي لُوطٍ؛ فَقُمْ وارْتَحِلَ؛ وجُزْ وادِي أرْنُونَ؛ إنِّي قَدْ دَفَعْتُ إلَيْكَ سِيحُونَ مَلِكَ الأمُورانِيِّينَ؛ فَحارِبْهُ؛ وأهْلِكْ أصْحابَهُ؛ فَإنِّي أبْدَأُ فَأُلْقِي خَوْفَكَ وفَزَعَكَ عَلى النّاسِ مُنْذُ يَوْمِكَ هَذا؛ وعَلى جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَحْتَ السَّماءِ؛ حَتّى إذا سَمِعُوا بِخَبَرِكَ فَرَقُوا؛ وفَزِعُوا مِنكَ؛ وأرْسَلْتَ رُسُلًا مِن بَرِّيَّةِ قَدَمُوتَ إلى سِيحُونَ مَلِكِ حَجَبُونَ بِكَلامٍ طَيِّبٍ؛ وبِالسَّلامِ؛ وقُلْتَ لَهُ: نَجُوزُ في أرْضِكَ ونَسِيرُ في الطَّرِيقِ الأعْظَمِ؛ لا نَمِيلُ يُمْنَةً ولا يُسْرَةً؛ نَمْتارُ مِنكم طَعامًا بِفِضَّةٍ لِمَأْكَلِنا؛ وكَذَلِكَ نَبْتاعُ ماءً لِمَشْرَبِنا بِثَمَنٍ؛ فَدَعُونا نَجُزْ (p-١٠٠)سائِرِينَ في الطَّرِيقِ؛ كَما صَنَعَ بِنا بَنُو عاسُو الَّذِينَ في ساعِيرَ؛ والمُوآبِيُّونَ الَّذِينَ في عارَ؛ حَتّى يَجُوزَ في الأُرْدُنِّ إلى الأرْضِ الَّتِي يُعْطِينا اللَّهُ رَبُّنا؛ ولَمْ يُسَرَّ سِيحُونُ مَلِكُ حَجَبُونَ أنْ نَجُوزَ في حَدِّهِ؛ لِأنَّ اللَّهَ رَبَّكم قَسّى قَلَبَهُ؛ وعَظَّمَ رُوحُهُ؛ لِيَدْفَعَهُ في أيْدِيكُمْ؛ وخَرَجَ إلَيْنا هو وجَمِيعُ أجْنادِهِ لِيُحارِبُونا في ياهاصَ؛ فَدَفَعَهُ الرَّبُّ إلَيْنا؛ وقَتَلْناهُ هو وجَمِيعَ أجْنادِهِ؛ وفَتَحْنا قُراهُ؛ وأهْلَكْنا كُلَّ مَن كانَ في قُراهُ؛ ولَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ؛ وأهْلَكْنا نِساءَهُمْ؛ وعِيالاتِهِمْ؛ ولَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ مِن حَدِّ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلى حَدِّ وادِي أرْنُونَ؛ والقَرْيَةِ الَّتِي في الوادِي؛ وإلى جِلْعادَ؛ لَمْ تَفُتْنا قَرْيَةٌ؛ بَلْ دَفَعَها اللَّهُ رَبُّنا في أيْدِينا جَمِيعًا؛ فَأمّا أرْضُ بَنِي عَمُّونَ فَلَمْ نَقْرَبْها؛ وكُلَّ ما كانَ عَلى وادِي يَبُّوقَ وقُرى الجِبالِ أيْضًا؛ وكُلَّ ما أمَرَنا اللَّهُ رَبُّنا بِهِ؛ ثُمَّ أقْبَلْنا وصَعِدْنا إلى أرْضِ مَتْنِينَ؛ وخَرَجَ إلَيْنا عُوجٌ مَلِكُ مَتْنِينَ؛ هو وكُلُّ شِيعَتِهِ لِيُحارِبَنا في أدْرَعِيَ؛ وقالَ لِيَ الرَّبُّ: لا تَفْرَقْ فَإنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ في يَدَيْكَ؛ وأسْلَمْتُ إلَيْكَ كُلَّ أجْنادِهِ وأرْضِهِ؛ وقَتَلْناهم ولَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ؛ وظَفِرْنا بِكُلِّ قُراهُ في ذَلِكَ الزَّمانِ؛ ولَمْ تَفُتْنا قَرْيَةٌ إلّا أخَذْناها مِنهُمْ؛ سِتِّينَ قَرْيَةً؛ كُلَّ جَبَلِ أرْجُوبَ؛ كُلَّ القُرى الَّتِي كانَتْ أسْوارُها (p-١٠١)مُشَيَّدَةً؛ مُحَصَّنَةً بِالأبْوابِ الشَّدِيدَةِ المُوَثَّقَةِ؛ وأحْرَمْناهُنَّ كَما صَنَعْنا بِسِيحُونَ؛ وأخَذْنا الأرْضَ في ذَلِكَ الزَّمانِ مِن مَلِكَيِ الأمُورانِيِّينَ اللَّذَيْنِ كانا عِنْدَ مَجازِ الأُرْدُنِّ مِن وادِي أرْنُونَ إلى جَبَلِ حَرْمُونَ؛ فَأمّا الصَّيْدانِيُّونَ فَكانُوا يَدْعُونَ حَرْمُونَ سِرْيُونَ؛ وأمّا الأمُورانِيُّونَ فَكانُوا يُسَمُّونَها سَنِيرَ؛ وأخَذْنا كُلَّ القُرى الَّتِي كانَتْ في الصَّحْراءِ؛ وكُلَّ جِلْعادَ وكُلَّ مَتْنِينَ إلى سَلْكَةَ وأدْرِعِيَ؛ جَمِيعَ قُرى مُلْكِ عُوجٍ؛ لِأنَّ عُوجًا كانَ الجَبّارَ الَّذِي بَقِيَ وحْدَهُ مِنَ الجَبابِرَةِ؛ وكانَ سَرِيرُهُ مِن حَدِيدٍ؛ وفي مَدِينَةِ بَنِي عَمُّونَ الَّتِي تُسَمّى رَبَّةَ؛ طُولُهُ تِسْعُ أذْرُعٍ؛ وعَرْضُهُ أرْبَعُ أذْرُعٍ؛ بِذِراعِ الجَبابِرَةِ؛ ووَرِثْنا هَذِهِ الأرْضَ في ذَلِكَ الزَّمانِ؛ ثُمَّ قالَ: أمَرْتُ يَشُوعَ في ذَلِكَ الزَّمانِ؛ وقُلْتُ: قَدْ رَأيْتُ بِعَيْنَيْكَ ما صَنَعَ اللَّهُ رَبُّكم بِمَلِكَيِ الأمُورانِيِّينَ؛ كَذَلِكَ يَصْنَعُ الرَّبُّ بِجَمِيعِ المَمْلَكاتِ الَّتِي تَجُوزُ إلَيْها؛ لِأنَّ اللَّهَ رَبَّكم هو يُجاهِدُ عَنْكُمْ؛ وتَضَرَّعْتُ إلى الرَّبِّ في ذَلِكَ الزَّمانِ؛ وقُلْتُ: أطْلُبُ إلَيْكَ يا رَبِّي وإلَهِي أنْ تُظْهِرَ لِعَبْدِكَ عَظَمَتَكَ بِيَدِكَ المَنِيعَةِ؛ وبِذِراعِكَ العَظِيمَةِ؛ أيُّ إلَهٍ في السَّماءِ؛ أوْ في الأرْضِ؛ يَعْمَلُ مِثْلَ أعْمالِكَ وجَرائِحِكَ؟! أتَأْذَنُ (p-١٠٢)لِيَ الآنَ فَأعْبُرَ وأُعايِنَ الأرْضَ المُخَصَّبَةَ الَّتِي في مَجازِ الأُرْدُنِّ؛ هَذا الجَبَلِ المُخَصَّبِ؛ ولُبْنانَ؛ ولَمْ يَسْتَجِبْ لِي؛ وقالَ لِيَ الرَّبُّ: حَسْبُكَ؛ لا تَعُدْ أنْ تَقُولَ هَذا القَوْلَ بَيْنَ يَدَيَّ؛ اصْعَدْ رَأْسَ الأكَمَةِ وارْفَعْ عَيْنَيْكَ إلى المَغْرِبِ والمَشْرِقِ؛ وإلى الجِرْبِيِّ والتَّيْمُنِ؛ وانْظُرْ إلَيْها نَظَرًا؛ ولا تَجُزْ هَذا الأُرْدُنَّ؛ ومُرْ يَشُوعَ؛ وتَقَدَّمْ إلَيْهِ؛ وقَوِّهِ؛ وأيِّدْهُ؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي يَجُوزُ أمامَ هَذا الشَّعْبِ؛ وهو الَّذِي يُورِثُهُمُ الأرْضَ الَّتِي تَراها؛ ونَزَلْنا الوادِيَ حِيالَ بَيْتِ فَغُورَ؛ ثُمَّ قالَ: وأقْسَمَ - أيْ: الرَّبُّ - أنِّي لا أجُوزُ هَذا الأُرْدُنَّ ولا أدْخُلُ إلى الأرْضِ الَّتِي أعْطاكُمُ اللَّهُ رَبُّكم مِيراثًا؛ فَأنا الآنَ مُتَوَفًى في هَذِهِ الأرْضِ؛ ولا أجُوزُ هَذا الأُرْدُنَّ؛ فَأمّا أنْتُمْ فَتَجُوزُونَ؛ وتَرِثُونَ هَذِهِ الأرْضَ المُخَصَّبَةَ؛ احْفَظُوا؛ لا تَنْسَوْا عَهْدَ رَبِّكُمُ الَّذِي عاهَدَكُمْ؛ ولا تُفْسِدُوا وتَتَّخِذُوا أصْنامًا وأشْباهًا؛ مِن أجْلِ أنَّ اللَّهَ رَبَّكم هو نارٌ مُحْرِقَةٌ؛ وهو إلَهٌ غَيُورٌ؛ وإذا وُلِدَ لَكم بِنُونَ؛ وبَنُو بَنِينَ؛ وعُتِقْتُمْ في الأرْضِ؛ واتَّخَذْتُمْ أصْنامًا؛ وأشْباهًا؛ وارْتَكَبْتُمُ الشَّرَّ أمامَ اللَّهِ رَبِّكُمْ؛ وأغْضَبْتُمُوهُ؛ قَدْ أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّماءَ والأرْضَ أنَّكم تَهْلَكُونَ سَرِيعًا مِنَ الأرْضِ الَّتِي تَجُوزُونَ لِتَرِثُوها؛ ولا تَكْثُرْ أيّامُكم فِيها؛ ويُبَدِّدْكُمُ الرَّبُّ مِن بَيْنِ الشُّعُوبِ؛ ويَبْقى مِنكم عَدَدٌ قَلِيلٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ (p-١٠٣)الَّتِي يُفَرِّقُكُمُ الرَّبُّ فِيها؛ سَلُوا عَنِ الأيّامِ الأُولى الَّتِي مَضَتْ قَبْلَكم مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ النّاسَ عَلى الأرْضِ؛ مِن أقْصى السَّماءِ إلى أقْطارِها؛ هَلْ كانَ مِثْلُ هَذا الأمْرِ العَظِيمِ؛ أوْ سُمِعَ بِمِثْلِهِ قَطُّ؟ هَلْ سَمِعَ شَعْبٌ آخَرُ صَوْتَ اللَّهِ يُكَلِّمُهُ مِنَ النّارِ؛ كَما سَمِعْتُمْ أنْتُمْ؛ وجَرِّبُوا اللَّهَ الَّذِي اتَّخَذَهم شَعْبًا مِنَ الشُّعُوبِ بِالبَلايا؛ والآياتِ؛ والأعاجِيبِ؛ والحُرُوبِ واليَدِ المَنِيعَةِ؛ والذِّراعِ العَظِيمَةِ؛ وبِالمَناظِرِ العَظِيمَةِ؛ كَما صَنَعَ اللَّهُ بِأهْلِ مِصْرَ تُجاهَكم أنْتُمْ؛ وعايَنْتُمْ وعَلِمْتُمْ أنَّ اللَّهَ هو رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ؛ ولَيْسَ إلَهٌ غَيْرُهُ؛ أسْمَعَكم صَوْتَهُ مِنَ السَّماءِ؛ لِيُعْلِمَكُمْ؛ وأراكم نارَهُ العَظِيمَةَ؛ وسَمِعْتُمْ أقاوِيلَهُ مِنَ النّارِ؛ ولِحُبِّهِ لِآبائِكُمُ اخْتارَ نَسْلَهم مِن بَعْدِهِمْ؛ وأخْرَجَكم بِوَجْهِهِ مِن مِصْرَ بِقُوَّتِهِ العَظِيمَةِ؛ لِيُهْلِكَ مِن بَيْنِ أيْدِيكم شُعُوبًا أعْظَمَ وأعَزَّ مِنكُمْ؛ لِيُدْخِلَكُمْ؛ ويُعْطِيَكم أرْضَهم مِيراثًا؛ لِتَعْلَمُوا يَوْمَكم هَذا؛ وتُقْبِلُوا بِقُلُوبِكُمْ؛ لِأنَّ الرَّبَّ هو إلَهٌ في السَّماءِ فَوْقَ؛ وفي الأرْضِ أسْفَلَ؛ ولَيْسَ إلَهٌ سِواهُ؛ احْفَظُوا سُنَنَهُ؛ ووَصاياهُ الَّتِي أمَرَكم بِها يَوْمَكم هَذا؛ لِيُنْعِمَ عَلَيْكم وعَلى أبْنائِكم مِن بَعْدِكُمْ؛ ويَطُولَ مُكْثُكم في الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيكُمُ اللَّهُ رَبُّكم طُولَ الأيّامِ. هَذِهِ الشَّهاداتُ والأحْكامُ الَّتِي قَصَّ مُوسى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ؛ حَيْثُ خَرَجُوا مِن أرْضِ مِصْرَ؛ فانْتَهَوْا إلى مَجازِ الأُرْدُنِّ في الوادِي؛ في مَشارِقِ الشَّمْسِ؛ وإلى بَحْرِ العَرَبَةِ إلى سُدُودِ الفِسْجَةَ؛ ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ في أواخِرِ هَذا السِّفْرِ؛ بَعْدَ أنْ قَصَّ عَلَيْهِمْ (p-١٠٤)أحْكامًا كَثِيرَةً؛ وحِكَمًا عَزِيزَةً: الرَّبُّ يُقْبِلُ بِكم إلى الخَيْرِ؛ ويُفْرِحُكم كَما فَرِحَ آباؤُكُمْ؛ وذَلِكَ إنْ أنْتُمْ سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ رَبِّكُمْ؛ وحَفِظْتُمْ سُنَنَهُ؛ ووَصاياهُ المَكْتُوبَةَ في هَذا الكِتابِ؛ مِن كُلِّ قُلُوبِكُمْ؛ وأنْفُسِكُمْ؛ مِن أجْلِ أنْ هَذِهِ الوَصِيَّةَ لَمْ تَخْفَ عَلَيْكُمْ؛ ولَمْ تَغِبْ؛ ولَيْسَ هو بِمَسْتُورٍ في السَّماءِ فَتَقُولُوا: مَن يَصْعَدْ لَنا إلى السَّماءِ ويَأْتِنا بِهِ فَنَسْمَعَهُ ونَعْمَلَ بِهِ؟! ولَيْسَ بِغائِبٍ عَنْكم في أقْصى البَحْرِ فَتَقُولُوا: مَن يَنْزِلْ لَنا إلى البَحْرِ ويَأْتِنا بِهِ فَنَسْمَعَهُ ونَعْمَلَ بِهِ؟! ولَكِنَّ القَوْلَ قَرِيبٌ مِن فَمِكَ وقَلْبِكَ فاعْمَلْ بِهِ؛ وانْظُرْ أنِّي قَدْ صَيَّرْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ اليَوْمَ الحَياةَ والخَيْرَ؛ فَأخْبَرْتُكَ بِالمَوْتِ والشَّرِّ؛ وأنا آمُرُكَ اليَوْمَ أنْ تُحِبَّ اللَّهَ رَبَّكَ؛ وتَسْلُكَ في طَرْقِهِ؛ وتَحْفَظَ سُنَنَهُ؛ ووَصاياهُ؛ وأحْكامَهُ؛ لِتَحْيا وتَكْثُرَ جِدًّا؛ ويُبارِكَ اللَّهُ رَبُّكَ عَلَيْكَ؛ ويُنَمِّيَكَ في الأرْضِ الَّتِي تَدْخُلُها لِتَرِثَها؛ وإنْ مالَ قَلَبُكَ وزاغَ؛ ولَمْ تَسْمَعْ؛ وضَلَلْتَ وتَبِعْتَ الآلِهَةَ الأُخْرى؛ وسَجَدْتَ لَها فَقَدْ بَيَّنْتُ لَكُمُ اليَوْمَ أنَّكم تَهْلِكُونَ هَلاكًا؛ ولا يَطُولُ مُكْثُكم في الأرْضِ الَّتِي تَجُوزُونَ الأُرْدُنَّ لِتَرِثُوها؛ وأوْعَزْتُ إلَيْكُمْ؛ وناشَدْتُكُمُ السَّماءَ والأرْضَ والحَياةَ والمَوْتَ - وفي نُسْخَةٍ: وأشْهَدْتُ عَلَيْكُمُ السَّماءَ والأرْضَ؛ وجَعَلْتُ بَيْنَ يَدَيْكُمُ الحَياةَ والمَوْتَ - وتَلَوْتُ (p-١٠٥)عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ والدُّعاءَ؛ فاخْتَرِ الحَياةَ لِتَحْيا أنْتَ ونَسْلُكَ؛ إذا أحْبَبْتَ اللَّهَ رَبَّكَ؛ وسَمِعْتَ قَوْلَهُ؛ ولَحِقْتَ بِعِبادَتِهِ؛ لِأنَّهُ حَياتُكَ؛ وطُولُ عُمْرِكَ؛ وتَسْكُنَ في الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ الرَّبُّ لِآبائِكَ ووَعَدَ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ أنْ يُعْطِيَكَ؛ ثُمَّ انْطَلَقَ مُوسى؛ وكَلَّمَ بَنِي إسْرائِيلَ؛ وقَصَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأقْوالَ كُلَّها؛ وقالَ لَهُمْ: اليَوْمَ مِائَةٌ وعِشْرُونَ سَنَةً؛ ولَسْتُ أقْدِرُ عَلى الدُّخُولِ والخُرُوجِ أيْضًا؛ والرَّبُّ قالَ: إنَّكَ لا تَجُوزُ هَذا الأُرْدُنَّ؛ فاللَّهُ رَبُّكم هو يَجُوزُ أمامَكُمْ؛ وهو يُهْلِكُ هَذِهِ الشُّعُوبَ مِن بَيْنِ أيْدِيكُمْ؛ وتَرِثُونَهُمْ؛ ويَشُوعُ هو يَجُوزُ أمامَكُمْ؛ كَما قالَ الرَّبُّ؛ وسَيَصْنَعُ بِهِمُ الرَّبُّ كَما صَنَعَ بِسِيحُونَ؛ وعُوجٍ؛ مَلِكَيِ الأمُورانِيِّينَ؛ اللَّذَيْنِ أهْلَكَهُما؛ ويَهْزِمُهُمُ اللَّهُ رَبُّكم مِن بَيْنِ أيْدِيكُمْ؛ فاصْنَعُوا بِهِمْ حِينَئِذٍ ما أمَرْتُكم بِهِ؛ فَتَقَوَّوْا؛ واعْتَزُّوا؛ ولا تَخافُوا؛ ولا تَفْزَعُوا؛ ولا تُرْعَبْ قُلُوبُكم مِنهُمْ؛ لِأنَّ اللَّهَ رَبَّكم سائِرٌ أمامَكُمْ؛ لا يَخْذُلُكُمْ؛ ولا يَرْفُضُكُمْ؛ ودَعا مُوسى يَشُوعَ بْنَ نُونٍ؛ وقالَ لَهُ بَيْنَ يَدَيْ جَماعَةِ بَنِي إسْرائِيلَ: تَقَوَّ واعْتَزَّ؛ لِأنَّكَ أنْتَ الَّذِي تُدْخِلُ هَذا الشَّعْبَ الأرْضَ الَّتِي أقْسَمَ اللَّهُ لِآبائِهِمْ أنْ يُعْطِيَهُمْ؛ وأنْتَ تُورِثُها أبْناءَهُمْ؛ والرَّبُّ هو يَسِيرُ أمامَكُمْ؛ وهو يَكُونُ مَعَكَ؛ ولا يَخْذُلُكَ ولا يَرْفُضُكَ؛ فَلا تَخَفْ؛ ولا تَفْزَعْ؛ ولا يُرْعَبْ قَلْبُكَ؛ وكَتَبَ مُوسى هَذِهِ التَّوْراةَ؛ وسُنَنَها ودَفَعَها إلى الأحْبارِ؛ بَنِي لاوِي؛ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ (p-١٠٦)تابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ؛ وإلى جَمِيعِ أشْياخِ بَنِي إسْرائِيلَ؛ ثُمَّ قالَ: وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسى في ذَلِكَ اليَوْمِ؛ وقالَ لَهُ: اصْعَدْ إلى جَبَلِ العِبْرانِيِّينَ هَذا؛ جَبَلِ نابُو الَّذِي في أرْضِ مُوآبَ حِيالَ يَرِيحا؛ وانْظُرْ إلى أرْضِ كَنْعانَ الَّتِي أُعْطِي بَنِي إسْرائِيلَ مِيراثًا؛ ولْتُتَوَفَّ هُناكَ؛ في الجَبَلِ الَّذِي تَصْعَدُ إلَيْهِ؛ واجْتَمِعْ إلى آبائِكَ؛ كَما تُوُفِّيَ أخُوكَ هارُونُ في الجَبَلِ؛ وصارَ إلى قَوْمِهِ؛ ثُمَّ قالَ في آخِرِ هَذا السِّفْرِ؛ وهو آخِرُ التَّوْراةِ: فَطَلَعَ مُوسى مِن عَرْبُوبَ - وفي نُسْخَةٍ: مِن بَيْداءِ مُوآبَ - إلى جَبَلِ نَبُو إلى رَأْسِ الأكَمَةِ الَّتِي قُبالَةَ وجْهِ إرِيحا؛ وأراهُ اللَّهُ جَمِيعَ جِلْعَدَ إلى دانَ وجَمِيعَ أرْضِ نَفْتالِي؛ وجَمِيعَ أرْضِ إفْرائِيمَ ومَنَشّا؛ وجَمِيعَ أرْضِ يَهُودا؛ إلى آخِرِ البَحْرِ؛ والبَرِّيَّةِ؛ وما حَوْلَ بُقْعَةِ بَلَدِ إرِيحا؛ مَدِينَةِ النَّخْلِ؛ إلى صاغِرَ؛ فَقالَ الرَّبُّ لِمُوسى: إنَّ هَذِهِ هي في الأرْضِ الَّتِي أقْسَمْتُ لِإبْراهِيمَ؛ وإسْحاقَ؛ ويَعْقُوبَ؛ وقُلْتُ: إنِّي لِنَسْلِكم أُعْطِيها؛ قَدْ أرَيْتُكَها بِعَيْنَيْكَ؛ فَأمّا أنْتَ فَما تَدْخُلُها؛ وقَضى عَبْدُ اللَّهِ مُوسى بِأرْضِ مُوآبَ؛ بِأمْرِ الرَّبِّ؛ فَدُفِنَ - يَعْنِي في أرْضِ مُوآبَ - حِذاءَ بَيْتِ فاغُورَ؛ ولَمْ يَعْرِفْ (p-١٠٧)أحَدٌ أيْنَ قَضى؛ إلى يَوْمِنا هَذا؛ وكانَ مُوسى - وقْتَ قَضى - ابْنَ مِائَةٍ وعِشْرِينَ سَنَةً؛ لَمْ يَضْعُفْ بَصَرُهُ؛ ولَمْ يَشِخْ جِدًّا؛ فَناحَ بَنُو إسْرائِيلَ عَلى مُوسى بِعَرْبُوبَ - وفي نُسَخَةٍ: في بَيْداءِ مُوآبَ - ثَلاثِينَ يَوْمًا؛ وتَمَّتْ أيّامُ بُكاءِ مَأْتَمِ مُوسى وامْتَلَأ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ رُوحَ الحِكْمَةِ؛ لِأنَّ مُوسى وضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ؛ وأطاعَ لَهُ بَنُو إسْرائِيلَ؛ وامْتَثَلُوا ما أمَرَ الرَّبُّ بِهِ مُوسى ). انْتَهى ما أرَدْتُهُ مِن أخْبارِ التِّيهِ؛ وما يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِن مُساواتِهِمْ لِجَمِيعِ النّاسِ في العَذابِ بِالمَعاصِي؛ والإلْطافِ بِالطّاعاتِ؛ الهادِمِ لِكَوْنِهِمْ أبْناءَ وأحِبّاءَ. وفِيهِ مِمّا يَحْتاجُ إلى تَفْسِيرٍ: الجِرْبِيُّ؛ وهو نِسْبَةً إلى الجِرْبِياءِ - بِكَسْرِ الجِيمِ؛ والمُوَحَّدَةِ؛ بَيْنَهُما مُهْمَلَةٌ ساكِنَةٌ؛ ثُمَّ تَحْتانِيَّةٌ مَمْدُودَةٌ؛ وهي جِهَةُ الشَّمالِ؛ والتَّيْمُنُ - بِفَتْحِ الفَوْقانِيَّةِ وإسْكانِ التَّحْتانِيَّةِ وضَمِّ المِيمِ؛ وهو أُفْقُ اليَمَنِ؛ الَّذِي يُقابِلُ الشَّمالَ؛ فالمُرادُ الجَنُوبُ؛ وفِيهِ قاصِمَةٌ لَهم مِن إنْكارِ النَّسْخِ في أمْرِهِمْ بِنَصِّ التَّوْراةِ؛ بِالدُّخُولِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ؛ ثُمَّ نَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ لَمّا عَصَوْا؛ فَإنَّهُ قالَ: (اصْعَدُوا ورِثُوا الأرْضَ؛ كَما قالَ لَكُمُ اللَّهُ رَبُّ آبائِكُمْ؛ لا تَخافُوا؛ ولا تَفْزَعُوا)؛ ولَمّا عَصَوْا هَذا الأمْرَ وأعْلَمَهم مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ؛ وعُقُوبَتِهِ بِالتِّيهِ؛ أرادُوا امْتِثالَ الأمْرِ في الصُّعُودِ؛ تَوْبَةً؛ فَقالَ لَهم مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: وقالَ لِيَ الرَّبُّ: (أنْذِرْهُمْ؛ وقُلْ لَهُمْ: لا تَصْعَدُوا؛ (p-١٠٨)ولا تُجاهِدُوا؛ لِأنِّي لَسْتُ بَيْنَكُمْ؛ لِئَلّا يَهْزِمَكم أعْداؤُكُمْ)؛ هَذا نَصُّهُ؛ فَراجِعْهُ؛ وأمّا دُخُولُ أبْنائِهِمْ إلى بِلادِ القُدْسِ؛ وغَلَبَتُهم عَلى أهْلِها؛ وتَبَسُّطُهم في أرْضِها؛ تَصْدِيقًا لِمَواعِدِ اللَّهِ عَلى يَدِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَسَيُذْكَرُ إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى) عِنْدَ قَوْلِهِ (تَعالى) في سُورَةِ ”يُونُسَ“ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿ولَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إسْرائِيلَ مُبَوَّأ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٩٣]؛ ولَكِنْ أُقَدِّمُ هُنا مِن أمْرِ يُوشَعَ بَعْدَ مُوسى - عَلَيْهِما السَّلامُ -والمَعُونَةُ بِاللَّهِ - ما يُبْنى عَلَيْهِ بَعْضُ مُناسَباتِ الآيَةِ الَّتِي بَعْدَها؛ قالَ البَغَوِيُّ: فَتَوَجَّهَ - يَعْنِي يُوشَعَ - بِبَنِي إسْرائِيلَ إلى إرِيحا ومَعَهُ تابُوتُ المِيثاقِ؛ فَأحاطَ بِها سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ ثُمَّ نَفَخُوا في القُرُونِ؛ وضَجَّ الشَّعْبُ ضَجَّةً واحِدَةً؛ فَسَقَطَ سُورُ المَدِينَةِ؛ ودَخَلُوا؛ فَقاتَلُوا الجَبّارِينَ؛ فَقَتَلُوهُمْ؛ وكانَ القِتالُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ؛ فَبَقِيَتْ مِنهم بَقِيَّةٌ؛ وكادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ؛ وتَدْخُلُ لَيْلَةُ السَّبْتِ فَقالَ: اللَّهُمَّ ارْدُدِ الشَّمْسَ عَلَيَّ؛ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ؛ وزِيدَ في النَّهارِ ساعَةٌ؛ ثُمَّ قَتَلَهم أجْمَعِينَ؛ وتَبِعَ مُلُوكَ الشّامِ؛ واسْتَباحَ مِنهم واحِدًا وثَلاثِينَ مَلِكًا؛ حَتّى غَلَبَ عَلى جَمِيعِ أرْضِ الشّامِ؛ وفَرَّقَ عُمّالَهُ في نَواحِيها؛ وجَمَعَ الغَنائِمَ؛ فَلَمْ تَنْزِلِ النّارُ؛ فَأوْحى اللَّهُ إلى يُوشَعَ أنَّ فِيها غُلُولًا؛ فَمُرْهم فَلْيُبايِعُوكَ؛ فَبايَعُوهُ؛ فالتَصَقَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنهم بِيَدِهِ؛ فَقالَ: هَلُمَّ ما عِنْدَكَ! فَأتاهُ بِرَأْسِ ثَوْرٍ مِن ذَهَبٍ؛ مُكَلَّلٍ بِاليَواقِيتِ والجَواهِرِ؛ فَجَعَلَهُ في القُرْبانِ؛ وجَعَلَ الرَّجُلَ مَعَهُ؛ فَجاءَتِ النّارُ فَأكَلَتِ الرَّجُلَ؛ والقُرْبانَ؛ انْتَهى؛ ورَأيْتُ أنا في تارِيخِ نُبُوَّةِ يُوشَعَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسى - عَلَيْهِما السَّلامُ - ما رُبَّما يُخالِفُ هَذا في الأشْهُرِ؛ والبَلَدِ؛ أمّا الأشْهُرُ فَجَعَلَها سَبْعَةَ أيّامٍ؛ وأمّا البَلْدَةُ الَّتِي وقَفَتْ عِنْدَها الشَّمْسُ فَجِبْعُونُ؛ لا إرِيحا؛ فَإنَّهُ قالَ ما نَصُّهُ: (قالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: انْظُرْ؛ إنِّي قَدْ دَفَعْتُ في يَدِكَ إرِيحا؛ ومَلِكَها؛ وكُلَّ أجْنادِها؛ فَلْيُحِطْ بِالمَدِينَةِ جَمِيعُ الرِّجالِ المُقاتِلَةِ؛ ودُورُوا حَوْلَ المَدِينَةِ في اليَوْمِ مَرَّةً؛ وافْعَلُوا ذَلِكَ في سِتَّةِ أيّامٍ؛ ويَحْمِلُ سَبْعَةٌ مِنَ الكَهَنَةِ سَبْعَةَ أبْواقٍ؛ ويَهْتِفُونَ أمامَ التّابُوتِ؛ حَتّى إذا كانَ اليَوْمُ السّابِعُ دُورُوا حَوْلَ المَدِينَةِ سَبْعَ مَرّاتٍ؛ ويَهْتِفُ الكَهَنَةُ بِالقُرُونِ؛ وإذا هَتَفَتِ الأبْواقُ؛ وسَمِعْتُمْ أصْواتَها؛ يَهْتِفُ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِأعْلى أصْواتِهِمْ صَوْتًا شَدِيدًا؛ فَيَقَعَ سُورُ المَدِينَةِ مَكانَهُ؛ ويَصْعَدُ الشَّعْبُ كُلُّ إنْسانٍ حِيالَهُ)؛ انْتَهى. (p-١٠٩)ثُمَّ ذَكَرَ امْتِثالَهم لِأمْرِ اللَّهِ؛ وفَتْحَهم لِإرِيحا؛ عَلى ما قالَ اللَّهُ؛ وأمّا البَلْدَةُ الَّتِي رُدَّتْ فِيها الشَّمْسُ فَهي جِبْعُونَ؛ وذَلِكَ أنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ فَتْحِ إرِيحا هَذِهِ؛ أنَّ سُكّانَ جِعْبُونَ؛ وهُمُ الحاوانِيُّونَ؛ صالَحُوا يُوشَعَ بِحِيلَةٍ فَعَلُوها؛ ثُمَّ قالَ: وهَذِهِ أسْماءُ قُراهُمْ: جِبْعُونُ؛ والكَفِيرَةُ؛ وبَيْرُوتُ؛ ويَعارِيمُ؛ فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ أدُونِصَداقُ مَلِكُ أُورْشَلِيمَ؛ فَرَقَ فَرَقًا شَدِيدًا؛ لِأنَّ جِبْعُونَ كانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً؛ كَمِثْلِ مُدُنِ المَلِكِ؛ وكانَ أهْلُها رِجالًا جَبابِرَةً؛ فَأرْسَلَ إلى هُوهَمَ مَلِكِ حَبْرانَ - (p-١١٠)وفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَبْرُونَ - وإلى فِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوثَ؛ وإلى يافِعَ مَلِكِ لَخِيسَ؛ وإلى دابِيرَ مَلِكِ عَقْلُونَ - وقالَ لِي بَعْضُ اليَهُودِ: إنَّ المُرادَ بِهَذِهِ عَجْلُونَ - وقالَ لَهُمْ: اصْعَدُوا لِتُعِينُونِي عَلى مُحارَبَةِ أهْلِ جِبْعُونَ؛ لِأنَّهم قَدْ صالَحُوا يَشُوعَ؛ فاجْتَمَعَ الخَمْسَةُ مِن مُلُوكِ الأمُورانِيِّينَ؛ وجَمِيعُ عَساكِرِهِمْ؛ فَنَزَلُوا عَلى جِبْعُونَ؛ فَأرْسَلَ أهْلُ جِبْعُونَ إلى يَشُوعَ؛ فَصَعِدَ يَشُوعُ مِنَ الجِلْجالِ؛ هو وجَمِيعُ أبْطالِ الشَّعْبِ؛ فَأوْحى الرَّبُّ إلى يَشُوعَ: لا تَخَفْ؛ ولا تَفْزَعْ مِنهُمْ؛ لِأنِّي قَدْ أسَلَمْتُهم في يَدِكَ؛ فَأتاهم بَغْتَةً؛ لِأنَّهُ صَعِدَ مِنَ الجِلْجالِ؛ اللَّيْلَ أجْمَعَ؛ فَهَزَمَهُمُ الرَّبُّ بَيْنَ يَدَيْ آلِ إسْرائِيلَ وجَرَحُوا مِنهم جَرْحى كَثِيرَةً في جِبْعُونَ الَّتِي بِحُورانَ؛ وهَرَبُوا في طَرِيقِ عَقَبَةِ حُورانَ ولَمْ يَزالُوا يَقْتُلُونَ مِنهم إلى عَزِيقَةَ ومَقِّيدَةَ؛ فَلَمّا هَرَبَ الَّذِينَ بَقُوا مِنهُمْ؛ ونَزَلُوا عَقَبَةَ حُورانَ أمْطَرَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ حِجارَةَ بَرَدٍ كِبارٍ مِنَ السَّماءِ إلى عَزِيقَةَ؛ وماتُوا كُلُّهُمْ؛ فَكانَ الَّذِينَ ماتُوا بِحِجارَةِ البَرَدِ أكْثَرَ مِنَ الذِينَ قُتِلُوا؛ ثُمَّ قامَ يَشُوعُ أمامَ الرَّبِّ مُصَلِّيًا في اليَوْمِ الَّذِي دَفَعَ الرَّبُّ الأمُورانِيِّينَ في يَدَيْ بَنِي إسْرائِيلَ؛ وقالَ: أيَّتُها الشَّمْسُ؛ امْكُثِي في جِبْعُونَ؛ ولا تَسِيرِي؛ وأنْتَ أيُّها القَمَرُ؛ لا تَبْرَحْ قاعَ أيَّلُونَ؛ (p-١١١)فَثَبَتَتِ الشَّمْسُ؛ وقامَ القَمَرُ؛ حَتّى انْتَقَمَ الشَّعْبُ مِن أعْدائِهِمْ؛ فَكُتِبَتْ هَذِهِ الأُعْجُوبَةُ في سِفْرِ التَّسابِيحِ؛ لِأنَّ الشَّمْسَ وقَفَتْ في وسَطِ السَّماءِ؛ ولَمْ تَزَلْ إلى الغُرُوبِ؛ وصارَ النَّهارُ يَوْمًا تامًّا؛ ولَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذَلِكَ اليَوْمِ قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ؛ انْتَهى. وقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ القِصَّةَ؛ رَوى الشَّيْخانِ: البُخارِيُّ؛ في الخَمْسِ؛ والنِّكاحِ؛ ومُسْلِمٌ؛ في المَغازِي؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «”غَزا نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ؛ فَقالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتْبَعَنِّي رَجُلٌ مَلَكَ بِضْعَ امْرَأةٍ وهو يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ بِها ولَمّا يَبْنِ بِها؛ ولا أحَدٌ بَنى بُيُوتًا ولَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَها؛ ولا أحَدٌ اشْتَرى غَنَمًا أوْ خَلِفاتٍ وهو يَنْتَظِرُ وِلادَها؛ فَغَزا؛ فَدَنا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ؛ أوْ قَرِيبًا مِن ذَلِكَ؛ فَقالَ لِلشَّمْسِ: إنَّكِ مَأْمُورَةٌ؛ وأنا مَأْمُورٌ؛ اللَّهُمَّ احْبِسْها عَلَيْنا؛ فَحُبِسَتْ حَتّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَجَمَعَ الغَنائِمِ؛ فَجاءَتْ - يَعْنِي النّارُ - لِتَأْكُلَها؛ فَلَمْ تَطْعَمْها؛ فَقالَ: إنَّ فِيكم غُلُولًا؛ فَلْيُبايِعْنِي مِن كُلِّ قَبِيلَةِ رَجُلٌ؛ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ؛ فَقالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ؛ فَلْتُبايِعْنِي قَبِيلَتُكَ؛ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ؛ أوْ ثَلاثَةٌ بِيَدِهِ؛ فَقالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ؛ فَجاؤُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ؛ فَوَضَعُوها؛ فَجاءَتِ النّارُ فَأكْلَتَها؛ ثُمَّ أحَلَّ اللَّهُ لَنا الغَنائِمَ؛ رَأى بَعْضَ ضَعْفِنا؛ وعَجْزِنا؛ فَأحَلَّها لَنا“». وفِي (p-١١٢)رِوايَةِ المُسْنَدِ لِلْحافِظِ نُورِ الدِّينِ الهَيْثَمِيِّ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”إنَّ الشَّمْسَ لَمْ يُحْبَسْ عَلى بَشَرٍ إلّا لِيُوشَعَ؛ لَيالِيَ سارَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ“؛» قالَ: وهو في الصَّحِيحِ؛ ولَمْ أرَ فِيهِ حَصْرًا كَما هُنا؛ وفي سِيرَةِ ابْنِ إسْحاقَ ما يَنْقُضُهُ؛ قالَ: حَدَّثَنا يُونُسُ عَنِ الأسْباطِ بْنِ نَصْرٍ الهَمْدانِيِّ عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيِّ قالَ: «لَمّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأخْبَرَ قَوْمَهُ بِالرِّفْعَةِ؛ والعَلامَةِ عَمّا في العِيرِ؛ قالُوا: فَمَتى تَجِيءُ؟ قالَ: ”يَوْمَ الأرْبِعاءِ“؛ فَلَمّا كانَ ذَلِكَ اليَوْمُ أشْرَفَتْ قُرَيْشٌ يَنْتَظِرُونَ؛ وقَدْ ولّى النَّهارُ ولَمْ تَجِئْ؛ فَدَعا النَّبِيُّ ﷺ؛ فَزِيدَ لَهُ في النَّهارِ ساعَةٌ؛ وحُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ؛ ولَمْ تُرَدَّ الشَّمْسُ عَلى أحَدٍ إلّا عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ» عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وعَلى يُوشَعِ بْنِ نُونٍ؛ حِينَ قاتَلَ الجَبّارِينَ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب